الدكتور إسلام عنان: المراقبة الوبائية هي الخطوط الأولى للدفاع ضد فيروس “الشيكونغونيا”

الحكومة المصرية تسحب عينات يومياً لرصد أى أمراض
لا توجد لقاحات موسعة حتى الآن للفيروس
فيروس آخر نشط مؤخرًا حذرت منه منظمة الصحة العالمية كخطر يهدد العالم ألا وهو ” شيكونغونيا”، الذى ينتقل عبر نوع معين من البعوض ما يجعله يسافر لكل الدنيا حتى لو لم ينتقل المصاب، الاحتباس الحرارى أحد أسباب عودته كما ينذر باختلاف خريطة الأمراض فى العالم، كما أشار دكتور إسلام عنان أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة، الذى كان له معه الحوار التالى ..
لماذا جاء تحذير منظمة الصحة العالمية من فيروس “شيكونغونيا” على غير العادة معه؟
لوجود إصابات فى أماكن لم تكن من مواطن البعوض الناقل كموريشيوس والجزر التابعة لفرنسا، والتى أصيب ثلث سكانها تقريبا بالمرض فى هذه الموجة منذ مايو الماضي، أيضا بسبب انتشار الإصابات فى الصومال وكينيا وجنوب شرق آسيا وكل هذه الأماكن يكون فيها الانتشار بشكل أكبر، أى صار من الفيروسات المنتشرة عالميا، وهو عادة يبدأ بظهور إصابات فى بؤرة معينة ثم تنتقل إقليميا ومع زيادة حركة السفر يكون الانتشار العالمى أيضا، والمرة الأخيرة التى ظهرت بها إصابات عالميا كان فى 2004 ووصلت الحالات لنصف مليون مصاب، وحاليا وفقا للاحصائيات الأخيرة، هناك 110 دول ظهر بها المرض، إذن نتحدث عن قرابة 5.5 مليار انسان معرض للاصابة، وبالفعل تم رصد مئات الآلاف من الإصابات، وكنسبة وتناسب قد تزداد عدد الحالات مقارنة بعدد المعرضين للإصابة.
أيضا، انتشار البعوض فى دول لم يكن يتواجد بها فى جزء منه هو الاحتباس الحرارى وارتفاع درجة حرارة الأرض، فهاجرت أنواع من البعوض لأماكن أخرى لم تكن حرارتها مناسبة لها قبلا وتكيفت معها ما جعلنا نرصدها فى أوروبا وأمريكا الشمالية على غير العادة، فإذا استمر الاحتباس الحرارى دون جهود حقيقية لمواجهته فإن كوكب الأرض كله سيكون معرضا للفيروسات المنتقلة عبر البعوض ولن تكن محدودة بمواطنها السابقة.
لماذا عاد هذا الفيروس بهذا الشكل القوى بعد 20 عامًا تقريبا من انتشاره الأخير؟
من المعلوم علمياً أن الفيروسات حينما تختفى لفترة طويلة تنخفض المناعة المجتمعية ضد الفيروس فأعداد كبيرة لم تتعرض للإصابة به، بالتالى يكون انتشاره أسرع لأن مناعة عدد كبير حاليا لم تصادفه قبلا، كذلك بطبيعة الفيروسات تتغير وتتعرض لطفرات، وبعوضة النمر الآسيوى أو البعوضة المرقطة هناك تغير جينى جعلها أكثر قدرة على الانتشار والهجرة والتكيف مع البيئة، نتيجة التغير المناخى وكلما ارتفعت درجة حرارة الأرض سنعانى أكثر من انتشار الفيروسات المنتقلة عبر البعوض، يسهم فى ذلك العولمة وزيادة حركة السفر ، زيادة الاستيراد والتصدير بما قد تحمله البضائع من بيوض ويرقات البعوض، وكل ذلك جنبا إلى جنب أن قيمة الانفاق الدولى على الأمراض المنتقلة عبر البعوض ليست بالكبيرة مقارنة مثلا بالانفاق على الأمراض الزمنة، ما يجعل الإنفاق خاص بكل دولة وهذا أحد أسباب تحذير منظمة الصحة العالمية بضرورة نشر الكشف المبكر والترصد حتى فى البلدان التى لم يكن موجودا بها كجنوب أوروبا.
هل تم تسجيل حالات إصابة فى مصر؟
حتى الآن لم يتم تسجيل أى حالة اصابة بفيرس شيكونغونيا فى مصر، لكن كان هناك حالات من حمى الضنك باسوان فى 2011 وتم السيطرة عليها، قبل عام أيضا ظهرت حالات بسيطة من حمى الضنك، والتى تحمل عدواها ذات البعوضة الناقلة لشيكونغونيا.
