مفكرون وكتاب: 30 يونيو إنطلاقة نحو إصلاح الثقافة

مفكرون وكتاب: 30 يونيو إنطلاقة نحو إصلاح الثقافة

تظل ثورة 30 يونيو من الأيام المهمة والخالدة فى تاريخ الشعب المصرى، وفى تاريخ الثفافة المصرية، التى عـــانت الكثيــر خلال حــكــم جـمـــاعــة الأخـــوان المسلمين، وكانت الثورة بمثابة طوق النجاة الذى حافظ بها الشعب المصرى عـلـــــى هـــويتـــه،

 تـــحــدثـنــا مع الكتاب والمثقفين عن رؤيتهــم لــثــورة 30 يــونيــو، كـلحظــة مـفصليــة وهــامة فى التاريخ المصرى، تجاوز فيها الوعى المصرى سنة سوداء من حكم الجماعة الإرهابية المتطرفة، التــى كـــانت تستهـــدف تــزييــف الــوعــى، ووتـدميـر الهـوية المصرية، كما تحدثنا معهم عن رؤيتهم للثقافة المصرية مــن بعــد ثــورة 30 يــونيــو، ومـا جـرى إنـجـازه ثقـافيـا طـــوال الــسنـــوات الــفــائتــة، ومــا يقتـــرحــــونــه لتعظيــم المشهد الثقافى الراهن، ومواجهة التحديات التى تواجه الثقافة فى مصر. فى السطور نقرأ تحليل المثقفين للماضى، ورؤيتهم للمستقبل وتصوراتهم عنه، بعدما اجتزنا عقبة تغلغل الإرهاب الذى أراد أن يحكم المصريين.

زيزيت سالم: تطوير البنية التحتية الثقافيـة يحمى هويتنا

تقول الروائية زيزيت سالم: إذا تلاشت الثقافة؛ فإن الحياة تفقد نكهتها ودلالتها، وإن تحركت؛ اتسمت حركتها بالقدرة على اقتحام كل ما يثير ويستفز العقل من أجل الإبتكار والإبداع، وما يستفز العقل هو إثارة التساؤلات حول ما يمكن تجديده وتحديثه على البنية التحتية للثقافة فى مصر، دون التعرض لأى نوع من التهميش أو الإقصاء، لاستشراف أفق مستقبلى، بإمكانه تقديم حلول للمعضلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، التى يتخبط فيها المواطن والمتلقى، وبغياب هذا الفكر التنويرى الواعى، فإن المشروع الثقافى سيبقى بلا جدوى، ولن يتمكن من التأثير فى مجريات التّحولات الاجتماعية والتاريخية والحضارية فى مصر.

ولتطوير ما تم إنجازه من بنى تحتية ثقافية منذ 30 يونيو وحتى الآن، والبناء عليه، تضيف: يمكننا الحديث عن الثقافة وفق رؤية مفعمة بالتفكير والتأمّل، وربما تكون مفعمة أيضا بالأمل، ولا تبشّر بالالتباس أو الخوف من المستقبل، إذا أخذنا فى الاعتبار عدة محاور أساسية منها: أولاً: ضرورة رقمنة التراث الثقافى المصرى، بما فى ذلك الكتب والمخطوطات والوثائق التاريخية، وتوفيرها عبر منصات رقمية لسهولة الوصول إليها واستخدامها. ثانيا: تدريب الكوادر الثقافية على استخدام التكنولوجيا الرقمية وتطبيقاتها فى مجالات العمل الثقافى، وتوفير مساحة لعرض الأعمال الفنية والإبداعية، لتسهيل التواصل بين الفنانين والجمهور، وتوفير برامج تدريبية متخصصة فى مجالات الإدارة الثقافية والتسويق الثقافى وريادة الأعمال الثقافية. ثالثا: تطوير قصور الثقافة ومراكز الشباب فى جميع أنحاء مصر، ورفع كفاءتها، وتحويلها إلى مراكز ثقافية جاذبة، ومجهزة بأحدث التقنيات لتنمية قيم الوطنية والانتماء، وبحث المعوقات التى تحول دون الانتهاء من المشاريع المعلقة، مع التركيز على توسيع دائرة الأنشطة لتصل إلى جميع فئات المجتمع، وتوفير مساحات لعقد الورش الفنية والندوات الثقافية، للتعبير عن الآراء والأفكار، وتشجيع الحوار المجتمعى لتشكيل وبناء عقول الشباب.

