أحمد سلام: مصر تعتبر نقطة انطلاق رئيسية لنفوذ الصين الاقتصادي والثقافي في المنطقة

أحمد سلام: مصر تعتبر نقطة انطلاق رئيسية لنفوذ الصين الاقتصادي والثقافي في المنطقة

في ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم، تتجه أنظار الدول إلى بناء شراكات استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة والرؤى المستقبلية. وتُعد العلاقات المصرية-الصينية نموذجًا بارزًا لهذا التوجه، إذ تجمع بين البلدين روابط تاريخية ومصالح متنامية، تتجسد في مشروعات كبرى وفرص واعدة، أبرزها مبادرة “الحزام والطريق” التى تستهدف الصين من خلالها إعادة رسم خريطة التجارة العالمية.

وبفضل موقعها الجغرافي المحوري، وما تزخر به من موانئ وممرات مائية دولية، تتجه الأنظار إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في مبادرة “الحزام والطريق”، بما يحمله من فرص اقتصادية وإعلامية وثقافية.
وفى هذا السياق، نتحاور مع المستشار الإعلامي المصري السابق في بكين والخبير فى الشئون الصينية، أحمد سلام، الذي يملك خبرة واسعة في قراءة المشهد الصيني من الداخل، ويجمع بين الرؤية الدبلوماسية والفهم الإعلامي العميق، لنسلط الضوء على طبيعة العلاقات المصرية-الصينية، ودور مصر في طريق الحرير، وما يمكن أن تُجنيه من مكاسب تدعم حضورها الدولي، إلى جانب كيفية توظيف الإعلام في تعزيز هذه الشراكة الاستراتيجية.

-بدايةً، كيف تُقيّمون العلاقات المصرية-الصينية في الوقت الراهن مقارنة بالسنوات الماضية؟

أود أولًا أن أُهنئ مصر والصين، قيادة وشعبًا، بقرب الاحتفال بمرور 70 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وأُشير أيضًا إلى أن مصر كانت أول دولة عربية وإفريقية تعترف بالصين الجديدة، وهو ما منح هذه العلاقة بُعدًا تاريخيًا استثنائيًا.

اليوم، يمكن القول إن العلاقات المصرية-الصينية في أعلى مستوياتها تاريخيًا، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي.

وبحكم عملي السابق كمستشار إعلامي بالسفارة المصرية ببكين، كنت شاهدًا عن قرب على الزخم الكبير الذي تشهده العلاقات بين البلدين، ليس فقط في المؤتمرات والمنتديات الرسمية، بل أيضًا في اللقاءات الميدانية والمبادرات الثقافية التي عكست عمق التفاهم الشعبي والمؤسسي بين القاهرة وبكين.

وخلال العقد الأخير، تطورت الشراكة من مجرد تعاون محدود في مشروعات البنية التحتية إلى شراكة استراتيجية شاملة، تشمل مجالات الاستثمار، والنقل، والطاقة، والتكنولوجيا، والتعليم.

وقد كشفت البيانات الرسمية عن حجم التبادل التجاري بين مصر والصين الذي بلغ في عام 2024 إلى ما يقرب من 17.37 مليار دولار، مقارنة بـ 15.78 مليار دولار في عام 2023، بنسبة نمو تُقدر بـ 10%، كما ارتفع عدد الشركات الصينية العاملة في مصر إلى نحو 2,800 شركة باستثمارات تتجاوز 8 مليارات دولار، ما يعكس عمق الثقة والالتزام طويل الأمد من الجانبين.

أما على الصعيد السياسي، فتواصل القاهرة وبكين تنسيق مواقفهما إزاء القضايا الدولية، مع تعزيز التعاون تحت مظلة مبادرة “الحزام والطريق”، وهو ما يمنح العلاقة بُعدًا جيو-اقتصاديًا يجعلها أكثر استقرارًا مقارنة بالسنوات الماضية.

اقتباس:”مصر كانت أول دولة عربية وإفريقية تعترف بالصين وتقيم معها علاقات دبلوماسية”

-ما أبرز الملفات أو المجالات التي شهدت تطورًا ملموسًا في التعاون بين البلدين؟

شهدت السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا فى عدد من الملفات الحيوية، وللدلالة على أهمية هذا التعاون، فقد شكل مجلس الوزراء المِصرى لجنة وزارية باسم “وحدة الصين” مُهمتها مُتابعة تنفيذ الاتفاقات المُبرمة بين البلدين وفقًا للتوقيتات المُحددة فيها، والعمل على تطويرها وتعزيزها.