ما مدى تعرض مصر لخطر انتشار الشيكونغونيا؟
تعمل الحكومة المصرية وفق المنهج الاستباقى فى البحث والتقصى عن الفيروسات، بهدف منع الإصابة والتأهب والجاهزية إذا تم رصد أى اصابة.. يحدث هذا مع كل التهديدات الصحية وليس فقط هذا الفيروس، ولا تتم الإجراءات الصارمة إلا بظهور الحالة الأولى، ولدينا فرق ترصد فى الـ27 محافظة وفى مداخل البلاد كالمطارات، ويوميا هناك سحب عينات من المياه والصرف، هناك فحص عشوائى للسكان وللطرق ولأنواع الناموس بكل محافظة، ويعد مراقبة البعوض من أولويات الترصد الوبائى فى مصر لنقله للعديد من الأمراض، كما يتم تجفيف منابع المياه الراكدة المحتمل تواجد البعوض حولها، مع توعية الناس، سواء بالإبلاغ فى حال شك بتواجد أو لدغ أو أعراض مختلفة بعد لدغ ناموس، ويتم الإبلاغ فى الوحدات الأولية المتواجد بها وحدة تقصى الأوبئة والبعوض، توعية الناس باستخدام المبيدات، التأكد من عدم وجود ماء آسن فى محيطهم لمنع تكاثر الناموس الناقل للمرض.
هل ينتقل عبر أنواع معينة من البعوض؟ وكيف تتم الإصابة؟
بالفعل ينتقل فيروس شيكونغونيا عبر نوعين من البعوض هما الزاعجة المرقطة والزاعجة المصرية والتى ينتقل من خلالها أيضا الأمراض الفيروسية الأخرى كحمى الضنك وزيكا، حيث تلدغ البعوضة الشخص المصاب فتنتقل لها العدوى فإذا لدغت آخرا أصابته بالمرض أيضا وهكذا يتم انتقاله وانتشاره، وعادة تنشط هذه البعوضة فى النهار عكس البعوضة الناقلة لمرض الملاريا والتى تنشط ليلا، والأنثى كذلك هى الناقل للمرض وليس الذكر.
لماذا نقول منع انتشار المرض يأتى فى المرتبة الأولى مكافحة البعوضة ذاتها، لأنها تضع بيضها فى المياه الراكدة ولا تشترط مكانًا بعيدًا أو مقفرًا بالعكس حتى وسط العمران، على غير الناقل للملاريا مثلا، بالتالى منع تكوينات المياه الراكدة يعنى القضاء على تكاثرها وبالتالى انتشارها.
ماذا عن الـ ” الشيكونغونيا”؟
هو أحد فيروسات عائلة الـ RNA، من فيروسات ألفا، ينتقل عبر البعوض، هو فيروس موجود وليس جديد، أول مرة تم رصد الاصابة به كان فى الخمسينيات بتنزانيا، ومن لغتها المحلية حمل اسمه، حيث تعنى شيكونغونيا بالتنزانى الشيء الملتوى جسده، حيث تسبب الإصابة به ألمًا شديدًا فى المفاصل تجعل المصاب يمشى وجسده منحنى للأمام.
يبدأ بلدغ بعوضه حاملة للفيرس من لدغها عادة لمصاب وهذه دورة حياة الفيروس، وتتراوح فترة الحضانة منذ اللدغ وحتى ظهور الأعراض بين 4 و8 أيام، وتبدأ الأعراض عادة بحمى، فآلام فى المفاصل وأحيانا تورمها، آلام العضلات، صداع وغثيان، البعض يظهر عليه طفح جلدي، احمرار فى العين، وهذه الأعراض مشابهة لأعراض الإصابة بحمى الضنك وفيروس زيكا، ويكون التفريق بينهما عبر إجراء الاختبار، وقد تتفاقم الأعراض لمضاعفات خطيرة كالتهاب سحايا الدماغ فى حديثى الولادة والمسنين، ومن ثم فالفئات الأكثر عرضة للإصابة هم كبار السن الحوامل أصحاب أمراض فى القلب أو العين أو الجهاز العصبى خاصة فى الإصابات المتوسطة والشديدة.
العلاج عادة وكمعظم الفيروسات علاج للأعراض خافض للحرارة المرتفعة مسكن لآلام المفاصل، الراحة وشرب المياه أو تعويض السوائل فى المؤسسة الطبية وهكذا، وأغلب الحالات تشفى خلال أسبوع، لكن مشكلة هذا المرض أن آلام المفاصل قد تكون قوية لدرجة تؤدى لإعاقة مؤقتة فتحتاج العلاج لأشهر أو سنوات مع دعم بعلاج طبيعي، أما وفياته فقليلة أقل من 1%.
هل له لقاحات تجنب العدوى؟
حتى الآن لا توجد لقاحات على نطاق واسع، والمتاح لقاحان تقدموا فى 2023 لاستخدامهم بشكل محدود لكن لم يحصلوا بعد على الموافقات النهائية.
لذا فتجنب العدوى من الأساس هو الأصل، ويكون ذلك عبر، منع تكاثر البعوض بمنع وجود مياه راكدة، مراقبة البيض واليرقات وسحب العينات، فخط الوقاية الأول هو مكافحة الناموس الناقل، وتوفير طرق سهلة للمواطنين للابلاغ، توعية المواطنين، استخدام طارد الحشرات ارتداء ملابس بأكمام طويلة مع استخدام الناموسيات والشبكات السلك على المنازل.