حراحشة يكتب: ستراسبورغ تستعد لاستقبال التوجه الهاشمي ـ بقلم الدكتور علاء أحمد حراحشة

حراحشة يكتب: ستراسبورغ تستعد لاستقبال التوجه الهاشمي ـ بقلم الدكتور علاء أحمد حراحشة


من قلب البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، ارتفع صوت جلالة الملك عبدالله الثاني ليعيد ضبط الاحداثيات الأخلاقية لعالم بدا كانه فقد بوصلته. خاطب القارات بلغة إنجليزية رصينة، لكنه حمل وجدان كل أردني وعربي وهو يصف الهجمات الإسرائيليّة الأخيرة على إيران بأنها «تهديد بتصعيد خطير في الشرق الأوسط وخارجه» .موجات الاضطراب وتفكك القيماستهل جلالته خطابه بتشخيص مرحلة دوليّة مضطربة: جائحة كورونا، التهديدات الأمنيّة، حرب أوكرانيا، حرب غزة، وأخيراً الغارات على إيران. هذه «الموجة تلو الأخرى من الاضطرابات» أفضت إلى شعور عالمي بالانفلات، وحين تنهار القيم تضيع القدرة على التمييز بين الحقّ والباطل، فينشأ الصراع .غزة ، المرآة التي كشفت انحدار الإنسانيةذكر الملك البرلمان بأنّ مستشفى غزة الذي قصف قبل عشرين شهرا هز ضمير العالم آنذاك؛ أما اليوم فقد وثّقت منظمة الصحة العالمية نحو 700 اعتداء على مرافق صحية في القطاع، وأضحى الفعل «شائعا بالكاد يذكر » . هذه المقارنة الصاعقة قصدها جلالته ليفضح الانحدار الأخلاقي ويُحرّض أوروبا على استعادة المبادئ التي بنت عليها مشروعها بعد الحرب العالميّة الثانية: «الكرامة الإنسانيّة بدل الهيمنة، والقانون بدل القوّة، والتعاون بدل الصراع».تحالف القيم المشتركةمن وحي التاريخ العربي-الأوروبي، استدعى الملك منظومة «الاحترام، والمسؤوليّة، والنوايا الحسنة» التي أثمرت شراكات متبادلة. وباسم الوصاية الهاشمية على مقدسات القدس، جدّد العهد بحماية هوية المدينة متعددة الأديان، مستندا إلى إرث العهدة العمرية وقواعد اتفاقيّات جنيف. القاسم المشترك—كما قال—قيم الرحمة والعدل والمساواة المتجذّرة في الإسلام والمسيحيّة واليهودية ، وهو سند الأردن الدائم لثقافة التسامح والتكافل .رسالة إلى أوروبا: بين الأمس واليومذكر الملك الأوروبيين بأن قرارهم بعد 1945 بَنى قارةً تنبذ الانتقام. واليوم يطالبهم باتخاذ قرار مماثل تجاه غزة وفلسطين والمنطقة بأسرها: ارفعوا الصوت بالفعل لا بالقول، فالازدواجية في القيم تحوّل المبادئ إلى شعارات مستهلكة.موقف أردني ثابت ، وولاء شعبي راسخبصفتي مواطنا اردنيا ، أجد في هذا الخطاب تكثيفا لعقيدتنا الوطنيّة:1- قيادة واثقة: الملك لا يقرأ نصوصا دبلوماسيّة مبللة بالمجاملات، بل يقرع ناقوس الخطر بأرقام ووقائع.2 – وصاية مسؤولة: الدفاع عن القدس والمقدّسات ليس ملفا سياسيا عابرا ؛ إنه جزء من شرعيّتنا التاريخية وعقدنا الأخلاقي.3 – تحالف القيم قبل المصالح: الأردن الصغير بحجمه، الكبير برسالته، يذكر القوى العظمى بأن أصل الاستقرار احترام الإنسان، لا فرض الأمر الواقع.لذلك نقف خلف جلالته—لا اصطفاف واجب شكليّ، بل إيمانا بأنّ صوته يعبر عن ضمير وطن واجه التحديات تلو التحديات وبقي صامدا بفضل حكمة آل هاشم ووحدة شعبهم.في ستراسبورغ، لم يكن الخطاب خطابا عابرا في أجندة الجلسة؛ كان مرآة صافية تعكس حقيقة اللحظة العالمية وتعيد تذكير العواصم الكبرى بأن قيم العدالة ليست خيارا انتقائيا . ومهما تتابعت العواصف، ستظل رايتنا الهاشمية بوصلة للأخلاق قبل السياسة، وللكرامة قبل الحسابات.عاش الأردن، عاش الملك عبد الله الثاني، وعاشت قيمنا التي لا تقايض.