الثورة في عالم الكتب

الثورة في عالم الكتب

تحكى تفاصيل مواجهة المصريين والجيش للجماعة الإرهابية

الكتب التى كتبها شهود العيان، وتتناول ثورة 30 يونيو وأحداثها، وخباياها؛ مقدماتها، وتفاعلاتها، تمثل توثيقا تاريخيا للثورة يستند إلى الموضوعية ورصد الحقائق، حتى تكون مرجعية للأجيال القادمة، التى لم تعش هذه الفترة الصعبة التى مرت بها البلاد، ولم تعايشها، وهنا نتحدث عن أهم الكتب التى وثقت حياة المصريين فى تلك الفترة الهامة من تاريخ مصر، حين انحاز الجيش لرغبة المصريين، وسقط حكم الإخوان، بعد فشل محاولات الجماعة الإرهابية فى مشروع التمكين، والوصول إلى رأس كل مؤسسات الدولة.. إنها كتب وثقت ورصدت أياما عصيبة، انتهت إلى استعادة مصر للمصريين، استعادة الوطن والهوية، مقدمة كل التفاصيل الممكنة، لتكون شاهدا على التاريخ، وعلى وقوف المصريين – شعبا وجيشا – فى وجه من حاولوا اختطاف هذا البلد، ليكون ملكا للأهل والعشيرة، وإعادته الثورة مرة أخرى وطنا لكل أبنائه.

ياسر رزق يقرأ «سنوات الخماسين»

شهد يوم 3 يوليو 2013 إعلان بيان القوات المسلحة المعروف باسم بيان 3 يوليو، الذى انتظرته جموع الشعب المصرى فى الشوارع والبيوت، والذى كان من نتائجه الإطاحة بجماعة الإخوان، وكان الكاتب الصحفى الكبير الراحل ياسر رزق، رئيس التحرير الأسبق لمجلة “الإذاعة والتليفزيون”، قد احتفل قبل وفاته بعدة أيام بصدور كتابه «سنوات الخماسين.. بين يناير الغضب ويونيو الخلاص» فى حفل توقيع ومناقشة بالمسرح الصغير بدار الأوبرا، والذى وثق لأحداث ثورة 25 يناير 2011 وحتى ثورة 30 يونيو 2013. ويتناول الكتاب فى فصوله المتعددة أخطر مرحلة تاريخية مرت بها مصر، ويعرض وقائع عاشها الكاتب وخبايا مواقف شاهدها، وأبعاد تحولات عاينها رأى العين، ويقص جوانبها من صناعها وأبطالها الذين لا يزال أغلبهم حاضرين،

وقدم رزق إهداء إلى الشعب المصرى وقال: إلى شعب عظيم لا يرضخ لظلم، ولا ينحنى لعاصفة، ولا يركع إلا لرب العباد”، كما وجه الإهداء إلى الأجيال، وقال: إلى أجيال آتية هذه ملامح من قصة آبائكم فى زمن عصيب، ولمحات من حكاية وطنكم فى حقبة فاصلة، عساها تنير لكم طريقاً، وتُعبد دربا، وأنتم تشيدون مجداً جديداً، معطراً بعظمة تاريخ.

ويقول رزق فى مقدمة الكتاب، تحت عنوان “قبل أن أبدأ”: هذه ليست محاولة لكتابة تاريخ، إنما محاولة لقراءة حاضر، علنا نهتدى بها عند مفارق طرق قد تقابلنا فى المستقبل. فلا يمكنك أن تؤرخ لأحداث ماض قريب، بينما هى تنبض وتتحرك وتتفاعل، أو هى مازالت تدمى وتوجع وتؤثر، لكن يمكنك أن ترصد مجريات أمور تترى، بعدما تتقصى مسبباتها وتفتش عن جذورها. ليس هذا أوان التاريخ لما جرى فى مصر فى العقد الثانى من الألفية الجديدة، الذى اعتبره -وهذا رأيى- أكثر الحقبات صعوبة وتقلبات، وأشدها جزراً ومدا فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر. ربما يحين الأوان عندما تكتمل كل مكونات “البازل” المصرى فى ذلك المنعطف غير المسبوق أمام من يتصدى لمسئولية التاريخ.

30 يونيو وتأثيرها على التوازنات الاستراتيجية

تأثير ثورة 30 يونيو فى الشأن الداخلى وتأثيرها خارجيا؛ هو ما يكشفه كتاب “ثورة 30 يونيو وتأثيرها على المعادلات والتوازنات الاستراتيجية ودور مصر” تأليف اللواء مصطفى كـــــامل محمـــد، ويتناول أبرز التحولات والــمعــادلات والتـــوازنـات الاستراتيجية للثورة، خاصة فى ظل ما شهده العالم منذ منتصف القرن العشرين حتى الآن من متغيرات عالمية اتسمت بسرعة وكثافة وتراكم تفاعلاتها، كان أبرزها تلك التى أدت إلى تغيير النظام الدولى ثنائى القطبية، بعد تفكك الاتحاد السوفيتى وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالنفوذ على الساحة الدولية، كما تعد الأزمة المالية التى تعرض لها العالم من أبرز هذه المتغيرات، وقد زاد من حدتها أنها حدثت فى ظل هيمنة قوة وحيدة، وفى ظل العولمة واتفاقيات التجارة الحرة وظاهرة التنافس الدولى الاستراتيجى.

