إبراهيم المصري: الأمن القومي في مصر مرتبط بفلسطين

لا سلام دون إقامة دولة فلسطينية
إسرائيل تهدد المنطقة دون رقيب دولى.. ولا تخضع للتفتيش النووى
فى ظل الأوضاع الملتهبة التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وما شهدته الأيام الأخيرة من تطورات دراماتيكية على الساحة الإقليمية، بعد وقف الحرب بين الاحتلال الإسرائيلى وإيران، تتزايد التساؤلات حول مستقبل المنطقة، ومخاطر امتلاك إسرائيل لسلاح نووى دون رقيب، خاصة مع الحديث عن تدمير البرنامج النووى الإيراني. كما تزداد الأسئلة حول دور المجتمع الدولى فى كبح جماح امتلاك أسلحة الدمار الشامل.
وفى هذا السياق، كان لنا هذا الحوار مع النائب اللواء إبراهيم المصري، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، الذى تحدث بصراحة عن الموقف من البرنامج النووى الإسرائيلي، وخسائر إسرائيل على المدى البعيد، وأبعاد العلاقات الدولية والإقليمية المرتبطة بالصراع الفلسطيني. كما قدم قراءة سياسية وأمنية متعمقة للمشهد الحالي، مؤكدًا أن حل القضية الفلسطينية هو مفتاح الاستقرار فى الشرق الأوسط.
بعد وقف الحرب بين الاحتلال الإسرائيلى وإيران.. كيف ترى خطورة امتلاك إسرائيل لبرنامج نووى عسكري؟
بالتأكيد يشكل ذلك خطرًا كبيرًا، ولا أحد يجرؤ على مواجهته أو الحديث عنه. إسرائيل تملك سلاحًا نوويًا ومفاعل “ديمونة” العسكرى المعروف عالميًا، لكنها تظل حالة شاذة واستثنائية تحظى بحماية دولية. الجميع يعلم ببرنامجها النووي، ولكن لا يُطبق عليها القانون الدولي.
لماذا لم تتخذ الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، موقفًا من البرنامج النووى الإسرائيلي؟
**لأن إسرائيل محمية دوليًا وتعتبر ولاية أمريكية وعين الغرب فى المنطقة. لا يُسمح لأحد بتهديدها أو الاقتراب من برنامجها النووي، وهذا ما يجعلها فوق المساءلة والتفتيش. القوى الكبرى تكيل بمكيالين.
بعد الإعلان عن تدمير المنشآت النووية الإيرانية.. هل تتجه الدول الكبرى إلى دعم إيران فى إنشاء برنامج نووى سلمي؟
التهدئة الأخيرة بالتأكيد تضمنت مكاسب لإيران من خلف الكواليس، وربما قبولًا ضمنيًا بعدم استكمال مشروعها النووي. لكن لا يمكن إنكار أن إيران خسرت الكثير، بما فى ذلك ترسانتها والفصائل التى تدعمها مثل حزب الله وحماس.
لماذا ترى إسرائيل نفسها فوق المساءلة؟ وهل يمكن أن يستمر هذا الوضع؟
لأنها مدعومة من قوى عظمى، ولأنها ببساطة لا تُحاسب. هذا الوضع سيستمر طالما بقيت هذه الحماية الدولية، إلا إذا تحقق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
هل يعطى عدم انضمام إسرائيل لمعاهدة حظر الانتشار النووى مبررًا لامتلاكها سلاحًا نوويًا؟
لا، لكنه يعطيها مساحة للمراوغة. إسرائيل ترفض الانضمام لأنها لا تريد رقابة ولا مساءلة. وهى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تملك سلاحًا نوويًا دون التزامات دولية.
هل تعتبر أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية واقعة تحت تأثير سياسى من الدول الكبرى؟
نعمٌ؛ الوكالة تتعرض لضغوط سياسية، وهذا واضح فى تعاطيها المختلف مع إيران مقارنة بإسرائيل.
بعد تدمير البرنامج النووى الإيراني.. هل هناك حاجة لامتلاك إيران برنامجًا نوويًا عسكريًا؟
من وجهة نظر إيران، نعم، لضمان التوازن. لكن المجتمع الدولى يرى العكس. القضية الأعمق أن المنطقة كلها يجب أن تُخلى من السلاح النووي.
فى ضوء تهدئة الأوضاع، هل يمكن لنتنياهو أن يلجأ إلى حرب جديدة؟
لا أستبعد ذلك، نتنياهو قد يبحث عن حرب أو تصعيد جديد لتمديد بقائه فى الحكم والهرب من المحاكمات التى تنتظره.
ما المكاسب التى يمكن أن تحققها إيران من اتفاق وقف إطلاق النار؟ وهل حققت إسرائيل أهدافها الاستراتيجية من الهجوم؟
إيران قد تكون حصلت على بعض الضمانات مقابل وقف التصعيد، لكنها فى الواقع تعرضت لخسائر كبيرة. أما إسرائيل، فقد تسعى لتكريس هيمنتها، لكنها لن تنعم بالسلام الحقيقى طالما استمرت فى ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين، فستنشأ أجيال جديدة ترفض الاحتلال وتقاومه، ولن يتحقق الاستقرار إلا بحل الدولتين وإنهاء القضية الفلسطينية بشكل عادل.
لماذا لا تنتفض الدول الكبرى ضد البرنامج النووى الإسرائيلي؟ ولماذا لا تُلزمها ببرنامج سلمي؟
لا تجرؤ أى دولة على انتقاد البرنامج النووى الإسرائيلي، وإن وُجدت حالات فردية هنا أو هناك فهى بلا أى صدى. القوة هى التى تحكم القرار الدولي، ولم تعد لمحكمة العدل الدولية أو الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أى تأثير يُذكر.
