الذكاء الاستراتيجي وخطة البقاء ـ من تأليف: د. خلف ياسين الزيود

نشهد في هذا الزمان عالم تتسارع فيه التحولات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، وباتت دولاً عدة تواجه تحديات متزايدة تهدد استقرارها وأمنها الوطني، وهنا أصبح من الضروري لكل دولة أن تمتلك “استراتيجية بقاء” تُمكنها من مواجهة الأزمات والصمود أمام سرعة التحولات والتهديدات، وضمان استمرارية وجودها واستقلال قرارها. فاستراتيجية البقاء لا تتعلق فقط بالنجاة من التهديدات المباشرة، بل تشمل أيضاً بناء أسس القوة الداخلية وتعزيز المرونة في مواجهة التغيرات.ان استراتيجية البقاء يمكن القول بانها منظومة شاملة من السياسات والإجراءات التي تتبعها الدولة لضمان استمرار كيانها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وتشمل هذه الاستراتيجية عناصر الأمن الوطني، والسيادة الاقتصادية، والتماسك الاجتماعي، والاستقرار السياسي، والقدرة على التكيف مع البيئة الدولية المتغيرة.ان أول أركان استراتيجية البقاء هو الامن الوطني بتأمين حماية الدولة من التهديدات الخارجية والداخلية، سواء كانت عسكرية، سيبرانية، إرهابية، أو صحية (مثل الأوبئة). ويشمل ذلك تطوير الجيش، والأجهزة الأمنية، وأنظمة الاستخبارات، إضافةً إلى الاستعداد للطوارئ.كما ويأتي الاقتصاد المستدام أحد أهم عناصر استراتيجية البقاء لأنه لا يمكن لدولة أن تبقى قوية دون اقتصاد متماسك، فالتنويع الاقتصادي، والاكتفاء الذاتي النسبي، والتحول نحو اقتصاد المعرفة، كلها أدوات تُمكن الدولة من تقليل اعتمادها على الخارج، وتحقيق الاستقلال في القرار السياسي وذلك بوجود مؤسسات قوية وشرعية، تحظى بثقة الشعب حجر الأساس في استقرار أي دولة، فالديمقراطية واحترام القانون ومحاربة الفساد، تُمكن الدولة من بناء تماسك اجتماعي وتحقيق الاستقرار الداخلي.أما الذكاء الاستراتيجي فيأتي من خلال التحالفات الدولية حيث تلعب العلاقات الدولية دوراً محورياً في بقاء الدول فالدولة القادرة على بناء تحالفات استراتيجية، والانخراط في النظام الدولي دون التفريط بسيادتها، تكون أقدر على حماية مصالحها.هنا يصبح الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء هما من أهم وسائل مواجهة محاولات زعزعة الاستقرار من خلال الحروب الاعلامية النفسية أو الثقافية فالشعوب الواعية هي التي تُفشل مشاريع التفكيك والتخريب.في نهاية المطاف لا توجد وصفة واحدة للبقاء، لكن الدول التي تستثمر في الإنسان، وتبني مؤسساتها على الكفاءة، وتحسن قراءة الواقع والتفاعل معه، هي الأقدر على الاستمرار مهما كانت التحديات. فاستراتيجية البقاء ليست مجرد رد فعل للأزمات، بل رؤية طويلة المدى تبني على نقاط القوة للدولة.