ويؤكد الكتاب أن ثوره 30 يونيو “جاءت فى حشد سلمى لم تشهده البشرية من قبل، لتضع الرؤية الاستراتيجية الــعلميــة والعمليــة لإعــداد مشروع قومى يلتف حوله العموم، وتعمل على إحداث التماسك المجتمعى، لإحداث الاستقرار الأمنى والسياسى، وتأسيس دولة ديمقراطية عصرية، قادرة على إحداث التنمية الشاملة الحقيقية لجميع مقدراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن صيانة أمنها القومى، وتعظيم إدراك ووعى المصريين بأنهم المسؤولون وحدهم عن ارتقاء وطنهم، وأن عليهم وحدهم صيانة سيادته وسلامة أراضيه فى هذه الفترة الحرجة من تاريخ بلدهم”.

نبيل فهمى «فى قلب الأحداث»

يكشف كتاب وزير الخارجية الأسبق نبيل فهمى أسرار ما قبل ثورة 25 يناير 2011 وصولًا إلى 30 يونيو 2013، وانضمامه إلى الحكومة المصرية وزيــرًا للخــارجيــة، مسـاهمًا فى التصدى للـتحــديات الـتــى تواجه مصر فى الداخل، وحمـــاية استقــلالية القــرار السيادى فى المجال الخارجى.

تولى فهمى الخارجية المصرية فى أصعب وأعقد الأوقات التى تعيشها مصر، وذلك بعد إسقاط جماعة الإخوان بثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، والتى سقط معها محمد مرسى وجماعته، التى أنهت انتهـــازيتها الــواضحة تـــاريخ مـظــلــوميتهــا الممتد لعقود طويلة، والذى كانوا به يتسولون عطف الشعب المصرى.

وفـــى سيــــرة فهـمـى الذى جاءت بعنوان “فى قلب الأحداث.. الدبلوماسية المصـــرية فــى الــحــرب والسلام وسنوات التغيير”، يروى ذكرياته عن يوم 3 يوليو، الذى شهد إلقاء بيان القوات المسلحة، ويحكى قصة تشكيل الحكومة المكلفة عقب البيان، وانضمامه إليها، ويحكى المشهد كاملا فى أعقاب ثورة 30 يونيو، وكيف كانت الأمور تدار لتشكيل حكومة الدكتور حازم الببلاوى، وقبوله حقيبة وزارة الخارجية.

بكرى يصف «الطريق لاستعادة الدولة»

فى كتابه «ثورة 30 يونيو – الطريق إلى استعادة الدولة”، يصف الكاتب الصحفى مصطفى بكرى حال المصريين قائلا:» كان كل شىء يمضى إلى النهاية، حلم الاستقرار تبدد، الخوف يعم النفوس، الإخوان والجماعات يفرضون سطوتهم فى كل مكان، يشعر المصريون بالغربة والاغتراب، الوجوه مكتئبة، الابتسامة غائبة، حتى السخرية التى تميز بها المصرى، لم تعُد تصلح أمام هول الأحداث..كان الكثيرون يشعرون بنهاية التاريخ، لكننى كنت على يقين من أن الشمس حتمًا ستشرق من جديد، وأن هذا الظلام سيتبدد، وأن حكم الإخوان إلى مزبلة التاريخ.

ويضيف: مضيت فى شوارع القاهرة القديمة، كأننى أنعش الذاكرة بتاريخ الوطن، كانتِ الساعة قد بلغتِ العاشرة من مساء الخميس العشرين من يونيو 2013، وكنت أسأل نفسي: متى تقترب اللحظة؟ وكيف ستكون مصر فى الثلاثين من يونيو؟ كانت أجواء القاهرة والمحافظات الأخرى تنذر بالعاصفة الكبرى، وكانت كل السيناريوهات مطروحة. كانتِ المعارك تندلع فى كل مكان، شهيد فى الفيوم، وآخر فى المحلة الكبرى، وإحراق لمحلات فى مركز فوه بكفر الشيخ، ومشاكل فى المحلة والمنصورة والقاهرة والعديد من المحافظات الأخرى، طارق الزمر يعلن من مليونية رابعة العدوية أن مَن سيخرجون فى الثلاثين من يونيو سيُسحقون جميعًا، عاصم عبد الماجد يحدثنا عن رؤوس أينعت وحان قطافها، أما محمد مرسى فقد أعلن فى حديث لأخبار اليوم يوم السبت 22 يونيو 2013 «أنه لن يمر وقت طويل حتى يكشف عن حقائق جديدة تتعلَّق بما أسماه بالمؤامرات التى تحاك ضد مصر».