وقد برز التعاون في قطاع البنية التحتية من خلال المشروعات القومية الضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والبرج الايقوني، ومدينة العلمين الجديدة.

وفي قطاع النقل، تم تنفيذ مشروعات كبرى أبرزها القطار الكهربائي السريع الذي يربط العين السخنة بالعلمين، إلى جانب تطوير الموانئ ومحاور الطرق في إطار الربط اللوجستي لمبادرة “الحزام والطريق”.

كما توسعت المنطقة الاقتصادية الصينية-المصرية في العين السخنة، المعروفة بـ«تيدا»، لتضم أكثر من 150 شركة باستثمارات تتجاوز ملياري دولار وتوفر الآلاف من فرص العمل. كما تستهدف الحكومة المصرية جذب نحو 1000 شركة صينية للعمل داخل المنطقة الاقتصادية بحلول عام 2030، فى إطار خطتها لتعزيز التعاون الاقتصادى والتجارى مع الصين.

الشراكة المصرية-الصينية

اقتباس: “من العاصمة الإدارية إلى “تيدا”.. مشروعات عملاقة تعكس قوة الشراكة بين مصر والصين”

وفي قطاع الطاقة، تعزز مصر والصين التعاون في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتحلية المياه، بما في ذلك إقامة مجمعات لإنتاج الألواح الشمسية.

أما في مجالات التكنولوجيا والاتصالات، فقد تم إبرام شراكات مصرية صينية كبرى للعمل في الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس والحلول الرقمية، بالتوازي مع توسع التبادل التعليمي والثقافي عبر زيادة أعداد الطلاب المصريين في الجامعات الصينية وتعزيز أنشطة معاهد كونفوشيوس في مصر، فضلاً عن تنظيم برامج تبادل ثقافي وفني.

ولم يكن قطاع السياحة بعيدًا عن هذا الزخم، إذ ارتفع عدد السياح الصينيين إلى قرابة 300 ألف في عام 2024، ونطمح لزيادة العدد إلى مليون زائر خلال الأعوام المقبلة، بفضل تعزيز الربط الجوي والترويج السياحي المتبادل، ليؤكد ذلك كله أن التعاون بين البلدين بات متعدد الأبعاد ويجمع بين الاقتصاد والبنية التحتية والاستثمار في الموارد البشرية وتعزيز الروابط الثقافية.

اقتباس “من 300 ألف سائح إلى تطلعات بمليون سائح صيني.. السياحة شاهد على الزخم المتصاعد في الشراكة المصرية–الصينية”

-برأيكم..ما العوامل التي جعلت العلاقات بين القاهرة وبكين متميزة ومستقرة رغم التغيرات الإقليمية والدولية؟

يُمكن إرجاع تميز واستقرار العلاقات بين القاهرة وبكين، رغم ما يشهده الإقليم والعالم من تغيرات متسارعة-خاصة في ظل سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاصة بالرسوم الجمركية– إلى مزيج من العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية التي أرست قاعدة صلبة للتعاون.

فمن الناحية السياسية، يلتزم البلدان بمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية واحترام السيادة الوطنية، ما جعل العلاقة خالية من الضغوط السياسية التي قد تهدد استمراريتها.

أما على الصعيد الاقتصادي، فالموقع الجغرافي لمصر، باعتبارها بوابة إفريقيا وقلب طرق التجارة البحرية العالمية عبر قناة السويس، جعلها شريكًا محوريًا للصين التي ترى فيها محورًا أساسيًا لمبادرة “الحزام والطريق”، بينما استفادت القاهرة من القدرات التمويلية والتكنولوجية للشركات الصينية في تطوير البنية التحتية والصناعة.

اقتباس ” التزام القاهرة وبكين بعدم التدخل في الشئون الداخلية واحترام السيادة الوطنية جعل العلاقات خالية من الضغوط السياسية”.

وعلى المستوى الاستراتيجي، أسهمت الشراكة الشاملة التي أُعلنت رسميًا عام 2014 في وضع إطار طويل الأمد للتعاون، مدعومًا بآليات تنسيق دورية على مستوى القمة والوزارات. كذلك ساهم التوافق في المواقف تجاه قضايا دولية مثل إصلاح النظام المالي العالمي، ودعم التعددية، ورفض السياسات الأحادية، في تعزيز الثقة المتبادلة.

