د. هشام رامي: الاكتئاب حالة صحية خطيرة لا يمكن التغلب عليها بالصمت أو عدم الاكتراث

د. هشام رامي: الاكتئاب حالة صحية خطيرة لا يمكن التغلب عليها بالصمت أو عدم الاكتراث

قال الدكتور هشام رامي أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس إن شعار منظمة الصحة العالمية منذ عام 1948 “لا صحة بدون صحة نفسية”، وهو ما يوضحأهمية الصحة النفسية في تكوين الإنسان السليم، مشيرًا إلى أن كلمة “الاكتئاب” باتت تُستخدم شعبيًا بشكل مرادف للحزن، رغم أنها في الطب النفسي تشير إلى أحد أهمالاضطرابات النفسية، بل أحد أخطر الاضطرابات الطبية في القرن الحادي والعشرين.

وأوضح رامي خلال لقائه في برنامج (مساء الخير يا مصر) أن مرض الاكتئاب هو مجموعة من الأعراض التي تتجمع معًا فتؤثر على حياة الإنسان من الناحية العقلية والروحية والجسدية، وأبرز هذه الأعراض فقدان القدرة على الاستمتاع، وهي من أخطر المؤشرات، إلى جانب فقدان الطاقة اللازمة للقيام بالأنشطة اليومية العادية، وهو ما يشعر الإنسان وكأنه فقد الدافع الداخلي الطبيعي الذي يحركه للتفكير، أو التفاعل، أو حتى الحركة.

وأشار أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس إلى أن الاكتئاب لا يقتصر على مجرد مشاعر الحزن بل يصاحبه ألم نفسي شديد، وإحساس بالعجز، وأفكار سلبية متكررة عن الذات والحياة والمستقبل، وهي الثلاثية التي تقود الإنسان إلى الرغبة في الموت إذا لم يتدخل العلاج في الوقت المناسب، كما يرتبط الاكتئاب باضطراباتحيوية مثل فقدان الشهية، أو الإفراط في الأكل، واضطرابات النوم، وصعوبة اتخاذ القرار، والتردد في أبسط الأمور، ما قد يؤدي مع الإهمال إلى ما يسمى بـ”الشلل النفسي”، وهي الحالة التي يفقد فيها المريض القدرة على أداء أي نشاط يومي بما في ذلك المهام البسيطة المرتبطة بالنظافة الشخصية أو العبادات.

وأكد الدكتور هشام أن الاكتئاب ليس مرضًا نفسيًا فقط، بل هو في الأساس اضطراب عضوي يصيب الجهاز العصبي، ويحدث نتيجة نقص في بعض المواد الكيميائية داخل المخ، وهو ما يفسر ارتباطه بمضاعفات عضوية خطيرة مثل ارتفاع خطر الإصابة بالجلطات القلبية، أو فشل الكبد، أو انخفاض المناعة، مما يزيد من تعرض المريض للعدوى.

وأوضح أن المرض لا يرتبط بمرحلة عمرية معينة، فقد يصيب الأطفالوالمراهقين بنفس درجة احتماله لدى كبار السن، لكنه في مرحلة الطفولة والمراهقة يُعد أكثر خطورة لأنه يؤثر على نمو الجهاز العصبي لدى الأطفال، ما قد يؤدي إلىضعف نضجهم العقلي والانفعالي في المستقبل، موضحا أن الأسباب الرئيسية للاكتئاب ترجع إلى وجود استعداد جيني موروث، يتفاعل مع الضغوط الخارجية، مثل فقدان، أو صدمة، أو مشكلات اجتماعية، لتظهر أعراض المرض بصورة مبكرةأو أكثر حدة.

وشدد على أن الاكتئاب مرض عضوي في الأساس وليس ضعفًا في الشخصية أو نقصًا في الإيمان أو عقابًا من الله، ولكن الصورة الذهنية السلبية المرتبطة بالمرضالنفسي في المجتمع تدفع كثيرين لرفض الاعتراف به، وتفضيل الذهاب إلى طبيب المخ والأعصاب بدلًا من الطبيب النفسي، رغم أن مركز التفكير والعواطف والسلوك يقع في الفص الأمامي للمخ، وهو الجزء الذي يميز الإنسان ويخضعلاختلالات كيميائية مثل أي عضو آخر في الجسم.

