شعبان يكتب: خطاب الملك.. هل يستوعبه النخبة السياسية؟

شعبان يكتب: خطاب الملك.. هل يستوعبه النخبة السياسية؟


مدار الساعة – كتب عمر حسن شعبان: لم يكن خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني في البرلمان الأوروبي مجرد كلمة بروتوكولية، بل كان رسالة استراتيجية إلى الداخل الأردني قبل أن تكون إلى العواصم الغربية.القوى السياسية، النخب الفكرية، وسائل الإعلام والمجتمع المدني معنيّون اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتقاط هذه الرسائل، وترجمتها إلى مواقف وطنية مسؤولة، تسهم في تحصين الجبهة الداخلية وتعزيز مناعتها في مواجهة التحديات الراهنة.جلالة الملك أعاد تثبيت الموقف التاريخي الأردني تجاه القضية الفلسطينية باعتباره الموقف الأكثر وضوحاً واتزاناً في الساحة الإقليمية، وهو ما يرتب مسؤولية كبيرة على القوى الوطنية في تعزيز وحدتها الداخلية، وتثبيت خطابها الوطني الملتزم بالحقوق الفلسطينية العادلة، ورفض كل محاولات تصفية القضية أو الالتفاف عليها تحت أي مسمى.من جهة أخرى، عندما أشار الملك إلى القيم التي ساهمت في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب، مثل احترام الكرامة الإنسانية وسيادة القانون وروح التعاون الدولي، فقد كانت تلك دعوة صريحة إلى الداخل الأردني لترسيخ تلك القيم في بنية المجتمع والسياسة والإعلام.فمن دون منظومة قيمية راسخة، لا يمكن الحديث عن مجتمع قوي أو جبهة داخلية متماسكة قادرة على الصمود أمام الرياح الإقليمية العاتية.الخطاب أيضاً حمل تحذيراً صريحاً من خطورة اللحظة، في ظل تصاعد الغطرسة الصهيونية والاعتداءات المستمرة، وهو ما يستدعي تعزيز الوحدة الوطنية وتجفيف منابع التعصب وخطابات الكراهية من جميع الأطراف.لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل أثر التغوّل وشيطنة القوى السياسية المعارضة عبر الخطاب السياسي والإعلامي، وما لذلك من تداعيات خطيرة على السلم المجتمعي وزيادة الشرخ بين مكونات المجتمع.الأخطر من ذلك هو استمرار الاعتقالات على خلفيات قضايا الرأي وما يُصطلح عليه بالجرائم الإلكترونية.إن اللجوء إلى هذه الأساليب لتقييد حرية التعبير يتناقض تماماً مع دعوة الملك إلى احترام الكرامة الإنسانية وسيادة القانون.مثل هذه السياسات تزيد من حالة الاحتقان الشعبي وتضعف الثقة بين الشارع والمؤسسات الرسمية.فمن غير المنطقي أن نخاطب العالم بلغة حقوق الإنسان ونمارس داخلياً سياسات تقيد هذه الحقوق.الرسالة الأهم في الخطاب كانت دعوة ضمنية إلى اعتماد فقه سياسي وإعلامي مقاصدي ينشغل بالمآلات الوطنية الكبرى، لا بالمكاسب الانتخابية العابرة أو الصراعات الحزبية الضيقة.هذا يتطلب من القوى السياسية أن ترتقي بخطابها وسلوكها، بعيداً عن الفئوية والمناكفات، نحو خطاب جامع يعلي المصلحة الوطنية فوق أي اعتبارات أخرى.المجتمع المدني ووسائل الإعلام يتحملان مسؤولية كبيرة في صياغة هذا الخطاب الوطني، والتصدي لمحاولات إضعاف الجبهة الداخلية.فالمطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى خطاب سياسي وإعلامي يرسخ روح الوطنية الجامعة، ويحافظ على النسيج الاجتماعي المتماسك، في مواجهة أي محاولات لزعزعته.خطاب الملك كان نداءً استراتيجياً في لحظة إقليمية شديدة التعقيد، حمل فيه مسؤولية حماية الجبهة الداخلية إلى القوى السياسية والإعلامية.والتحدي اليوم: هل ترتقي هذه القوى إلى مستوى اللحظة؟هل تبني خطاباً سياسياً واعياً، وإعلاماً يراعي المصلحة الوطنية العليا، بدل أن تغرق في صراعات آنية لا تخدم إلا أعداء الوطن؟إن التفكير بالمآلات، وبمستقبل الأردن في هذا الإقليم المضطرب، يجب أن يكون هو المحرّك لكل فعل سياسي أو إعلامي أو اجتماعي في المرحلة القادمة.فبغير جبهة داخلية قوية وواعية، لن يكون بمقدور الأردن أن يواجه الغطرسة الصهيونية المتصاعدة، ولا أن يدافع عن قضاياه الوطنية والقومية الكبرى.