وإلى جانب ذلك، شكلت الدبلوماسية الثقافية، من خلال التبادل الأكاديمي والمهرجانات والمعارض، جسرًا دائمًا للتواصل الشعبي، ما أضفى على العلاقات بُعدًا إنسانيًا يوازي أبعادها السياسية والاقتصادية، ويمنحها قدرًا أكبر من الحصانة أمام تقلبات المشهد الدولي.

مصر والصين

-تُعتبر مصر شريكاً أساسياً في مبادرة “الحزام والطريق”..أين تقع مصر تحديدًا في هذه المبادرة؟

لا شك أن الصين حين رسمت خريطة مبادرة “الحزام والطريق”، كانت مصر واحدة من النقاط المضيئة التي لا يمكن تجاوزها، فموقعها الجغرافي الفريد جعلها صلة الوصل بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، ومفتاحًا لأحد أهم الشرايين البحرية في العالم — قناة السويس، ما يجعلها نقطة ارتكاز رئيسية للمسار البحري للمبادرة.

اقتباس : “مصر.. النقطة المضيئة في خريطة “الحزام والطريق”

وتُعتبر المنطقة الاقتصادية لقناة السويس إحدى أبرز منصات التعاون ضمن هذا الإطار، حيث تحولت إلى مركز صناعي ولوجستي يجذب الاستثمارات الصينية الموجهة ليس فقط للسوق المصرية، بل أيضًا للأسواق الإفريقية والأوروبية، بما يتماشى مع رؤية بكين في إنشاء سلاسل توريد عابرة للقارات.

كما تُشارك القاهرة في المبادرة من خلال تطوير الموانىء، وشبكات الطرق ومشروعات الربط السككي، إلى جانب توسيع مناطق التعاون الصناعي مثل منطقة «تيدا» في العين السخنة، ما يجعل مكانة مصر لا تقتصر على كونها نقطة عبور في المبادرة، بل تُمثل مركزًا إقليميًا للإنتاج والتوزيع يُساهم بفاعلية في تحقيق أهداف الربط التجاري والاقتصادي العالمي الذي تسعى إليه الصين.

الشراكة المصرية-الصينية

-ما هي الفرص التي تتيحها هذه المبادرة لمصر، وما أبرز القطاعات التي يمكن أن تستفيد منها بشكل مباشر؟

تفتح مبادرة “الحزام والطريق” أمام مصر آفاقًا واسعة لتعزيز دورها كمحور اقتصادي ولوجستي إقليمي، حيث توفر فرصة لجذب استثمارات ضخمة في البنية التحتية والمناطق الصناعية، إلى جانب دمج الاقتصاد المصري بشكل أعمق في سلاسل التوريد العالمية.

ومن أبرز القطاعات التي يمكن أن تستفيد بشكل مباشر، قطاع النقل واللوجستيات من خلال تطوير الموانئ وتعزيز الربط السككي، سواء داخليًا عبر ربط موانئ الإسكندرية ودمياط والسخنة بالمناطق الصناعية والأسواق المحلية من خلال شبكات حديثة مثل القطار الكهربائي السريع وخطوط البضائع الجديدة، أو إقليميًا عبر تحسين وصلات السكك الحديدية مع دول الجوار، بما يسهم في دمج النقل البحري والبري والسككي ورفع كفاءة حركة التجارة، ويزيد من تنافسية قناة السويس كممر عالمي.

كما يبرز قطاع التصنيع التحويلي كأحد أكبر المستفيدين، خاصة في الصناعات الموجهة للتصدير مثل النسيج، والملابس الجاهزة، والإلكترونيات الخفيفة، والمنتجات الكيماوية.

كذلك يوفر التعاون في إطار المبادرة دعمًا قويًا لقطاع الطاقة، خصوصًا الطاقة المتجددة، من خلال إقامة مشروعات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إضافة إلى مشروعات تحلية المياه، وهو ما يدعم جهود مصر في تحقيق أمن الطاقة والتنمية المستدامة.

ولا يقل قطاع الزراعة أهمية عن غيره، إذ يمكن لمصر من خلال المبادرة زيادة صادراتها من المنتجات الزراعية والغذائية عالية القيمة إلى السوق الصينية التى تشهد طلبًا متناميًا على هذه المنتجات.

كما تمنح المبادرة لمصر فرصة لتعزيز السياحة، فى ظل تنامي حركة السفر بين البلدين وتحسن الربط الجوي، ما يضيف بعدًا ثقافيًا واقتصاديًا جديدًا للشراكة المصرية-الصينية.