وتكمل زيزيت: يجب، رابعا، تطوير المتاحف والمعارض الفنية وتحديثها، بما يتماشى مع المعايير الدولية، وتوفير بيئة مشجعة لعرض الأعمال الفنية والإبداعية، لدعم الفنانين والموهوبين وتعزيز الوعى بالهوية الثقافية والتراث المصرى. وتطوير المكتبات العامة وتحديثها، وتوفير الكتب والمصادر الحديثة، وتشجيع القراءة لدى جميع فئات المجتمع، للتصدى للأفكار الهدامة ورفع مستوى الوعى للمتلقى.  وتمكين المبدعين والفنانين من خلال توفير فرص عمل، ودعم مشاريعهم الإبداعية، وتشجيعهم على المشاركة فى الأنشطة الثقافية المختلفة.

وتختتم زيزيت قائلة: تطوير البنية التحتية الثقافية بمحاورها السابقة سيؤدى إلى حماية الهوية المصرية، وتوثيق التراث الثقافى، ودعم الصناعات الإبداعية، وتطوير برامج القطاعات والهيئات من خلال الاهتمام بالجودة، وتقديم فعاليات حقيقية قابلة للتنفيذ، لها القدرة على الاستمرارية والاستدامة، بما يخدم خطط الوزارة الهادفة بالأساس إلى بناء الإنسان ورفع الوعى، ووضع تصور كامل لإنهاء المشكلات العالقة، ومن بينها أزمة رقم الإيداع، والمنشآت المغلقة بسبب إجراءات الحماية المدنية، وتفعيل عمل المكتبات والمسارح المتنقلة، واستحداث هوية بصرية موحدة لقطاعات الوزارة، وسرعة الانتهاء من المشروعات القائمة، والتى تم إنجاز أكثر من 70% من مراحلها ولم تكتمل حتى الآن، وتشمل على سبيل المثال وليس الحصر، مستشفى أكاديمية الفنون، واحة الثقافة فى 6 أكتوبر، وكذلك عدد من المواقع الثقافية فى المحافظات.

محمد رفيع: أنقذت مصر سياسيا وثقـافيـاً

قال الروائى والسيناريست محمد رفيع: لا شك أن ثورة 30 يونيو أنقذت مصر على مستويات عدة، وبالطبع على المستوى السياسى، لكنها أيضا أنقذتنا على المستوى الثقافى، حيث إن حكم الإخوان كان يريد أن يقلص الثقافة فى مصر، وأن يغلق معهد الباليه ويغير من هوية مصر الثقافية، غير أننا بعد هذه السنوات للتخلص من هذا الحكم علينا عبء كبير فى إعادة هيكلة الثقافة المصرية، لتتواكب مع متطلبات العصر، فالثقافة ليست القراءة والأدب والفن، وإنما السلوك الحضارى والوعى الذاتى بمتطلبات العصر الجديد، فالثقافة تشكل وعى المواطن بنفسه ومتطلباته وبمسؤوليته الاجتماعية، فنحن لا نريد ثقافة موجهة فقط للمثقفين، لكن ثقافة تعلم المواطن كيف يكون متحضرا، وتعلم الطفل كيف يتعاطى مع متطلبات العصر، ويجنى منافعها، ويترك أى ضرر قد يأتى منها، وهذا التغير فى مفهوم الثقافة يستتبعه إعادة هيكلة كاملة لمفهومنا للثقافة، وإعادة هيكلة للأدوات والتقنيات والاستراتيجيات التى نعمل بها منذ سنوات، فهذا عصر الذكاء الاصطناعى، ويتطلب منا أن نواكب متطلباته، وإلا خرجنا من التاريخ. النقطة الثانية التى أريد أن أطرحها أن تراث مصر الثقافى كبير على مستويات عدة، لكنه حتى الآن ليس مستغلا الاستغلال الأمثل.

