عاصم الدسوقي: أحداث 30 يونيو أعادت إحياء مبادئ ثورة 1919 وأنقذت مصر من الانقسام

عاصم الدسوقي: أحداث 30 يونيو أعادت إحياء مبادئ ثورة 1919 وأنقذت مصر من الانقسام

الإخوان بدأوا مشروعهم للاستئثار بالسلطة وأخونة المؤسسات فقامت الثورة ضدهم
الاحتلال الإنجليزى انتبه إلى أن الإخوان وسيلة للتفرقة بين الأقباط والمسلمين.. فدعموا حسن البنا
حاولوا تغيير الهوية وأخونة المؤسسات لكنهم لم يفلحوا

د. عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة حلوان. وُلد فى 31 أغسطس 1939م بمحافظة الغربية، وتخرَّج فى قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة عين شمس عام 1961م، ونال درجة الدكتوراه من الكلية نفسها عن أُطروحةٍ بعنوان «كِبار ملَّاك الأراضى المصرية ودورهم فى المجتمع المصرى من عام 1914م إلى 1952م». تنوَّعت إسهاماته بين التأليف والترجمة، ومن أبرز مؤلَّفاته: «ثورة 1919م فى الأقاليم»، و«أفكار لم تُنشر (1982–1996م): الظروف والملابَسات»، و«الصهيونية والقضية الفلسطينية فى الكونجرس الأمريكى (1943–1945م)». أمَّا ترجماته فمنها: «أوروبا العثمانية (1354–1804م): فى أصول الصراع العِرقى فى البوسنة والهرسك».

حاز «الدسوقي» عددًا من الجوائز، أبرزها جائزة الدولة التقديرية عام ٢٠١٣م، ويعمل حاليًّا أستاذًا متفرِّغًا للتاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة عين شمس، ويتولَّى الإشراف على الرسائل العلمية، وهو عضوٌ بارز فى الجمعية المصرية للدراسات التاريخية. وهو يُعد من أهم شهود العيان على أحداث مصر الجسام، إذ عاش طفولته فى العصر الملكي، ودخل مرحلة الشباب مع ثورة 23 يوليو 1952، وأصبح من جيل يوليو الذى عاش الحلم الناصرى ببعده الاجتماعى والعروبي، ثم شهد الهزيمة فى يونيو 1967، ثم الانتصار فى أكتوبر 1973، كما شهد التحولات العميقة التى مر بها المجتمع المصرى خلال فترة حكم مبارك التى انتهت بأزمة اجتماعية واقتصادية أدت إلى انفجار الوضع فى مشهد 25 يناير 2011، التى شاهدها بعين المؤرخ الذى لا يتوقف عن تدوين الملاحظات وربط الأحداث بمحيطها الدولي، ثم حلل وربط مقدمات يناير وقيام ثورة 30 يونيو.. وهو هنا فى حوار خاص عنها.

 هل التأريخ لثورة 30 يونيو تم على نحو صحيح؟

   ثورة 30 يونيو لم تأخذ حقها فى التأريخ لها حتى اليوم، لأن التأريخ يبدأ بعد نهاية الحدث وليس فى أثناء الحدث، ففى أثناء الحدث عندما تقول جملة أو تفسر شئ أو تقول رأى، يمكن تغييره نتيجة لتغير الأحداث نفسها، فدائما التأريخ لأى حدث يبدأ بعد انتهائه، وظهور أو الإطلاع على الوثائق والأحداث القائمة، وهى مشكلة التاريخ، فلا تاريخ بدون وثائق. وللأسف ليس لدينا قاعدة زمنية للإطلاع على الوثائق، بينما أنا زرت إنجلترا فى دار الوثائق وجدت أن القاعدة عندهم أنهم يسمحون بالإطلاع على الوثائق المهمة بعد مرور 30 عام، فى أول يناير يحضر فهرس بعناوين الملفات التى أصبحت متاحة، ومع ذلك أحد عناوين الملفات يضع أمامه نجمة رغم مرور 30 عامًا عليها، ولكنه يضع هذه الإشارة كعلامة على أنها غير متاحة للإطلاع، لأن تداعياتها لا تزال موجودة، ولذلك لا يمكن الإطلاع عليها.