-على المستوى الاقتصادي، كيف يمكن لمصر زيادة صادراتها إلى السوق الصيني الضخم، خاصة في ظل المنافسة العالمية؟ وما القطاعات الواعدة التي يجب التركيز عليها؟

فى حقيقة الأمر وفي ضوء أن السوق الصيني يضم أكثر من مليار وأربعمائة مليون مستهلك، لا يكفي أن تمتلك مصر منتجًا جيدًا، بل تحتاج إلى استراتيجية ذكية تجمع بين تحسين جودة المنتج وضمان قدرته على النفاذ إلى السوق، خاصة في ظل المنافسة العالمية الشرسة.

والخطوة الأولى التى يجب أن تُتخذ تتمثل في رفع المعايير الفنية والصحية للمنتجات الزراعية والصناعية، بما يتماشى مع اشتراطات السوق الصينية، مع الاهتمام بالتعبئة والتغليف لزيادة الجاذبية التصديرية.

اقتباس: ” رفع المعايير الفنية والصحية والتعبئة الجاذبة خطوة أولى نحو اختراق السوق الصيني”

ثانيًا، من المهم تنويع قاعدة المنتجات الموجهة للصين، وعدم الاكتفاء بالمواد الخام أو شبه المصنعة، بل التركيز على المنتجات ذات القيمة المضافة العالية.

ثالثًا، يمكن لمصر أن تستفيد من اتفاقيات الحجر الزراعي التي تم توقيعها مع بكين لتوسيع صادراتها من الحاصلات الزراعية مثل الفراولة ، والعنب، والموالح، والرمان، والتمور، إضافة إلى إدخال منتجات جديدة كالخضروات المجففة والأعشاب الطبية.

رابعًا، تعزيز الوجود المصري في المعارض التجارية الكبرى بالصين مثل معرض الصين الدولي للاستيراد، وذلك للترويج للمنتجات وعقد صفقات مباشرة مع الشركاء الصينيين.

وفيما يتعلق بالقطاعات الواعدة، فمن وجهة نظري كشخص عاش في الصين فترة طويلة، أري أنها تتمثل فى المنتجات الزراعية عالية الجودة، والأسمدة والكيماويات المتخصصة، والملابس الجاهزة والنسيج، والمنتجات الغذائية المصنعة، إضافة إلى بعض الصناعات التكنولوجية الخفيفة.

ويُضاف إلى ذلك إمكانية إقامة مشروعات تصنيع مشترك داخل مصر، بحيث تُوجَّه المنتجات إلى السوق الصينية والأسواق المجاورة، وهو ما يمنح الصادرات المصرية ميزة تنافسية في ظل سلاسل الإمداد العالمية الجديدة.

وهنا أُشير إلى أن أمام مصر فرصة لا تُعوض تتمثل فى الرسوم الجمركية التى فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على كافة دول العالم، حيث يجب أن تستثمر مصر ذلك من خلال تعزيز حضورها التجاري فى الأسواق التى تربطها بها اتفاقيات تجارية خاصة سواء كانت عربية أو إفريقية أو أوروبية، بما يُوسع من قاعدة صادراها ويقوي موقعها التنافسي العالمي.

-من الناحية الإعلامية، كيف يمكن تسليط الضوء على هذا التعاون لتعريف المواطن المصري والعربي به؟ وكيف يمكن تعزيز التعاون الإعلامي بين البلدين؟

بحكم عملي كمستشار إعلامي لمصر في بكين، أتيحت لي فرصة متابعة وتوثيق التطور المتسارع في العلاقات المصرية-الصينية والعربية-الصينية عن قرب، والمشاركة في صياغة وتنفيذ عدد من البروتوكولات والاتفاقيات التي عززت التعاون الإعلامي والثقافي بين البلدين.

كما أن عملي السابق كوكيل وزارة بالهيئة العامة للاستعلامات مكّنني من إدراك أن دور الإعلام لا ينبغي أن يقتصر على عرض الأرقام والمؤشرات، بل يمتد إلى تحويلها إلى قصص نجاح إنسانية يلمس أثرها المواطن المصري والعربي في حياته اليومية.