ويضيف: المثقف اليوم ليس كاتبًا محايدًا، بل مطالب بأن يستعيد موقعه داخل المعادلة الوطنية، كمحرّك للوعى لا كأرشيفى للحدث. يقترح الكتّاب أن تُعاد صياغة العلاقة بين المثقف والدولة على أسس من الندية والاحترام المتبادل، لا الاستتباع أو الاستبعاد. وننبه هنا إلى مركزية القرار الثقافى وتبعيتها للبيروقراطية السياسية. ويجب تأسيس صناديق تمويل مستقلة، تشارك فيها الدولة والقطاع الخاص، لدعم المبادرات الثقافية دون وصاية، مع ضمان الشفافية والمساءلة.

ويشير رفيع إلى ضرورة أن تواكب الرموز البصرية (كالجداريات، والعمارة، والفن العام) اللحظة الحضارية، بدلاً من استنساخ رموز قديمة. فالثقافة البصرية تصنع خيال الأمة، ولابد أن تعكس تنوعها وعمقها. وقال: الخطاب الإعلامى عن الثقافة يعانى من الجمود والتكرار. ويجب دعم منصات إعلامية متخصصة بالتحليل الثقافى الرصين، تُدار بعقول نقدية شابة، وتُوجَّه لجمهور واسع لا نخبة منعزلة. وأخيرًا، أدعو إلى تشكيل ائتلاف ثقافى من الكتاب، والفنانين، والمبدعين، يعيد الثقة بالمجال العام، ويطرح رؤية حضارية للمستقبل، بعيدًا عن صخب الشعارات.

صالح الغازى: مصر كانت مختطفة وعادت

الروائى صالح الغازى، يقول: ما قبل ٣٠ يونية كانت أيام قاسية، كأن مصر كانت مختطفة وعادت لمكانتها فى هذا اليوم الحاسم، عشنا بعدها نموا واضحا وتغيرات كثيرة، وتنمية فى الطرق والمواصلات ومضاعفة الرقعة الزراعية وغيرها. بالإضافة للأمن والاستقرار. وكلها أمور تم تجاوزها بوعى الانسان المصرى. الدور الثقافى المصرى دور مؤثر، فحينما نظمت الادارة حدثا ثقافيا مصريا نجح نجاحا باهرا، ولفت الأنظار، مثلا الاحتفال بموكب نقل المومياوات، أو بزيارة الرئيس الفرنسى لخان الخليلى، هذان الحدثان كانا حديث العالم كله عن مصر، بإعزاز وتقدير. ليس لأن الحدث متعلق بحرب أو اعتداء أو مباراة. إنما بقيمة ومكانة ثقافية، وأعتقد أن القوى الناعمة فى مصر فى آثارها وفى مبدعيها أيضا، فالعبقرية فى الإنسان والمكان معا.

ويكمل: مصر بلد راقية، وغير عنصرية فى تكوينها، وتحتضن المبدع والمثقف وصاحب الفكر من كل مكان، وشهدت التعايش مع كل الحضارات والأديان والأجناس، لذلك فالثقافة المصرية المعاصرة، والمشهد الثقافى المصرى يحتاج منظومة وفكرا إداريا يستوعبه.. أتمنى فى الجمهورية الجديدة أن تهتم الإدارة الثقافية بعمل منظومة تأمين صحى ومعاشات للكتاب فى المقام الأول، كى لا يتسرب المبدعون والكتاب. وأتمنى التعاون مع وزارة الخارجية من خلال الملحقيات الثقافية والسفارات خارج مصر، لتقدم أبناء مصر من الأدباء الشعراء والروائيين والمبدعين للثقافات الأخرى، فهذا أمر شديد الأهمية، ونلاحظ أن دولا كثيرة تقوم بذلك، وتقدم باستمرار الكتب واللقاءات من خلال سفارتها ومراكزها الثقافية، لدرجة أنها تؤثر على الدول الأخرى من خلالهم، وقد تعرفنا على أغلب الكتاب المؤثرين من ثقافات أخرى من خلال سفاراتهم وملحقياتهم الثقافية، وهذا دور مهم ومطلوب فى المشهد الثقافى.