 30 يونيو يتم تدريسها فى مناهج الثانوية العامة وأنت من كتبت عنها، حدثنا عن ذلك؟

هذا الفصل المقرر يتحدث عن ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، وفيه نتحدث عن مقدمة ثورة 25 يناير، حيث بدأت المعارضة السياسية فى مصر خلال عام 2004 تأخذ شكلًا تنظيميًا تمثل فى مجموعة حركات تجمعات تستقطب الشباب للتخلص من الحكم القائم آنذاك “مبارك”، ومن سيطرة الحزب الوطنى على الحكم وقد تعددت الأسباب التى أدت إلى انفجار الثورة، منها تزوير انتخابات مجلس الشعب التى أجريت فى نوفمبر 2010 بالكامل لصالح الحزب الوطنى، وسوء الأوضاع الاقتصادية، واستمرار العمل بقانون الطوارئ. وقد توالت أحداث الثورة حيث خرج الثوار إلى ميدان التحرير، مطالبين بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. ومع تسارع الأحداث أصر الرئيس مبارك على البقاء، وأصدر بيانًا حاول به استدرار العطف عليه. وتصاعدت مطالب الشعب بإسقاط نظامه، ونتيجة لتزاحم الأحداث وإصرار الشعب، أعلن نائبه عمر سليمان فى مساء 11 فبراير 2011 تنحى مبارك عن الحكم، بعد 18 يومًا من الثورة. وفى هذا التاريخ شعر الشعب بأنه حقق أهداف الثورة، ومن أهمها إسقاط نظام حكم مبارك، وأعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير طنطاوى أنه يحمى الثورة، وأنه معها لاستكمال أهدافها، وتم حل مجلس الشعب والشورى، وتوالت التغييرات الوزارية السريعة، وكلها جاءت تحت عنوان حكومات انتقالية لتسيير الأعمال، نتيجة لعدم الاستقرار فى هذه الفترة. ثم تم اختطاف الثورة، ووصول الإخوان للحكم، وبدأوا مشروعهم للاستئثار بالسلطة وأخونة المؤسسات، ولذلك بعد عام واحد قامت الثورة ضدهم.

 هل كتابك “تاريخ مصر الحديث” يُعد تأريخًا لثورة يونيو؟

المنهج الذى أقر على الطلبة بالمرحلة الثانوية، بواسطة وزارة التربية والتعليم، هو أحد فصول كتابى “تاريخ مصر الحديث” أو خاتمة لكتابى وأنا أتناول فى هذا الفصل الأحداث من عام 2009 وحتى عام 2014. وهذا ما ذكرته فى مقدمة الكتاب، وهو أن ما نكتبه عن 30 يونيو هو انطباعات سريعة، وليس تاريخا علميا، لأنه لا توجد أمامنا وثائق، وإنما نستند إلى الشواهد، ومن هنا مشكلة البعد الشخصى فى تناول الحدث العام فى التأريخ، لا بد للكاتب أن يبعد رأيه الشخصى، وإذا أراد أن يبدى رأيًا من الممكن أن يقول وهذا سببه كذا.

  تقول فى أحد تصريحاتك لولا 30 يونيو لأصبحت مصر دولة طائفية.. لماذا؟

لأن الإخوان، كانت جماعة مذهبية تحكم، وكانت تريد أن تطبق مذهبها على المحكومين، من هنا بدأ الإشكال. مشكلة الجماعة الدينية حينما تحكم تبدأ تحول البلد إلى مجموعات طائفية. والذى يؤكد هذا أن مشكلة أمريكا وإسرائيل أو الحركة الصهيونية عاملين مشروع الشرق الأوسط الكبير، والإخوان كانوا أداة لتنفيذ هذا المشروع.