ومن واقع هذه الخبرة، فإن تعريف المواطن بعمق التعاون مع الصين يتطلب الانتقال من استعراض البيانات المجردة إلى إنتاج محتوى قصصي وتوثيقي ُيبرز مشروعات محورية مثل القطار الكهربائي السريع والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مع إتاحة مساحة لشهادات العمال والمهندسين والمستثمرين المستفيدين من هذه المشروعات. كما يمكن إطلاق حملات إعلامية ثنائية اللغة (العربية والصينية) عبر المنصات الرقمية وربطها بوسائل الإعلام التقليدية لضمان وصول الرسالة إلى جمهور أوسع.

وعلى صعيد التعاون المؤسسي، فقد شهدت السنوات الماضية شراكات فاعلة بين عدد من المؤسسات الإعلامية المصرية والصينية، من بينها وكالة أنباء الشرق الأوسط ووكالة أنباء شينخوا، والهيئة العامة للاستعلامات التي تربطها اتفاقيات تعاون مع مؤسسات الإعلام الصيني، واتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري الذي نفذ مشروعات وبرامج مشتركة مع قنوات وإذاعات صينية. هذه الشراكات كانت وما زالت تُمثل رافعة مهمة لنقل صورة متكاملة عن البلدين لشعبيهما وللعالم.

أما تعزيز هذا التعاون فى المستقبل، فيتطلب إنشاء مركز إعلامي مشترك يضم صحفيين ومترجمين من الجانبين، يكون بمثابة منصة لإنتاج محتوى احترافي يخدم المصالح المشتركة، إلى جانب تنظيم برامج تبادل للصحفيين تتيح لهم زيارة المشروعات على أرض الواقع. كما يمكن عقد منتدى إعلامي سنوي مصري-صيني يجمع وسائل الإعلام والمؤسسات البحثية لمناقشة سبل التغطية المتوازنة للعلاقات الثنائية، مع تبادل الخبرات في مجالات الصحافة الاقتصادية والثقافية.

اقتباس : “مركز إعلامي مشترك ومنتدى سنوي يمكن أن يُعزز التعاون الإعلامي إلى مستوى غير مسبوق”

هذه الخطوات لا تُسهم فقط في تعريف الجمهور بالتعاون القائم، بل تُسهم أيضًا في بناء الثقة بين المؤسسات الإعلامية وتعميق الفهم المتبادل بين الشعبين، وهو ما يمنح العلاقات الثنائية بعدًا إنسانيًا وثقافيًا موازٍ لأبعادها الاقتصادية والسياسية.

-ما أبرز التحديات التي قد تواجه مسار التعاون المصري الصيني، وكيف يمكن تجاوزها؟

لعل أبرز التحديات التي قد تواجه مسار التعاون المصري-الصيني تتمثل في اختلال الميزان التجاري لصالح الصين، وهو ما يفرض ضغوطًا على الميزان الخارجي لمصر. كما يبرز تحدي هام وهو حاجز اللغة والاختلاف الثقافي مما يبطئ من وتيرة التواصل وفهم احتياجات السوق بالشكل الأمثل، إلى جانب المنافسة العالمية الشديدة التي تواجه الصادرات المصرية داخل السوق الصيني.

وهناك أيضًا تحديات مرتبطة بتمويل المشروعات الكبرى في ظل الضغوط المالية العالمية، فضلًا عن ضرورة ضمان نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعات داخل مصر عوضًا عن الاكتفاء بدور المستهلك.
وتجاوز هذه التحديات يتطلب رؤية شاملة تبدأ بالعمل على تنويع قاعدة الصادرات وزيادة المنتجات ذات القيمة المضافة، وتفعيل برامج التدريب والتأهيل اللغوي والثقافي للمصدّرين والمسئولين، وعقد اتفاقيات ثنائية لتسهيل النفاذ إلى السوق وخفض الحواجز غير الجمركية.

ومن الضروري أيضًا تشجيع المشروعات الصناعية المشتركة داخل مصر، بما يُعزز فرص التشغيل والتصدير، والاعتماد على شراكات تمويل متنوعة تضم القطاع الخاص والبنوك متعددة الأطراف للحد من الضغط على الموازنات العامة.

وأخيرًا، فإن تعميق الحوار الاستراتيجي على المستويين الحكومي والقطاعي سيضمن توافق الرؤى ومعالجة المشكلات قبل تفاقمها، ما يحافظ على مسار الشراكة في اتجاهه الصاعد ويمنحها قدرة أكبر على الصمود أمام التحديات الدولية والإقليمية.

