أبو الراغب يتناول: الملك عبدالله في البرلمان الأوروبي: تحليل واضح وعلاج عملي ورسائل سياسية وأخلاقية – بقلم المحامي طارق أبو الراغب

للمرة الثانية، يعتلي جلالة الملك عبد الله الثاني منبر البرلمان الأوروبي، ليس كمجرد زعيم لدولة في قلب الشرق الأوسط، بل كصوت عاقل في زمن مضطرب، وكزعيم يمتلك من الشجاعة الأخلاقية ما يجعله يقول الحقيقة كما هي، دون مواربة، ودون مجاملة للمصالح على حساب المبادئ. لقد كانت كلمته تشخيصًا صريحًا للخلل الأخلاقي في النظام الدولي، وطرحًا عقلانيًا لعلاجٍ لا يزال ممكنًا، إن توفرت الإرادة السياسية والضمير الإنساني.في كلمته أمام ممثلي شعوب أوروبا، أطلق جلالته تحذيرًا من نوع خاص، حين قال إن العالم بدأ يفقد “جاذبيته الأخلاقية”، وهي عبارة تختصر الأزمة التي يعيشها النظام العالمي: تراجعٌ في الالتزام بالقيم، وازدواجية في المعايير، وصمتٌ أمام الجرائم التي ترتكب بحق الأبرياء، وعلى رأسها ما يجري في غزة. لم يكتفِ جلالته بتوصيف المشهد، بل وضع أوروبا والعالم أمام مسؤولياتهم، داعيًا إلى عدم التطبيع مع الظلم، وعدم التهاون في نصرة القانون الدولي.ولم تغب القضية الفلسطينية عن محور الكلمة، بل كانت كما في كل مواقف جلالة الملك، المركز الأخلاقي والسياسي الذي يدور حوله كل حديث عن السلام والاستقرار. فقد شدد جلالته على أن السلام الشامل لا يمكن أن يتحقق دون إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، مؤكدًا أن تجاهل هذه الحقيقة سيبقي الشرق الأوسط أسيرًا للعنف والتوتر، وسيُلقي بظلاله على الأمن العالمي.الملفت في خطاب الملك هذه المرة، أنه لم يكتفِ بإعادة التأكيد على المبادئ، بل نقل معاناة الشعب الفلسطيني – وخصوصًا في غزة – إلى ضمير العالم الحي، وتحدث بلسان الإنسانية عندما وصف مشاهد التجويع والإذلال بأنها انتهاك صارخ للكرامة والحق في الحياة. لقد كان صوته عميقًا وصادقًا، لا يطالب بالاصطفاف السياسي فقط، بل يستنهض الضمير الأوروبي ليكون شريكًا في وقف نزيف الدم والمعاناة.كما دعا جلالته أوروبا إلى تفعيل دورها التاريخي، والانطلاق من تجربتها المؤلمة في الحروب لبناء موقف أخلاقي جديد تجاه ما يجري في منطقتنا، متسائلًا إن كانت القيم التي تأسس عليها الاتحاد الأوروبي ستظل حيّة وفاعلة، أم ستُترك لتذوي تحت وطأة البراغماتية السياسية.أما على صعيد الشراكة الأردنية–الأوروبية، فقد فتح الملك الباب أمام تعاون حقيقي مبني على احترام متبادل، وتحمل مشترك للمسؤوليات، انطلاقًا من أن الأردن لم يكن يومًا طرفًا صامتًا أو محايدًا، بل لاعبًا عقلانيًا ملتزمًا بالسلام ورافضًا للفوضى.كلمة جلالة الملك كانت درسًا في السياسة الأخلاقية، ونموذجًا للقيادة الواعية التي لا تساوم على المبادئ، ولا تنحني أمام ضغوط الواقع. لقد قال للعالم: إن تجاهل العدالة هو تجاهل للسلام، وإن الصمت أمام الجريمة هو شراكة فيها، وإن الحل ما زال ممكنًا إذا عاد العقل إلى موقع القرار.إننا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى هذا النوع من الخطاب: خطاب لا يكتفي بالتشخيص، بل يقدّم علاجًا قابلًا للحياة… وقد قدّمه الملك