 ما مشروع الشرق الأوسط الكبير وعلاقته بمصر؟

هو مشروع يقوم على أساس أن الـ22 دولة يتم تقسيمهم لنحو 73 دولة، وخريطة هذا الشرق المقسمة لكيانات صغيرة، معلقة فى الكونجرس الأمريكى، وهى تقوم على أسس طائفية والمخطط الأمريكى لإعادة هندسة المنطقة، وهو مشروع قديم ومتجذر،  فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتى فى العام 1991 وتفكيكه، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية شعار النظام العالمى الجديد، وغرض هذا النظام أن يصبح العالم تحت السيطرة الأمريكية، والسبيل إلى تحقيق هذا الغرض هو تغيير القيادات الوطنية فى مختلف بلدان العالم، واستبدالها بقيادات توافق على هذا المنحى الجديد، المشكلة كانت فى كيفية التنفيذ أو الحصول على وسيلة للتنفيذ، وهنا نجد أنه يتم التحايل على وقوع حدث مثل 11 سبتمبر، واتخاذه سببًا للهجوم على الدول مثلا بدعوى محاربة مهاجمى مبنى التجارة العالمي، وهى الحجة التى إتخذت سببا للهجوم على أفغانستان. 

ثم جاءت مرحلة تالية متقدمة فى عهد رئاسة بوش الثانية، عندما تبنت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس شعار الفوضى الخلاقة فى 2005، وتعنى أن بلاد الشرق الأوسط تدخل فى فوضى تأتى بحكومات إسلامية، وليس حكومات وطنية، لأن الحكومة الإسلامية عندما تحكم ستبدأ فى تطبيق مبدأ الشريعة، وهنا يبدأ الحديث عن أهل الذمة ودفع الجزية، وتبدأ معها الحرب الأهلية، فتتدخل أمريكا لفض النزاع ولا تجد حلًا إلا بإنشاء دولة لكل أقلية، وهذا هو جوهر مشروع الشرق الأوسط الكبير، أو الشرق الأوسط الجديد، والذى يعتمد فكرة أن تكون دولة قائمة على أساس طائفى أو مذهبى أو عرقي، وبالتالى تضرب فكرة العروبة والوحدة العربية، ومشروع أمريكا هو نفسه مشروع الحركة الصهيونية، التى تسعى لتقسيم العالم العربى لكيانات طائفية حسب المكان. يعنى مثلا فى بلاد الشام سنجد دروز وأكراد، وفى العراق أكراد، وفى مصر مسلمين ومسيحين، وحتى المسلمين مقسمين إلى سنة وشيعة، والمسيحيين نفسهم مقسمين كاثوليك وأرثوذكس، وبالتالى يبدأ الاشكال فى الحاكم المنتمى لهذا الفكر.

 ما علاقة حسن البنا بالمخطط الغربى أو جماعة الإخوان؟

 الغرب قدم دعمًا ماليًا للإخوان، وما شاهدناه لهذا الدور الأجنبى منذ نشأة هذه الجماعة، فحسن البنا قادم من بلاد المغرب العربي، وظل يتحرك حتى استقر فى مصر فى الإسماعيلية، وهناك فى المغرب كان واحدًا من جماعة المسلمين الذين تم هروبهم من الأندلس، هربًا من إعتناق المسيحية، ومن المغرب تحركوا جماعات فى ليبيا والجزائر ومصر، وبدأ حسن البنا دعوته للإسلام فى الإسماعيلية، ليس من أجل اعتناق الدين الإسلامى بل كان يدعو لحكم الإسلام، وكان ينتقل من مقهى لمقهى لنشر دعوته، وبعد ذلك انضم إليه بعض هؤلاء الشباب الجالسين فى تلك المقاهى، وهنا سلطة الإحتلال البريطانى لفت نظرهم، وتوافق مع مبدأهم فى التفرقة، فدعموه ولم يقفوا ضده، ولكن السلطات المصرية بدأت تتعقبه، فانتقل من الإسماعيلية للقاهرة فى حى منيل الروضة، وعُين مدرسًا ولما بدأ ينقل أفكاره بين تلاميذ المدارس تم الضغط عليه، فانتقل إلى قنا ثم عاد مرة أخرى.