وقال أستاذ الطب النفسي إن اكتشاف الاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين يتطلب ملاحظة التغيرات المفاجئة في السلوك، مثل اضطراب النوم، أو الأكل، أو الانسحاب الاجتماعي، والانطواء والانشغال بأفكار حزينة، مشيرًا إلى أن فقدان “بريق العينين” من أبرز العلامات التي تلاحظها الأمهات، وينبغي معها التدخل المبكربعرض الطفل أو المراهق على مختص نفسي لتقييم حالته، موضحا أن العوامل البيئية والاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا في زيادة شدة المرض أو ظهوره في سن مبكرة، مشيرًا إلى أن أنماط تربية الأبناء غير السليمة، مثل المقارنة بين الإخوة، أوالتقليل من شأن الطفل، أو النقد المستمر، تعد من الأسباب الشائعة لتفاقم الاكتئاب لدى المراهقين، مؤكدًا أن الطفل يرى نفسه من خلال نظرة والديه له، فإذا زرعالوالدان فيه شعورًا إيجابيًا تجاه نفسه، يصبح أكثر قدرة على مقاومة الانحراف والاضطراب.

وأكد أن التواصل الإيجابي والاحترام داخل الأسرة يحمي الأبناء من الانحراف والاضطرابات النفسية، مشيرًا إلى أن الإنسان كائن اجتماعي، وأثبتت دراسة شهيرة بجامعة هارفارد امتدت لثلاثين عامًا أن أكثر الناس سعادة في الكِبر هم من يملكون شبكة اجتماعية حقيقية قائمة على التواصل الحقيقي، وليس الافتراضي.

موضحا أن وسائل التواصل الاجتماعي رغم أهميتها، قد تؤثر سلبيًا على الصحة النفسية، خاصة في حال الإفراط في استخدامها أو التعرض لمحتوى سلبي متكرر، حيث يؤدي الاستخدام المطول إلى استنزاف طاقة الجهاز العصبي، بينما يؤدي التعرض المتكرر لمحتوى عنيف أو سوداوي إلى ما يُعرف بالتبلد العاطفي، وفقدان الحساسيةتجاه مشاهد العنف والانتحار، بل وربما تقليدها دون وعي في مراحل لاحقة، لا سيما لدى الأطفال والمراهقين.

وأضاف رامي أن المخ يتأثر تكرارًا بما يشاهده، ومع الوقت يفقد قدرته على التمييز بين الصواب والخطأ، وتصبح الأفكار السلبية والأفعال الخطيرة مألوفة لديه، مشيرًاإلى أن بعض المواقع والمحتويات الرقمية تروّج لأفكار انتحارية وتُظهرها على أنها تصرفات عادية، ما يفرض ضرورة وجود برامج توعية نفسية، وتعليم التفكيرالنقدي للأطفال والمراهقين، وتمكينهم من التفرقة بين الحقيقة والافتراض، وبين الصواب والخطر.

واختتم الدكتور هشام حديثه بالتأكيد على أهمية العمل على خطين متوازيين؛ الأول هو تعزيز مهارات التفكير النقدي، والثاني هو تعزيز العلاقات الاجتماعية الحقيقيةداخل الأسرة والمجتمع، لحماية الأجيال الجديدة من الوقوع فريسة للاكتئاب أو الانسياق خلف رسائل سلبية تُبث عبر المحتوى الرقمي، مؤكدا أن الوقاية النفسية لا تقل أهمية عن العلاج، وأن الاستثمار في الوعي هو أحد أقوى أدوات بناءمجتمع سليم نفسيًا وعقليًا.

يذاع برنامج (مساء الخير يا مصر) عبر أثير شبكة البرنامج العام، رئيس التحرير أحمد دياب، تقديم أسماء موسى، إخراج الدكتور محمود محجوب.