مقالة للمحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين: عندما تت clash العقيدة مع القوة

اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران منذ عدة أيام شكّل لحظة تحول كبيرة في المشهد الإقليمي، وكشف مبكرًا عن تحديات بنيوية تواجه الطرفين، وبالأخص إسرائيل. على الرغم من امتلاك إسرائيل لتفوق تكنولوجي وعسكري ملحوظ، فإن طبيعة هذه الحرب تختلف جوهريًا عن معظم الحروب التي خاضتها منذ عام 1973. فآخر مواجهة مباشرة لها مع جيش نظامي كانت في زمن مختلف تمامًا، حين كانت معايير المعركة تدار بأسلحة تقليدية، وبزمن كانت فيه الحروب أكثر وضوحًا من حيث الجغرافيا والأهداف. أما اليوم، فإن إسرائيل تخوض صراعًا مع دولة تمتلك منظومة عسكرية معقدة وجيشًا نظاميًا مدرّبًا، وهذا النوع من المواجهات لم يعد مألوفًا في تجربتها الحديثة.طوال العقود الماضية، تركّزت الخبرة القتالية الإسرائيلية في التعامل مع فصائل مسلحة غير نظامية كحزب الله وحماس وغيرها. هذه المواجهات، رغم عنفها وخطورتها، تظل مختلفة تمامًا من حيث طبيعة الخصم وأدوات المعركة. فالمعارك مع تنظيمات مسلحة غالبًا ما تعتمد على التكتيك السريع، الضربات الجوية الدقيقة، والتفوق الاستخباراتي، في مقابل خصم محدود الإمكانيات ومكشوف نسبيًا. أما الحرب الحالية، فهي مع دولة تمتلك قدرات صاروخية متطورة، منظومات دفاع جوي، بنى تحتية عسكرية ضخمة، وخبرة قتالية طويلة، خاصة في الحروب غير المتكافئة والعمليات الإقليمية المركبة.إسرائيل، برغم قدرتها العالية على توجيه ضربات مركزة وموجعة، تجد نفسها الآن أمام واقع جديد: جبهة متماسكة، دولة ذات عمق استراتيجي واسع، وعدو مستعد للمواجهة طويلة الأمد، بل ويؤمن بضرورتها من منطلق عقائدي ووجودي. فإيران لا تخوض هذه الحرب فقط كصراع عسكري تقليدي، بل كدفاع عن النفس، وعن عقيدة تعتبرها جوهر كيانها السياسي والديني. الأرض الإيرانية بالنسبة لصناع القرار في طهران ليست فقط وطنًا بالمعنى السياسي، بل مركزًا لفكرة أوسع تتعلق بالدور الإيراني في العالم الإسلامي، وصراعها مع إسرائيل يُفهم داخليًا كجزء من هذا الامتداد العقائدي.القتال إذًا لا يُقاس فقط بالخسائر العسكرية، بل بالتأثيرات النفسية والسياسية بعيدة المدى. إيران تقاتل من موقع الدفاع الصلب، وتسعى لإثبات أن بإمكانها الصمود أمام قوة مدعومة غربيًا، بل والرد عليها بشكل فاعل ومؤلم. وقد برز ذلك في اليومين الماضيين من خلال الضربات المتبادلة، التي لم تقتصر على نطاق جغرافي ضيق، بل اتسعت لتشمل أهدافًا نوعية واستراتيجية.التحالفات الدولية تلعب دورًا كبيرًا في هذه المواجهة. فإسرائيل تعتمد، كما في حروبها السابقة، على دعم مباشر أو غير مباشر من قوى دولية وإقليمية، سواء عبر تسليح نوعي، أو تغطية سياسية، أو دعم استخباراتي. إلا أن إيران بدورها تمتلك شبكة تحالفات إقليمية جاهزة للانخراط بدرجات متفاوتة في هذا الصراع، مما يعقّد المشهد أكثر ويحوّله إلى نزاع متعدد الأبعاد.بمرور الأيام الأولى، يتبيّن أن هذه ليست حربًا خاطفة، بل حرب استنزاف طويلة، يُختبر فيها الصبر السياسي، والتحمل الشعبي، والمرونة الاستراتيجية. التقدم السريع ليس ضمانة للنصر، والخسائر الأولية ليست مؤشرًا للهزيمة. إنها حرب أعادت تعريف مفهوم التفوق العسكري في المنطقة، وأظهرت أن امتلاك السلاح لا يعني بالضرورة القدرة على حسم المعركة في مواجهة خصم مستعد، عقائديًا واستراتيجيًا، لدفع كلفة طويلة مقابل ما يراه حمايةً لكيانه وموقعه في خارطة الإقليم.في نهاية المطاف، الحرب القائمة بين إسرائيل وإيران تجاوزت كونها صدامًا عسكريًا مباشرًا، وأصبحت صراعًا مركبًا بين نموذجين مختلفين في الرؤية والقوة والتكتيك، وكل يوم يمر في هذا النزاع يعمّق مأزق الحسم السريع، ويفتح أبوابًا لتحولات أكبر قد تمتد آثارها لعقود.