خطاب تاريخي يبرز أهمية القيم والحق مقابل منطق القوة – بقلم: فيصل ملكاوي

بمضامينَ ورسائلَ عميقةٍ وشجاعةٍ وحكمةٍ، وروحٍ قِيَميّةٍ وأخلاقيّةٍ رفيعةِ المستوى، ألقى جلالةُ الملكِ عبدُاللهِ الثاني خطابَهُ التاريخيَّ أمامَ أعضاءِ البرلمانِ الأوروبيِّ في مدينةِ ستراسبورغَ الفرنسيّةِ، في توقيتٍ غايةٍ في الأهميّةِ، في لحظةٍ تاريخيّةٍ حرجةٍ وحاسمةٍ تمرُّ بها المنطقةُ والعالمُ في ظلِّ توالي الأزماتِ والصراعاتِ والحروبِ، وفي ظلِّ حالةِ انفلاتٍ غيرِ مسبوقةٍ، فقَدَ معها العالمُ بوصلتَهُ، الوضعُ الذي طالما حذّر جلالتُهُ في كلِّ المناسباتِ خلالَ السنواتِ الماضيةِ من هذه المآلاتِ الخطيرةِ لتركِ?المجتمعِ العالميِّ مسؤولياتِهِ حيالَ إيجادِ حلولٍ عادلةٍ وشاملةٍ لقضايا المنطقةِ، وفي مقدّمتِها القضيّةُ الفلسطينيّةُ وحقُّ الشعبِ الفلسطينيِّ في الحريّةِ والسيادةِ والدولةِ، كما أكّد جلالتُهُ.جلالةُ الملكِ وضعَ البرلمانَ الأوروبيَّ بتصوّرٍ وصورةٍ كاملةٍ وشاملةٍ بخطورةِ تداعياتِ ما يجري، وإلى أيِّ مدياتٍ يمكنُ أن تصلَ من توالي الأزماتِ ومخاطرِها إذا ما بقيتِ النظرةُ قاصرةً بتغليبِ السلطةِ على المبادئِ، والقوّةِ على الحقِّ، وهي أدواتٌ لا يمكنُ أن تضمنَ الأمنَ والسلامَ، وقد تمَّ تجربتُها مرارًا في المنطقةِ والعالمِ ولم تنجحْ.وصفةُ النجاحِ التي خاطبَ بها جلالةُ الملكِ البرلمانَ الأوروبيَّ هي إعلاءُ القِيَمِ المشتركةِ، وقِيَمِ العدالةِ والحقِّ كمنظومةِ قوّةٍ خلاّقةٍ تُطلقُ العِنانَ للمبادئِ القانونيّةِ والأخلاقيّةِ التي تُعطي زخمًا كاملًا ومؤثّرًا في اجتراحِ الحلولِ العادلةِ والشاملةِ والدائمةِ لجذورِ الصراعاتِ، وتُبرهنُ للجميعِ، كما لفتَ جلالتُهُ، أنّ تحقيقَ الأمنِ والسلامِ وديمومتَهُ تضمنُهُ القِيَمُ المشتركةُ العالميّةُ القائمةُ على قوّةِ المبادئِ والحقِّ والعدالةِ، وليس قوّةَ الجيوشِ بأيِّ حالٍ.رؤيةُ جلالةِ الملكِ التي أكّدها في خطابِهِ أمامَ البرلمانِ الأوروبيِّ، وكما هي دومًا في خضمِّ كلِّ الظروفِ والأزماتِ الصعبةِ في المنطقةِ والعالمِ، أعادت القضيّةَ الفلسطينيّةَ إلى صدارةِ المشهدِ أمامَ البرلمانِ الأوروبيِّ، في هذا التوقيتِ الهامِّ، وفي كلِّ مرحلةٍ ومناسبةٍ نجحَ جلالتُهُ أنْ تبقى حاضرةً، ولا يغيبُ التركيزُ عنها، ولا عن قطاعِ غزّةَ والضفّةِ الغربيّةِ، وما يرتكبُهُ العدوانُ الإسرائيليُّ من جرائمَ وحصارٍ وتجويعٍ بحقِّ أبناءِ الشعبِ الفلسطينيِّ، ولخّصَ جلالتُهُ بعمقٍ المشهدَ برمّتِهِ: «العالمُ خذ?َ غزّةَ».خطابُ جلالتِه ركّزَ بعمقٍ لإبقاءِ القضيّةِ الفلسطينيّةِ في صدارةِ المشهدِ الأوروبيِّ والأجندةِ الدوليّةِ، وهو ما يلقى النجاحَ بفضلِ دبلوماسيّةِ جلالتِه ومكانتِهِ الرفيعةِ واحترامِهِ الكبيرِ لدى دولِ العالمِ وشعوبِها.هذه الرؤيةُ الملكيّةُ تجلّت بشكلٍ لافتٍ في خطابِ جلالتِه وفي مقاربتِهِ الشاملةِ لأسسِ الحلولِ العادلةِ لقضايا المنطقةِ، وكذلك على الساحةِ الدوليّةِ، عندما استعادَ بشكلٍ لافتٍ أمامَ أعضاءِ البرلمانِ الأوروبيِّ اللحظةَ التاريخيّةَ لخياراتِ الأوروبيّين واختياراتِهم عند تأسيسِ الاتّحادِ الأوروبيِّ، وذكّرَهم جلالتُهُ كيفَ تجاوزوا وقتَها الماضي باختيارِ منطقِ قوّةِ القِيَمِ المشتركةِ والمبادئِ الإنسانيّةِ والأخلاقيّةِ، التي عالمُ اليومِ بأمسِّ الحاجةِ لها.