ويختتم الغازى حديثه بقوله: أتمنى أن تقوم وزارة الثقافة برعاية واستضافة مبدعيها المقيمين بالخارج، ليشاركوا فى المشهد الثقافى فى الداخل، والتعريف بهم وعدم إقصائهم عن المشهد، كما أتمنى أن أجد فى كل مكان فى مصر منافذ توزيع للكتاب، فإتاحة الكتاب شىء مهم، ويلزمه دعم من الدولة، لأن المنافذ شحيحة الآن، وتخضع لعملية تجارية تفسد توفر الثقافة للناس، وتفسد تواجد المثقف الحقيقى ،كما أتمنى أن تشجع الإدارة الثقافية وتدعم إنشاء مجمع مطابع مصرى، ففى مصر مهنيين فى الطباعة، وقدرات كبيرة، ويمكن لمصر أن تطبع لكل المنطقة بأسعار منافسة، ليكون مشروعا اقتصاديا ثقافيا هائلا، وأتمنى إنشاء استوديوهات تسجيل الكتب الصوتية، فلدينا قدرات إعلامية هائلة من أصوات مميزة وفنيين، كما أتمنى زيادة برامج وندوات تظهر وتحتفى وتتسع للمبدع والباحث، وتصل للإنسان العادى.

فريد عبد العظيم: ثورة شعبية بامتياز

يقول الروائى فريد عبد العظيم: فى البدء، وجب التأكيد أن الثلاثين من يونيو ثورة شعبية بامتياز، شارك فيها أغلب أطياف الشعب المصرى، ومن ضمنهم بالطبع المثقفون. أى مثقف حقيقى كان رافضًا – وبشدة – لحكم الإخوان المسلمين. لا أنسى حتى اليوم عندما احتلّت صورة خيرت الشاطر غلاف مجلة “أخبار الأدب”، ترك ذلك غصة فى حلقى. فصيل استغل الدين ليختطف الوطن. أثمن جهود المثقفين حينها فى مواجهة الإخوان المسلمين. أتذكر اعتصام المثقفين فى مقر وزارة الثقافة، وآلاف مقالات الرأى المعترضة على “أخونة الدولة” للثقافة. سعدت، كما جموع الشعب المصرى، لانتهاء حكم الإخوان المسلمين بلا رجعة. تراجعت الثقافة المصرية خلال حقبة الإخوان المسلمين؛ دور مصر الريادى خفت، وانشغل المثقفون بمحاربة الفكر الإخوانى، فابتعدوا مرغمين عن دورهم التنويرى. التضييق، والتهم الجاهزة بالكفر والعمالة، كانا الفزّاعة الجاهزة دائمًا.

ويضيف: بالتأكيد، لا نعيش حاليًا عصرنا الذهبى ثقافيًا، ولذلك عوامل كثيرة يطول شرحها، لكن الدولة تحاول بناء بنية تحتية ثقافية. الثقافة ليست ترفًا، بل عنصرًا هامًا فى بناء الهوية الوطنية. الثقافة تواجه التطرف، وتحصّن المجتمع منه. التعليم والثقافة هما خط الدفاع الأول ضد أى محاولة لاختطاف الوطن. هناك جهود تُبذلها وزارة الثقافة، متمثلة فى أنشطة هيئة قصور الثقافة، والإصدارات الفكرية والأدبية التى تحاول الهيئة العامة للكتاب، والمجلس القومى للترجمة، تقديمها بأسعار مناسبة للمواطن. بالطبع، لتحقيق إنجاز ثقافى على أرض الواقع، يلزمك بنية تحتية قوية. أظن أن الدولة المصرية تمتلك خططًا طموحة لتطوير المؤسسات الثقافية القائمة، بالإضافة إلى تدشين كيانات ثقافية جديدة ومتطورة. رأيت ذلك عندما تم افتتاح المتحف القومى للحضارة بالفسطاط، هذا الصرح الضخم الذى يبرز الدور الحضارى لمصر عبر التاريخ، بالإضافة إلى اكتمال التجهيزات لافتتاح المتحف المصرى الكبير، الذى سنفخر بأنه سيكون واحدًا من أكبر المتاحف الأثرية فى العالم، وكذلك افتتاح دار الأوبرا الجديدة بالعاصمة الإدارية.

ويختتم عبدالعظيم قائلا: دعم الثقافة ليس ترفًا. الأدب والفنون كافة تساعد فى تشكيل الوعى. لا مستقبل لشعب يحتقر الثقافة. قوة مصر الناعمة مهمة للغاية، ولا يمكن تجاهلها. مصر بلد عظيم بعلمائها ومثقفيها وفنانيها، ولمصر دور تاريخى لا أحد يستطيع إنكاره أو تجاوزه. كنا، وما زلنا، وسنستمر منارة ثقافية للعالم العربى.