اكتشف أبرز التغييرات في قانون العقوبات الأردني لعام 2025 (صور)

اكتشف أبرز التغييرات في قانون العقوبات الأردني لعام 2025 (صور)


مدار الساعة – المحامي محمد نبهان والمحامية براءة النسور – شهد قانون العقوبات الأردني مؤخرًا تعديلًا جوهريًا نُشر في الجريدة الرسمية عام 2025، حمل في طياته تغييرات مهمة تمس حياة المواطن بشكل مباشر. جاءت هذه التعديلات ضمن جهود تحديث التشريعات وتعزيز مفهوم العدالة التصالحية والإصلاحية في التعامل مع القضايا الجنائية. فيما يلي نستعرض أبرز ما تضمنه القانون المعدِّل بأسلوب مبسَّط يفهمه الجميع، بعيدًا عن المصطلحات القانونية المعقدة.تقسيط الغرامات بدل السجن: من أبرز التعديلات تمكين المحكوم عليهم بالغرامات المالية من طلب تأجيل الدفع أو تقسيطه على فترة زمنية بدلًا من الزج بهم في السجن فورًا. ففي السابق، إذا عجز شخص عن دفع الغرامة المحكوم بها، كان يواجه الحبس يومًا واحدًا عن كل 10 دنانير لم يدفعها (بحد أقصى سنة واحدة)، مما يعني أن محدودي الدخل قد يدخلون السجن لمجرد عجزهم المالي. أما الآن، أصبح بإمكان من عليه غرامة أن يطلب من المحكمة تأجيل دفعها لمدة تصل إلى سنة واحدة أو تقسيطها على أقساط تمتد إلى سنتين. مثال واقعي: لنفترض أن “أبو أحمد” عليه غرامة كبيرة نتيجة مخالفة ما ولم يستطع دفعها دفعةً واحدة؛ يستطيع اليوم أن يتقدم بطلب للمحكمة لتقسيط الغرامة على مدى عامين، مما يجنِّبه الحبس ويتيح له فرصة ترتيب أموره المالية. ولكن يجدر الانتباه أن هذا الامتياز له ضوابط، منها أنه يُمنع سفر المحكوم عليه خارج البلاد حتى يسدد كامل مبلغ الغرامة أو تنتهي مدة التقسيط. أي أن “أبو أحمد” في مثالنا لن يتمكّن من السفر إلى الخارج أثناء فترة التقسيط، ضمانًا لالتزامه بالسداد وعدم تهربه من عقوبته. وفي حالة كان لدى المحكوم أموال أو ممتلكات كافية لتسديد قيمة الغرامة، يمكن للقضاء حجز تلك الأملاك بدلًا من سجنه دون الحاجة لمنعه من السفر. هذه الإجراءات الجديدة توفر حلولًا أكثر مرونة ورحمة، وتخفف من اكتظاظ السجون بأشخاص كان ذنبهم الوحيد عدم القدرة المالية على الدفع الفوري.بدائل جديدة للعقوبات السالبة للحرية (بدل السجن): التعديل الجديد أدخل مفهوم بدائل عقوبة السجن بشكل أوسع من أي وقت مضى. لم يعد القضاء مُجبرًا في بعض الجنح والجنايات البسيطة على الحكم بالسجن فقط؛ بل أصبح بإمكان المحكمة عند إصدار الحكم – أو حتى بعد صدوره واكتسابه الدرجة القطعية في بعض الحالات – أن تستبدل عقوبة السجن بواحدة أو أكثر من العقوبات البديلة التي لا تُفقد المحكوم حريته بشكل كامل. هذه البدائل وُضعت لمعاقبة الجاني وفي الوقت نفسه إصلاحه وإفادته ومجتمعه، خصوصًا إذا كانت الجريمة غير خطيرة. من أبرز هذه البدائل التي نص عليها القانون المعدل:الخدمة المجتمعية: أن يقوم المحكوم عليه بأعمال خدمة للناس بدون أجر وبموافقته، كتنظيف الحدائق العامة أو مساعدة كبار السن في دور الرعاية، لعدد معين من الساعات تحدده المحكمة. مثال: شاب تورط في مشاجرة بسيطة لأول مرة، قد تحكم عليه المحكمة بخدمة المجتمع كتنظيف أحد الشوارع 5 ساعات يوميًّا بدل أن يقضي شهرًا في السجن. هذا يضمن أن يقضي عقوبته بشكل نافع للمجتمع دون أن ينقطع عن حياته الطبيعية أو عمله.البرامج التأهيلية والإصلاحية: إلزام المحكوم عليه، بموافقته أيضًا، بالالتحاق ببرامج إعادة تأهيل أو تدريب تهدف إلى تقويم سلوكه وتصحيح أخطائه. مثل إلحاق من أدمن المخدرات ببرنامج علاجي وتأهيلي بدل سجنه، مما يزيد فرص شفائه وابتعاده عن طريق الجريمة.المراقبة الإلكترونية والإقامة الجبرية الجزئية: وضع سوار إلكتروني مثلاً يتابع تحركات المحكوم عليه، أو تحديد مكان إقامته بحيث يبقى في منزله أو في منطقة جغرافية محددة خلال أوقات معينة. بمعنى آخر، قد يُسمح للشخص بأن يعيش حياته الطبيعية نهارًا (يذهب لعمله مثلًا) ولكن يلتزم بالمنزل ليلاً تحت الرقابة الإلكترونية بدل أن يمضي تلك المدة خلف القضبان.