لكن من وجهة نظري، إسرائيل خسرت كثيرًا على المدى البعيد. لقد فقدت سمعتها عالميًا، وأصبحت تُرى كدولة احتلال وإبادة وعدوان على الأطفال، خصوصًا بعد أن شاهد العالم مشاهد الإبادة الجماعية بأم عينه. الجيل الجديد فى أوروبا والعالم تأثر بذلك، وهذا له تبعات مستقبلية مؤكدة.
كما أن فقدان الأمن الداخلى فى إسرائيل كان واضحًا خلال حرب الـ12 يومًا، إذ شهدنا هجرة من الداخل للخارج، فمعظم الإسرائيليين يحملون جنسيات أجنبية، بينما الفلسطينى راسخ فى أرضه. ولن توجد دولة اسمها إسرائيل ما لم يُنفذ حل الدولتين.
هل تعتبر إسرائيل نفسها فوق المساءلة والتفتيش الدولي؟
نعم، إسرائيل تضع نفسها فوق المساءلة، وحتى عند ظهور أى انتقاد لها داخل محكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن يتم تهديد أعضاء هذه الهيئات. ولكن هذا الوضع لن يستمر للأبد، ولن تنعم إسرائيل بالسلام ما لم تقم دولة فلسطينية.
كيف تفسر رفض إسرائيل الانضمام لاتفاقية حظر الانتشار النووي؟
إسرائيل حالة شاذة ومارقة بكل ما تعنيه الكلمة، وتتصرف كدولة ذات سيادة مستمدة من نفوذ أمريكى مباشر، فهى فعليًا تُعامل كما لو كانت الولاية الأمريكية رقم 54.
هل تساعد الدول الغربية إيران فى تبنى برنامج نووى سلمي؟
أعتقد أن هناك اتفاقًا بهذا الشأن وهو معلن، خصوصًا فى ظل غياب دعم فعلى من روسيا والصين لإيران بسبب ظروفهما، وهذا دفع طهران لقبول وقف إطلاق النار فى نهاية المطاف.
فى رأيك، ما الحل للصراع فى المنطقة؟
لا يوجد حل سوى إقامة دولة فلسطينية، هذا هو جوهر المشكلة، وكل ما يحدث من صراعات إقليمية يعود أصله إلى عدم حل القضية الفلسطينية.
كيف ترى مستقبل العلاقات العربية الإيرانية؟
بعض الخلافات بين الجانبين مفتعلة، والبعض الآخر حقيقى نتيجة للمد الثورى الإيراني. لا ننسى أن الخمينى عاش فى فرنسا وتلقى دعمًا وتوجيهًا من الخارج، كما أن هناك تعاونًا غير معلن بين إسرائيل وإيران، ليس وليد اليوم، بل ممتد من سنوات، ولكنه غير مرئى للرأى العام.
ما مصير رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بعد التهدئة؟
نتنياهو نفّذ المخطط بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، وهذا ما صعّد من شعبيته. اليوم يُنظر إليه كبطل قومى فى تل أبيب بسبب اقتحامه للأراضى الإيرانية. حتى دونالد ترامب يدافع عنه بشدة، والأيام المقبلة ستكون فى صالحه وصالح التيار المتشدد المسيطر على إسرائيل منذ أكثر من 30 عامًا. فى النهاية، يبقى القرار للشعب الإسرائيلى ليختار من يحكمه.
كيف ترى ممارسات الاحتلال الإسرائيلى فى غزة فى ظل صمت المجتمع الدولي؟
الاحتلال الإسرائيلى لا يضع المجتمع الدولى أو المنظمات الدولية فى اعتباره إطلاقًا، ويتوحش فى ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطينى أمام أعين العالم أجمع. الاحتلال يعربد ويمارس الإبادة الجماعية بمباركة الدول الداعمة له، فى ظل غياب أى موقف حازم من القوى الكبرى.
ما موقف مصر من هذه الجرائم بحق الفلسطينيين؟
موقف مصر واضح وصريح منذ عام 1948 وحتى الآن. القضية الفلسطينية تمثل عمود الخيمة بالنسبة للعرب جميعًا، وخاصة الأمن القومى المصرى المرتبط ارتباطًا وثيقًا بفلسطين. الدولة المصرية لم تدخر وقتًا أو جهدًا فى دعم القضية، وسعت إلى حشد الرؤى العربية والدولية لوقف الحرب فى غزة، والتأكيد على حل الدولتين، ومنح الشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة ووقف نزيف دم الأبرياء.
هناك من يشكك أحيانًا فى موقف مصر، ما تعليقك؟
لا يستطيع أحد أن يزايد على موقف مصر إطلاقًا. قبل اندلاع الحرب الأخيرة، كانت مصر بالفعل تتبرع وتشرع فى إعادة إعمار ما دمره الاحتلال الإسرائيلى فى غزة. وفور اندلاع حرب الكيان الصهيونى على غزة فى السابع من أكتوبر، تبنت مصر القضية الفلسطينية بشكل كامل، وحذّرت من العواقب الوخيمة لجرائم الاحتلال، وطالبت مرارًا بحل الدولتين كخيار وحيد لاستقرار المنطقة.
**ما مدى استجابة المجتمع الدولى للرؤية المصرية؟
للأسف، المجتمع الدولى لم يتبنّ الرؤية المصرية حتى الآن رغم أنها الرؤية الصائبة والداعمة للحق وللقضية الفلسطينية. بل إن المجتمع الدولى كان منحازًا بشكل واضح لإسرائيل، وهو ما شجع الاحتلال على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق أشقائنا فى غزة. الحلول المؤقتة والمسكنات لن تُجدى نفعًا، والحل الحقيقى يكمن فى تنفيذ حل الدولتين ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني.