القصير يسلط الضوء على رسالة الحق والضمير في خطاب الملك عبد الله الثاني أمام البرلمان الأوروبي – بقلم: سيف جرير القصير

في عالم تعبث به الأزمات، وتُطمَس فيه المعالم تحت ركام المصالح والنفاق السياسي، ينهض بعض القادة لا ليُسهموا في ضوضاء العالم، بل ليعيدوا إليه صوته الأخلاقي. وقد فعلها جلالة الملك عبد الله الثاني، حين خاطب البرلمان الأوروبي، لا بوصفه رئيس دولة فقط، بل ممثلًا لضمير أمة، ومُذكّرًا لقيم يكاد العالم أن ينساها: العدالة، والرحمة، وحرمة الإنسان و مدينًا لصمت المجتمع الدولي وتخاذله، ومؤكدًا أن «السكوت في وجه الظلم هو تواطؤ».نثمن موقف جلالته الثابت وجهوده الحثيثة في الدفاع عن القدس ومقدساتها، وهي قضية ليست فقط أردنية أو إسلامية، بل إنسانية بامتياز. فقد جاء الخطاب شاملاً، استعرض قضايا الأمة بنظرة ثاقبة، وحذّر من انحدار العالم نحو الهاوية، لكنه توقف عند القدس، فتجلّت أسمى رسائل الخطاب، لا لأن القدس جرح نازف فحسب، بل لأنها مرآة للضمير العالمي، ومركز للميزان الأخلاقي.العهدة العمرية: وثيقة عدل تحيا بها القيادة الهاشميةومن أبلغ ما ورد في خطاب جلالة الملك، استحضاره لـ«العهدة العمرية»؛ تلك الوثيقة الخالدة التي خطها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والتي أرست قواعد الحرية الدينية، وأكدت احترام العقائد، وحفظ حرمة أماكن العبادة. بهذا الاستدعاء، أكد جلالته أن رعاية المقدسات في القدس ليست هبة سياسية عابرة، بل امتدادٌ لمنهج رباني وأخلاقي في الحكم والولاية.الوصاية الهاشمية، كما صاغها خطاب الملك، ليست مجرد عنوان سياسي أو رمزي، بل مسؤولية شرعية لا يعتريها الشك في مشروعية، ودرع أخير في مواجهة محاولات التهويد والتطهير الديني والثقافي، تجسيد حي لقيم الإسلام في العدل والرحمة وحفظ العهود.جلالة الملك: صوت الحق باسم كل إنسان حرالشجاعة التي أظهرها جلالة الملك عبد الله الثاني أثناء مخاطبته برلمانًا يمثل قارةً بأسرها، تنبع من إيمانه الراسخ بأن الحق لا يهاب، وأن الدفاع عن المستضعفين لا يُؤجل. إن مواقفه المتكررة في المحافل الدولية ترجمة صادقة لحكمة القيادة، وعمق الرسالة، ونبل الدور التاريخي الذي يمثله الأردن بقيادته الهاشمية.«إذا فشل مجتمعنا العالمي في التصرف بشكل حاسم، فإننا نصبح متواطئين في إعادة تعريف معنى أن تكون إنساناً»— جلالة الملك عبد الله الثانيختامًا، لقد أنصف جلالة الملك التاريخ، وأيقظ ضمير العالم، وذكّر الجميع بأن القيم لا تُستورد من الخارج، بل تنبع من عمق حضارتنا وثقافتنا الإسلامية العريقة. ومن على منبر البرلمان الأوروبي، أطلق صوته باسم القدس وغزة والمقدسات والحق، فكان كما عهدناه دومًا: ملكًا لا يصمت، وقائدًا لا يساوم، وهاشميًا لا يفرّط بالأمانة.