 لنعود إلى الإنجليز ودورهم مع حسن البنا؟

سلطات الإحتلال الإنجليزى انتبهت إلى أن الإخوان وسيلة للتفرقة بين الأقباط والمسلمين، بدلًا من اتحادهم من أجل المطالبة بالجلاء والاستقلال. وحينما قامت ثورة يوليو 1952 الإخوان كانوا يريدون إيجاد وسيلة للتغلل إلى الحكم، فالهضيبى كان رئيس الجماعة بعد مقتل حسن البنا، فجاء لمقابلة جمال عبد الناصر فى أواخر عام 1952، تقريبًا فى ديسمبر، وبعد تقديم التحية وتأييده للثورة حتى لا تتصرف ضدهم، طالب خلال المقابلة بإقرار تعميم الحجاب، فعبد الناصر ضحك من هذا المطلب، وطالبه بفرض الحجاب على بنته أولًا، وقال له هذا ليس عملى ده عمل ولى الأمر، وبنت الهضيبى كانت طالبة فى كلية الطب وغير محجبة.

 ما سر العداء التاريخى بين الإخوان وجمال عبد الناصر؟

لأن الرئيس عبد الناصر أعاد روح الوطنية فى مصر، التى انتشرت وقت ثورة 1919. وخلال الثورة أراد الإنجليز بث التفرقة بين المسيحيين والمسلمين لإضعاف الحركة الوطنية ضدهم، فالقيادات الإسلامية والمسيحية تنبهت لهذه المسألة، فذهب شيخ الأزهر وخطب فى الكنيسة، وجاء أحد القساوسة وخطب فى الأزهر، لبيان أنهم وحدة واحدة، وظهر وقتها شعار الدين لله والوطن للجميع، وفشلت محاولات بث الفتنة، لكنها ظلت موجودة وكامنة حتى الآن، ففى خلال حكم مرسى والإخوان تم العديد من الأعمال العدائية من أجل إشعال الفتنة الطائفية، ولهذا كان لابد من إسقاط هذا النظام، لأن شعار مصر للمصريين منذ القدم.

وثورة 23 يوليو 1952 حققت أهدافها فى أول شهرين من انطلاقها، ومنها القضاء على الاستعمار، والاقطاع، وسيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة عدالة اجتماعية، وبناء جيش وطنى قوى. وفى سبتمبر 1952، بعد الثورة بأقل من شهرين، صدر قانون الإصلاح الزراعى الخاص بتحديد ملكية الأرض الزراعية، والذى قضى على سيطرة الإقطاع على الحكم، حيث كان كبار ملاك الأراضى الزراعية يسيطرون على الحياة البرلمانية، والتنفيذية وكل المشاريع التى صدرت منذ دستور 1923. وحددت ثورة 23 يوليو الملكية الفردية، وأصدرت قرار منع الفصل التعسفى، وصدور قانون التأمينات، تأمين قناة السويس، وأشعرت المواطن المصرى بالكرامة والعزة.

