الجازي يكتب: التحالف الإيراني – الإسرائيلي على مر العصور: من بابل إلى العصر الحالي – بقلم: العقيد المتقاعد بركات الجازي

منذ فجر الحضارات في الشرق الأدنى، تقاطعت مصالح الإمبراطوريات الفارسية والقوى اليهودية في أكثر من مرحلة، لتشكّل ما يمكن اعتباره تحالفًا ضمنيًا أو تناغمًا استراتيجيًا ضد الوجود العربي. وعلى الرغم من التباينات الظاهرية في الدين والثقافة والشعارات، فإن الأهداف كانت متقاربة في كثير من الأحيان: تقويض الحضارة العربية، والسيطرة على المشرق.جذور التحالف في العصور القديمةفي القرن السادس قبل الميلاد، اجتاح الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني مملكة يهوذا، وسبى الآلاف من اليهود إلى بابل، في حادثة تُعرف بـ”السبي البابلي”. ولكن مع صعود الإمبراطورية الفارسية بقيادة كورش الكبير، تحالف الفرس مع اليهود ضد البابليين، فأسقطوا بابل، وسمح كورش لليهود بالعودة إلى القدس وبناء الهيكل، وهو ما يشير إليه العهد القديم نفسه بإجلال شديد، حتى أن بعض النصوص تصف كورش بأنه “ممسوح من الرب”. هذا الحدث التاريخي يُعد أول تعاون معلن بين الفرس واليهود ضد قوة عربية – حضارية آنذاك.في ظل الإمبراطوريات الإسلاميةمع الفتح الإسلامي للفرس وسقوط الإمبراطورية الساسانية في القرن السابع الميلادي، بدأت مرحلة جديدة من التوتر التاريخي. فبينما تبنى العرب الإسلام، دخلت الفرس الدين الجديد لكنهم احتفظوا بميراث ثقافي قومي ظل مؤثرًا، وظهر لاحقًا في صيغ متعددة مثل التشيع السياسي الذي احتضنه الفرس في العصور اللاحقة.اليهود من جانبهم، وجدوا في فترات متعددة في العهد العباسي والمجتمعات الفارسية بيئة آمنة نسبيًا بعد اضطهادهم في أوروبا، وشهدت مدن فارسية مثل همدان وجودًا يهوديًا قويًا.في العصر الصفوي والعثمانيعندما أسس الصفويون دولتهم في إيران في القرن السادس عشر، جعلوا من التشيع الإثني عشري مذهبًا رسميًا في مواجهة الدولة العثمانية السنية، التي كانت تمثل الثقل العربي – الإسلامي. وفي ذات الوقت، كانت الطائفة اليهودية في إيران تعيش حالة من الاستقرار النسبي، مقارنة بجيرانهم.وبينما كان العثمانيون يخوضون صراعًا مع القوى الأوروبية والصفوية، كانت هناك خيوط دبلوماسية سرية تنسج بين الأطراف غير العربية.القرن العشرون: من الثورة الإيرانية إلى التعاون غير المعلنرغم الشعارات “الثورية” التي رفعتها الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، مثل “الموت لإسرائيل”، إلا أن الواقع كشف عن شبكة علاقات معقدة، تتجاوز الشعارات.في فضيحة إيران-كونترا (1986)، كُشف أن طهران حصلت على أسلحة من إسرائيل عبر وسيط أمريكي، ما دلّ على وجود علاقات خلف الستار رغم العداء المعلن.خلال غزو العراق عام 2003، تلاقت مصالح إيران وإسرائيل في إسقاط نظام صدام حسين، الذي كان يُعد تهديدًا استراتيجيًا للطرفين.أما في سوريا واليمن ولبنان، فغالبًا ما تُتهم إيران بإثارة الفوضى الطائفية لتمزيق النسيج العربي، بينما تمضي إسرائيل قدمًا في مشاريع التطبيع وتفتيت أي مشروع عربي جامع.العصر الحديث: بين العداء اللفظي والتلاقي الاستراتيجياليوم، ورغم الخطاب السياسي العدائي بين طهران وتل أبيب، يلاحظ المتابعون أن إسرائيل نادرًا ما استهدفت إيران عسكريًا بشكل مباشر، رغم استهدافها المتكرر لقوات عربية ومقاومات فلسطينية.كلا الطرفين يتبنى استراتيجية تفكيك العالم العربي عبر الطائفية أو الفتن القومية.تُتهم إيران بزعزعة استقرار العراق، سوريا، لبنان، واليمن، بينما تتوسع إسرائيل اقتصاديًا وعسكريًا في المنطقة.وفي حين تغيب المبادرة العربية المشتركة، يبرز كل من المشروعين الإيراني والصهيوني كقوتين مؤثرتين في المشهد الإقليمي.وسط صراع المصالح والتحالفات غير المعلنة، يبدو أن الخاسر الأكبر هو المشروع العربي الذي ظل غائبًا أو مُجهضًا في كل المراحل. فما بين صعود القوى القومية ثم انهيارها، والانقسام العربي الداخلي، تمدد المشروعان الصهيوني والفارسي، كل بطريقته، ليملآ الفراغ الاستراتيجي.إن فهم هذا التاريخ الممتد من بابل إلى بغداد ومن القدس إلى طهران، يسلط الضوء على أهمية الوعي العربي المشترك، واستعادة زمام المبادرة بعيدًا عن التبعية والانقسام.