خريسات يكتب: درب الأنبياء.. حين تتحول الكلمة إلى عهد لا مجرد عمل

خريسات يكتب: درب الأنبياء.. حين تتحول الكلمة إلى عهد لا مجرد عمل


مدار الساعة – كتب: أ. فراس خريسات – ليست كل كلمة تؤثر، ولا كل منشور يَصدح،ولا كل خطيب يهتف باسم الحق يكون من أهله…إن الكلمة التي لا تحمل أمانة النبوة، ولا تُسكب من صفاءِ النية،ولا تُغذّى من خوف الله في السرّ والعلن،فهي حشوٌ من القول، وإن صفّق لها المصفقون!في زمنٍ كثُرت فيه المنابر…وتكدّست فيه الميكروفونات…واشتدّ السباق على من يسمع له أكثر…ضاعت هيبة الكلمة، لأننا نسينا أنها ليست مهنة، بل أمانة. وهنا تتجلّى الفرزات العظيمة بين من يتكلم ليُقال: قال…ومن يتكلم لأنه اصطنعه الله لنفسه، كما اصطنع موسى عليه السلام:“واصطنعتك لنفسي…”ليس من طريقٍ في الأرض أبهظ من طريق الكلمة…طريق الأنبياء، طريق من قالوا في شدة العذاب:“بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ.” [هود: 86]تلك البقية… التي لا يراها إلا الصادقون… هي ما نطلبه.ليست شهرة، ولا تصفيقًا… بل أثرًا يبقى بعد أن نمضي.الكلمة… حين تُقال بحق، قد تُفقدك منصبًا،وقد تسرق منك الأصحاب،وقد تغلق في وجهك أبواب الدنيا…لكنها تُفتح لك أبواب السماء!وهذا ما عرفه الأنبياء… فصبروا.نوح عليه السلام:لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، يدعو… فلا يُجاب!لكنّه لم يتراجع، لأنه لم يُعيّن نبيًا… بل اصطُفي أمانةً.إبراهيم عليه السلام:وقف في وجه أبيه، وقومه، وملك زمانه…لا يسنده إلا قلبٌ مليء بالتوحيد… وكلمة “لا إله إلا الله”.محمد:جاءه الأمر: “قُم فأنذر”فما عاد له نومٌ بعد ذلك، ولا راحة، ولا حياد…صار للكلمة وزن الدم،ومع ذلك صبر، وربّى، وأمّن، وهذّب،فصار القرآن يُتلى بكلماته التي خرجت من الصدق لا من حناجر تبحث عن الشهرة والمنصب و المجد.وها أنت اليوم…تكتب، وتتكلم، وتنشر…لكن، قف قبل أن تُطلق العنان للحرف:لمن تكتب؟وماذا تريد؟وهل في نيتك الله، أم إعجاب الناس، أم شهرة عابرة؟الكلمة أمانة…لا تشترِ بها دنيا أحد…ولا تضعها على باب من يدفع أكثر.قال ابن القيم:“الكلمة كالسهم… إن خرجت، لم تعد. فزنها بقلبك قبل لسانك.”فإن كنت صاحب دعوة…فاصبر على الطريق…وإن كنت حامل وعي… فلا تبع حقك بالصمت.وإن رأيت قلوبًا لا تصغي، وأعينًا لا ترى، فاذكر قول ربك:“فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظًا، إن عليك إلا البلاغ.”وإن شعرتَ يومًا بالخذلان…فتذكّر أن هذا الطريق، طريق الكلمة، طريق الفكرة، طريق الهداية…هو طريق الأنبياء.وقد أوذوا… وعُرِض عنهم… وكُذّبوا…ومع ذلك لم يتراجعوا، لأنهم لم يعملوا للناس، بل عملوا لله.فلا تيأس إن خذلك جمهورك…فلربما كان فيهم من قال كما قال قوم نوح:“وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا…”لكن الله لا يقيس بالأعين…بل بالنية، ولا يُجازي بعدد الإعجابات… بل بصدق الغاية.“طريق الأنبياء… حين تصبح الكلمة أمانة، لا مهنة!”هو طريق الغرباء…لكنه الطريق الذي يصل بك إلى الله. فهلُمّ معنا…واخلع نعليك، إنك بالوادي المقدّس…وكل ما يُقال من قلبٍ صادقٍ… هو وحيٌ يُؤجر لا يُنسى.