حظر ارتياد أماكن معينة: يمكن للمحكمة أيضًا منع المحكوم من الذهاب إلى أماكن محددة مرتبطة بجريمته لمدة معينة. فلو ارتكب أحدهم جنحة في ملهى أو ملعب كرة، قد يُحكم عليه بحظر ارتياد ذلك المكان بدل حبسه.هذه البدائل وغيرها تمثل نهجًا حديثًا في العقاب، هدفه إصلاح الفرد وحماية المجتمع دون اللجوء دائمًا للسجن. وقد أكد القانون المعدل أن المحكمة تستطيع الجمع بين البدائل السابقة وإجراءات احترازية إضافية عند اللزوم؛ فمثلاً يمكن أن يُفرض مع الخدمة المجتمعية منع سفر لمدة محددة على المحكوم لضمان تواجده لتنفيذ العقوبة، أو تكليفه بتقديم تعهد مالي بعدم التعرض لأشخاص معينين إن كانت جريمته مرتبطة بشخص آخر. كما تم تنظيم مدة البدائل بحيث لا تقل عن ثلث مدة السجن الأصلية التي حُكم بها ولا تتجاوزها، لضمان أن يكون العقاب مكافئًا للجُرم.استثناء الجرائم الخطيرة: بالرغم من التوسع الكبير في بدائل السجن، شدّد القانون على أن بعض الجرائم الخطيرة لا مجال فيها للتهاون أو الاستبدال. فبدائل العقوبات السالبة للحرية غير مسموحة في جرائم تمس أمن الدولة، أو قضايا الفساد الكبرى، والجرائم الجسيمة الواقعة على الأشخاص (كالقتل والاغتصاب والخطف والتعذيب مثلًا) إلا إذا تنازل الطرف المتضرر أو سامح الجاني. هذا يعني أنه في الجرائم التي تتعلق بحقوق المجتمع وأمنه ككل، سيبقى السجن العقوبة الرادعة الأساسية. أما في الجرائم الواقعة على أفراد، ففتح القانون باب التصالح والصفح؛ فإذا سامح المجني عليه الجاني وتنازل عن حقه الشخصي، يمكن للمحكمة حينها استبدال عقوبة السجن بعقوبة بديلة مناسبة. مثال توضيحي: حدثت مشاجرة وأصيب شخص إصابة بالغة، فحُكم على المعتدي بالسجن عدة سنوات. لاحقًا قرر المصاب العفو عن المعتدي تقديرًا لندمه الشديد ومساعيه للإصلاح. في ظل التعديلات الجديدة، يستطيع القاضي استبدال ما تبقى من مدة سجن المعتدي بعقوبة بديلة كخدمة مجتمع أو رقابة إلكترونية، مراعاةً لحصول تصالح حقيقي بين الطرفين. وبهذا النهج يكون القانون قد راعى جانب الرحمة والتصالح الاجتماعي دون الإخلال بهيبة العدالة.تعزيز العدالة التصالحية وإعادة الإدماج: تظهر فلسفة هذه التعديلات بوضوح في حرصها على إعادة تأهيل المحكوم عليهم وإدماجهم في المجتمع بدلًا من قطعهم عنه تمامًا. فالتوسع في البدائل المجتمعية وتقسيط الغرامات من جهة، وعدم حرمان المحكوم من حريته إلا في أضيق الحدود من جهة أخرى، يقلل من الآثار السلبية للسجون كاكتظاظها وما قد ينجم عنها من تكرار الجرائم بعد الإفراج. كما أن استحداث إمكانية وقف تنفيذ العقوبة حتى بعد الحكم القطعي في بعض الحالات، يمنح المحكوم فرصة ثانية لإثبات حسن السيرة والسلوك. مثلاً: إذا كان شخص ما يقضي عقوبة سجن طويلة وأظهر خلال وجوده في مركز الإصلاح والتأهيل سلوكًا حسنًا والتزامًا واضحًا، فإن القانون الجديد يتيح للمحكمة أن تستبدل الجزء الأخير من عقوبته ببديل غير سالب للحرية في بعض الحالات المحددة. وهذا مشروط بأن يكون قد قضى بالفعل الجزء الأكبر من عقوبته الأصلية وأمضى سنوات عديدة منها دون مخالفة، مما يشجّع المحكومين على تحسين سلوكهم أملًا في تخفيف العقوبة عنهم.في المحصّلة، تعكس هذه التعديلات توجهًا عصريًا في السياسة العقابية الأردنية، يقوم على التوازن بين حق المجتمع في الأمن وحق الفرد في فرصة للإصلاح. فالقانون المعدل لقانون العقوبات لعام 2025 جاء ليعزز حقوق الإنسان والتخفيف عن المواطنين الذين يقعون في مخالفات بسيطة، وذلك عبر إجراءات مرنة تراعي ظروفهم المعيشية والاجتماعية. وبينما لا يتساهل القانون مع الجرائم الخطيرة التي تهدد سلامة المجتمع، فهو يفتح أبواب الأمل أمام من زلَّت قدمه لأول مرة أو كانت مخالفته محدودة الأثر، كي يتحمل مسؤوليته بطريقة بنّاءة تعود بالنفع عليه وعلى المجتمع. بهذه الصورة المبسطة، نكون قد تعرّفنا على أهم ما تغيّر في قانون العقوبات الأردني، آملين أن يسهم ذلك في نشر الوعي القانوني وتحقيق المزيد من العدالة الإنسانية في مجتمعنا.