ما أهمية دراسة علم مصطلح الحديث؟

ما أهمية دراسة علم مصطلح الحديث؟


مدار الساعة – السؤال: ما الفائدة من علم مختلف الحديث؟ الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: نصوص السنة الصحيحة الثابتة، قد يفهم من ظواهر بعضها وجود اختلاف بينها في الأحكام أو الأخبار؛ إما بسبب أن الحديثين – اللذين يوهم ظاهرهما التعارض – تختلف في الحقيقة قضيتهما، وإن كانا متعلقين بالأحكام، فقد يكون الاختلاف بسبب تغير الحكم بالنسخ.فمن اكتفى بظواهر هذه الأخبار، ولم يتعمق في البحث في دلالات ألفاظها، وتاريخها، وأسباب ورودها، قد يظنها المطالع أنها متعارضة، وهذا ما يسمى بـ “مُختلِف الحديث”.قال النووي رحمه الله تعالى:” معرفة مختلف الحديث وحكمه: هذا من أهم الأنواع، ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف.وهو: أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهرا، فيوفق بينهما أو يرجح أحدهما ” انتهى. “التقريب والتيسير” (ص90).فالموقف الشرعي في التعامل مع هذه النصوص؛ هو بالتوفيق والتأليف بين معانيها بوجه مناسب.قال الخطابي رحمه الله تعالى:” وسبيل الحديثين إذا اختلفا في الظاهر وأمكن التوفيق بينهما وترتيب أحدهما على الآخر؛ أن لا يحملا على المنافاة، ولا يضرب بعضها ببعض، لكن يستعمل كل واحد منهما في موضعه، وبهذا جرت قضية العلماء في كثير من الحديث ” انتهى. “معالم السنن” (3 / 80).وهذا التوفيق هو الواجب.قال ابن حزم رحمه الله تعالى:” تأليف كلام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وضمّ بعضه إلى بعض والأخذ بجميعه -: فرض لا يحلّ سواه ” انتهى. “المحلى بالآثار” (2/270).وأصل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم في تبليغ دين الله تعالى.قال الله تعالى:( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم/2 – 4.قال ابن حزم رحمه الله تعالى:” قال الله عز وجل عن نبيه صلى الله عليه وسلم ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى )، وقال تعالى آمرا لنبيه عليه الصلاة والسلام أن يقول: ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )، وقال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )، وقال تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )، فصح أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كله، في الدين: وحي من عند الله عز وجل، لا شك في ذلك، ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل ” انتهى. “الإحكام في أصول الأحكام” (1 / 198 — 199).فنصوص السنة الصحيحة لا تتعارض، ومن ظهر له تعارض فهو في فهمه وليس في حقيقة الأمر.روى الخطيب البغدادي عن ابن خزيمة، أنه قال:” لا أعرف أنّه رُوِي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثان بإسنادين صحيحين متضادّان، فمن كان عنده فليأت به حتّى أؤلّف بينهما ” انتهى. “الكفاية في علم الرواية” (ص432).وهذا التوفيق بين مختلف الحديث، يحقق أمرين في غاية الأهمية:الأمر الأول:أنه يحقق الفهم الصحيح لهذه النصوص، ويزيل الخلاف الحاصل بسبب سوء الفهم لها.قال ابن القيم رحمه الله تعالى:” لا تعارض بحمد الله بين أحاديثه الصحيحة …وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان من كل وجه، ليس أحدهما ناسخا للآخر، فهذا لا يوجد أصلا، ومعاذ الله أن يوجد في كلام الصادق المصدوق الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق، والآفة من التقصير في معرفة المنقول، والتمييز بين صحيحه ومعلوله، أو من القصور في فهم مراده صلى الله عليه وسلم، وحمل كلامه على غير ما عناه به، أو منهما معا، ومن هاهنا وقع من الاختلاف والفساد ما وقع، وبالله التوفيق ” انتهى. “زاد المعاد” (4 / 137 – 138).ولهذا المقصد ألف الإمام الشافعي كتابه “اختلاف الحديث”، وألف أبو جعفر الطحاوي كتابه “شرح مشكل الآثار”.وقد قال الطحاوي رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه:” وإنّي نظرت في الآثار المرويّة عَنْهُ صلى الله عليه وسلم بالأسانيد المقبولة، الّتي نقلها ذوو التّثبّت فيها والأمانة عليها، وحسن الأداء لها، فوجدت فيها أشياء ممّا يسقط [=يخفى، ويغيب] معرفتها والعلم بما فيها عن أكثر النّاس، فمال قلبي إلى تأمّلها، وتبيان ما قدرت عليه من مشكِلِها، ومن استخراج الأحكام الّتي فيها، ومن نفي الإحالات عنها ” انتهى. “شرح مشكل الآثار” (1 / 6). و”الإحالات”: التناقض والاضطراب.الأمر الثاني:رد الطعون التي يلقيها أولياء الشيطان، حيث يحاولون صرف الناس عن دين الاسلام، وعن السنة النبوية، بإيهامهم وجود نصوص متعارضة، وقد ظهر هذا الإفك من عصور بعيدة، ولهذا المقصد ألف ابن قتيبة الدينوري كتابه “تأويل مختلف الحديث”.فقال رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه مشيرا إلى سبب تأليفه:” أمّا بعد؛ أسعدك اللّه تعالى بطاعته، وحاطك بكلاءته، ووفّقك للحقّ برحمته وجعلك من أهله؛ فإنّك كتبت إليّ تعلمني ما وقفت عليه من ثلب أهل الكلامِ أهلَ الحديثِ، وامتهانهم، وإسهابهم في الكتب؛ بذمّهم ورميهم بحمل الكذب ورواية المتناقض … ” انتهى. “تأويل مختلف الحديث” (ص47).الخلاصة:معرفة “مُختلِف الحديث”، من المباحث الهامة في علوم الشرع، فهو يتناول جميع نصوص السنة الصحيحة التي قد يوحي ظاهرها وجود اختلاف بينها، والاجتهاد في معرفة الوجه الصحيح لمعانيها والذي به يزول التعارض المتوهم.فيتحقق من هذا أمران مهمان: التفقه الصحيح في هذه النصوص ومعرفة الراجح من أقوال أهل العلم الذين اختلفوا بسبب هذا التعارض، وكذا رد طعون أهل الضلال.والله أعلم.المصدر:موقع الإسلام سؤال وجواب