 هل كان لأمريكا دور فى صعود الإخوان للحكم؟  

طبعًا، فالإخوان وسيلة لإحداث الفتن الطائفية، ومسألة علاقة الاحتلال بتقسيم الدول علاقة قديمة ومتجذرة، فالدرس قديم، حينما احتلت إنجلترا الهند عمدت إلى تقسيمها وإثارة الفتنة بين المسلمين والهندوس، لاستمرار الفتن، وعندما انتهت الوحدة الوطنية عمدت لإضعاف الهند عبر حكومة إسلامية، وتم تقسيمها إلى باكستان الشرقية والغربية، واسم باكستان يعنى الأرض الطاهرة، وتحولت باكستان الشرقية اسمها لبنجلاديش، وتحولت لمنطقة مليئة بالصراعات. والإنجليز عندما احتلوا مصر 1982 عمدوا لخلق الفتنة فيها، لكى يحكموا. والشيخ على يوسف تنبه لهذا الأمر، وكتب على صدر صفحات جريدة المؤيد جملة بليغة كانت مانشيت تقول “وما المسلمون المصريون إلا أقباط غيروا عقيدتهم”، وهذا صحيح فالمسلم فى أى مكان فى العالم أحد أجداده القدامى مسيحى أو يهودى أو وثنى، حتى اليهود أجدادهم وثنيين، والتفرقة الدينية لخدمة أهداف الاستعمار والمحتلين، وكلمة على يوسف أثرت على مصطفى كامل، حينما بدأ النضال ضد الإنجليز، وأسس الحزب الوطنى لجمع الوطن للمرة الأولى وجعل شعاره: كلمة على يوسف وأضاف لها كلمتين “وهل تغيير العقيدة تغير الدم”، لعمل وحدة لمواجهة المحتل.

 هل سعى الإخوان قبل ثورة 30 يونيو لتغيير الهوية المصرية؟

بالطبع حاولوا تغيير الهوية، لكنهم لم يفلحوا فى ذلك، فقد حاولوا أخونة المؤسسات لكنهم لم يفلحوا، لوعى الشعب المصرى من التاريخ السابق، وفى 30 يونيو تم استعادة مبادئ ثورة 1919 وهى الدين لله والوطن للجميع.

 ما أهم القرارات التى اُتخذت خلال فترة حكم الإخوان توافقًا مع المخطط الغربى؟

الإخوان لا يعتنقون فكرة الوطنية، فهم عديمى الثقافة والرؤية، فيرددون حلايب وشلاتين سودانية، ويتفقون مع مشروع غزة الكبرى، الذى يقوم على ضم غزة لرفح وهو أحد مقومات الشرق الأوسط الجديد.

 ما الذى تقوم عليه خطة أمريكا لتقسيم الدول العربية ومنها مصر ؟

الفكرة هى التخلص من رؤساء الدول العربية الذين لم يكونوا فى خصومة مع واشنطن، ولكنهم لم يقبلوا بتقسيم دولهم، لذا التفكير وفقًا للخطة هو التخلص منهم، فالخطة قديمة جدًا، ويستمرون فى محاولات تنفيذها حتى اليوم، كانت تقسيم الدولة العربية الـ 22 إلى 73 دولة، وتقسيم مصر وحدها لخمس دول، لكن المحاولة فشلت فى مصر، لأن الشعب المصرى يتميز بالتوحيد السياسى وحب الوطن، بغض النظر عن اختلاف الأديان منذ التاريخ القديم.

 هل 25 يناير ثورة أم انتفاضة؟ وما مصطلح الثورة؟

25 يناير انتفاضة، فالمعنى العلمى للثورة، أى Revolution، هو التغيير الشامل أو الجذرى، إذ إن الكلمة مشتقة من جذر النبات، أما أن تبقى على النظام مع تغيير رأسه فقط، فهذا هو الإصلاح. الموضوع ليس مجرد اصطلاح لغوي، لكى نقول عن (25 يناير) ثورة، لأن الثورة فى المصطلح تعنى قيام مجموعة ما بالانقلاب على السلطة القائمة، ثم الجلوس فى مقاعد السلطة، والبدء فى إجراء تغييرات تتفق مع مبادئهم، فى هذا المنحنى تصبح ثورة، لكن ما حدث فى يناير أن الذين قاموا بمظاهرات لم يصلوا إلى السلطة، لكن استخدام الثورة هنا أصبح تعبيرًا لغويًا عن حالة النفور الشعبي.

 ماذا يعنى المخطط الأمريكى لإعادة هندسة المنطقة؟

هذا المخطط قديم جدًا، فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتى فى العام 1991 وتفكيكه، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية شعار النظام العالمى الجديد، وغرض هذا النظام أن يصبح العالم تحت السيطرة الأمريكية، عن طريق تغيير القيادات الوطنية فى مختلف بلدان العالم، واستبدالها بقيادات توافق على هذا المنحى الجديد، المشكلة كانت فى كيفية التنفيذ أو الحصول على وسيلة للتنفيذ. لكن المحاولة فشلت فى مصر، لأن الشعب المصرى يتميز بالتوحيد السياسى وحب الوطن بغض النظر عن اختلاف الأديان.