-كيف ترون مستقبل العلاقات بين البلدين خلال العقد القادم في ظل تاريخ الصداقة الممتد والتحولات العالمية الراهنة؟

أعتقد أن العلاقات المصرية-الصينية مرشحة للانتقال إلى مرحلة أكثر عمقًا واستدامة، مدفوعة بتاريخ صداقة ممتد منذ منتصف القرن العشرين، ورؤية مشتركة لمواجهة التحديات العالمية عبر التعاون البنّاء.

“اقباس “العلاقات المصرية – الصينية مرشحة للانتقال إلى مرحلة أكثر عمقًا واستدامة، مدفوعة بتاريخ صداقة ممتد منذ منتصف القرن العشرين”

ومع تسارع التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، من المتوقع أن يزداد التركيز على التصنيع المشترك في مناطق مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بحيث تُصبح مصر مركزًا إقليميًا لتجميع وتوزيع المنتجات الصينية نحو إفريقيا وأوروبا. كما يُنتظر توسع التعاون في التكنولوجيا الخضراء، خصوصًا الطاقة المتجددة وتحلية المياه، إلى جانب شراكات في الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، مستفيدة من الخبرات الصينية الرائدة في هذه القطاعات.

على الصعيد الاستراتيجي، ستظل مصر شريكًا رئيسيًا في مبادرة “الحزام والطريق”، بينما ستسعى بكين لتعزيز حضورها الاقتصادي والثقافي في المنطقة من خلال القاهرة باعتبارها بوابة محورية.

ومن المرجح أيضًا أن يشهد التعاون الثقافي والإعلامي زخمًا أكبر، بما يُعمّق التواصل الشعبي ويفتح آفاقًا أوسع للسياحة والتعليم. وإذا ما أُديرت هذه الشراكة بمرونة وشفافية، مع مراعاة التوازن في المصالح، فإن العقد المقبل قد يشهد قفزة نوعية تجعل العلاقات بين البلدين نموذجًا للتعاون المتكافئ في عالم سريع التغير.

-كلمة أخيرة توجهونها للشعب المصري حول أهمية الشراكة المصرية الصينية؟

هنا لابد أن أُشير إلى أن مفتاح النجاح فى أى تعاون دولي هو (المصلحة المشتركة)، فهي التي تصنع أقوى الروابط ، وتضمن استمراريتها. وهذا هو جوهر العلاقة بين مصر والصين، التى تقوم على تبادل المنفعة والاستفادة من المبادرات والمشروعات المشتركة التي تعود بالنفع على الجانبين.

اقتباس””المصلحة المشتركة هي كلمة السر في أي تعاون دولي ناجح”

فالشراكة المصرية-الصينية ليست مجرد أرقام في الميزان التجاري أو عقود استثمارية، بل هي استثمار في المستقبل يربط بين حضارتين عريقتين تمتلكان خبرات متراكمة وإمكانات هائلة.

ومن خلالها، تُفتح أمام مصر أبواب واسعة للتصنيع والتصدير ونقل التكنولوجيا، مع توفير فرص عمل وبنية تحتية متطورة تعود بالنفع المباشر على المواطن.

اقتباس ” الشراكة المصرية – الصينية ليست مجرد أرقام أو عقود، بل استثمار في المستقبل يربط بين حضارتين عريقتين”.

وكما جمعت القاهرة وبكين كلمة العالم الحر في إعلان القاهرة عام 1943، فإن التعاون اليوم يجمعنا من جديد لصياغة مستقبل يقوم على التنمية والسلام. إن الحفاظ على هذه العلاقة وتنميتها مسئولية مشتركة، لأنها تمثل رافعة استراتيجية تعزز مكانة مصر إقليميًا ودوليًا، وتضعها في قلب حركة الاقتصاد العالمي للقرن الحادي والعشرين. فالشراكة مع الصين تُمثل فرصة استراتيجية لمصر لتعزيز مكانتها كمركز لوجستي يخدم مناطق واسعة، ويوفر فرص عمل، ويُسرع من وتيرة التحول الصناعي.

ولكن النجاح فى استثمار هذه الفرصة يتطلب إدارة وطنية واعية، تحمي المنتج المحلي، وتستثمر في مواردنا البشرية، وتضمن أعلى درجات الشفافية في التعاقدات. إن التعاون الدولي لا يعني التبعية، بل هو استثمار للمصلحة الوطنية، ولكل مواطن دور في تحويل هذه الفرصة إلى واقع وإنجاز ملموس.