  كيف تقرأ أحداث يناير 2025؟

حكم مبارك أفضل من حكم الإخوان، وأحداث يناير كانت تعبر عن غضب المصريين من النظام القائم، وهو ما تجلى فى شعار الثورة “عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية”. المصرى كل ما يريده هو أن يضمن (لقمة العيش)، فنزول المصريين إلى الشارع كان لمطالب حقيقية فى البداية، لكن هناك من دخل فى المشهد واختطف الثورة، وهم جماعة الإخوان ومن معها كأداة أمريكية لتنفيذ مشروع تقسيم مصر، والذين رفعوا شعارات دينية.

 هل شكل جماعة الإخوان خطرًا على الهوية المصرية؟

لو استمر حكم الإخوان كانت ستنتهى مصر الدولة الواحدة على مدار التاريخ، لأنهم لو استمروا كان سيستمر العداء الطائفي.

 ما أسباب ثورة 30 يونيو فى رأيك؟

أكبر سبب لقيام ثورة 30 يونيو هو رغبة الإخوان فى أسلمة الحكم، بينما الحاكم المصرى لا بد أن يكون حاكمًا للجميع، فعبر الزمن محمد على رغم أنه غير مصرى كانت سياسته كلها لصالح المصريين، حينما أنشأ المدارس أنشأها للكل، فشعار مصر للمصريين كان شعارًا عمليًا، إنما الإخوان تكوينهم الفكرى ضد الوطن، وكان المسيحيون مستائين للغاية ضد حكم الإخوان.

 كيف كانت علاقة الرئيس المخلوع مرسى بإسرائيل ؟

الخلاف مع إسرائيل بالنسبة الإخوان خلاف دينى، وليس وطنيًا.

 لماذا اختارت الجماعة مرسى  للرئاسة وهو أضعف من بها؟

لكى تستطع التأثير فى قراراته، فتتخذ هى القرار وهو فقط يعلنه، لقد اختارته جماعة الإخوان من أجل ذلك، والتخلص من مرسى جاء من عامة المصريين، والرئيس السيسى تولى مسألة التعبير عن المصريين، وشعر برغبة المصريين، وتم إكراه مرسى للتنازل عن الحكم لأنه لا يصلح للحكم.

مشروع أخونة المؤسسات كان يهدف لسيطرة الإخوان فيبدو الأمر على أنهم أغلبية وديمقراطية، وهى غير ذلك تمامًا. والإخوان أنفسهم هم رجال أعمال، ويعبرون عن رأسمال يريد أن يحكم، وحينما يحكم رأس المال تسقط الأخلاق. وحينما سقط الإخوان تم الاستقواء ضد الوطن بعدد من الدول، وتم استضافة قيادات الإخوان فى عدد من الدول، بل عملوا فى مؤسسات العديد من الدولة.

 كمؤرخ.. ما أهم الوثائق التى تتمنى إتاحتها عن ثورة 30 يونيو؟

لا بد من إتاحة محاضر الاجتماعات والمذكرات التى تخص مشاريع الحكومة، لبيان اتجاهات الحكم، وتلخيص المناقشات فى البرلمان عبر الجماعة والأحزاب، وهذه وثائق مهمة للكشف عن توجهات تلك الجماعة.

 برلمان الجماعة شهد وقائع غريبة.. كيف رأيتها؟

كانت كلها محاولات لفرض فكر عديم الثقافة على مصر كلها، وتم مواجهة الآراء الحرة للأحزاب أو الأفراد، وتهديد العديد من الشخصيات، والناس اكتشفت أن عهد مبارك أفضل من عهد الإخوان، فحتى عهد مبارك كانت سياسات ثورة يوليو لا تزال قائمة.