بكرى له كتاب آخر هام بعنوان “الطريق إلى ٣ يوليو.. لماذا انتصر الجيش لإرادة الشعب؟”، يضم ٢٣ فصلاً ويمتد على ٥٥٠ صفحة. يتناول فيه أسباب ثورة ٣٠ يونيو من النواحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ويكشف دور الفئات الشعبية والقوى الطليعية فى مواجهة حكم الجماعة الإرهابية، وإجهاض مخطط أخونة الدولة وطمس هوية الدولة، ويحتوى على تفاصيل الساعات الحاسمة التى دفعت الجيش، بقيادة القائد العام، إلى حسم الأمر ودعوة القوى الوطنية لوضع خارطة المستقبل، بعد رفض الرئيس المعزول الاستجابة لمطالب الشعب المصرى. كما يتضمن الكتاب معلومات وأسرار هامة حول المخطط الإخوانى، ودور القوى الإقليمية والدولية فى الأحداث التى شهدتها مصر خلال فترة حكم الإخوان، وكيف استطاع الجيش ومؤسسات الدولة إجهاض هذه المخططات التى استهدفت تمزيق الكيان الوطنى ودعم الجماعات الإرهابية تمهيدًا لإعلان ولاية سيناء الإسلامية.

وفى كتابه “سقوط الإخوان”، رصد بكرى تفاصيل مواقف ولقاءات ونقاشات جرت فى إطار خاص أو داخل غرف مغلقة بين أطراف وأطياف المشهد السياسى المصرى خلال عام من حكم جماعة الإخوان المسلمين، أدت بالنهاية إلى انفجار ثورته فى 30 يونيو 2013، وتطرق الكتاب إلى المشروع الأمريكى بداية من الفوضى الخلاقة لإدارة جورج بوش الابن ومشروع الشرق الأوسط الجديد لإدارة أوباما، وانتهاء بشروع الجماعة الإخوانية عقب وصولها إلى الحكم فى تنفيذ خطة جيوروا آيلاند ـ مستشار الأمن القومى الإسرائيلى ـ القاضية بإقامة دولة غزة الكبرى بمساحة 720 كليو مترا تبدأ من الحدود المصرية مع غزة حتى حدود مدينة العريش عند قرية الريسة المصرية وبعمق 30 كيلو مترا.

محمد الباز و«100 حكاية من قلب الثورة»

من بين الكتب التى تناولت ثورة الثلاثين من يونيو، ما رصده الإعلامى والكاتب الصحفى د محمد الباز، رئيس مجلسى إدارة وتحرير جريدة “الدستور” فى كتابه “شفرة 30 يونيو.. 100 حكاية من قلب الثورة على الجماعة الإرهابية”، إذ يقدم أسرار تحركات الجماعة الإرهابية فى اعتصام الاتحادية، ومحاولتها سرقة شهداء الاتحادية، وتوابع أمر الرئيس الراحل محمد مرسى بفض الاعتصام “حتى لو قتلوا كل المعتصمين”.

ويكشف الكتاب تفاصيل قرار حصار المحكمة الدستورية الذى صدر من مكتب الإرشاد، ونفذه صفوت حجازى بالتنسيق مع مرسى، كما يكشف خطة الإخوان لحرق المحكمة الدستورية، وتدخل الجيش الذى أفسد خطتهم فى اللحظة الأخيرة. ويروى الكتاب قصة “القرار 75 لسنة 2012″، حين أفرج مرسى عن القتلة والمزورين ومحترفى غسل الأموال، كما حصل قاتل فرج فودة على حريته بقرار رئاسى، ويتناول الكتاب قصة منح الإخوان صك البراءة للشتّام الكبير وجدى غنيم. ومن الحكايات التى يرويها، أيضًا، فى كتابه قصة دخول تنظيم الإخوان العسكرى فى الأزهر إلى قصر الرئاسة.

روايات 30 يونيو

لم تكن الثورة بعيدا عن خيال المبدعين، فرغم إن الرواية فن خيالى بالأساس، لكنها لا تخلو من جانب تاريخى وتوثيق، وإن كان مشفوعا ببنية خيالية، وقد ألهمت 30 يونيو كثيرا من المبدعين الذين اتخذوا تلك الأيام موضوعا لأعمالهم الروائية، ومن الروايات التى تناولت تلك الحقبة المهمة من تاريخ الوطن، رواية “عشرة طاولة” للروائى محمد الشاذلى، صدرت عن الدار المصرية اللبنانية فى ديسمبر 2014، وتوثق لمرحلة مهمة من تاريخ مصر المعاصر، من خلال لعبة الطاولة، حيث تدور الأحداث فى الفترة التى تلت ثورة 25 يناير 2011، وسبقت ثورة 30 يونيو 2013، من خلال الراوى “رجائى متولى” موظف الضرائب البارع فى اللعبة.

وللكاتب هانى دعبس، العمل الأدبى الأول “الحب فى زمن الثورة”، الذى يؤرخ ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وتسرد الرواية الأحداث التى شهدتها ميادين مصر الثائرة طوال 3 سنوات، فى قالب سياسى اجتماعى، يتناول المشاكل التى تُحاصر المجتمع، ويكشف جرائم الإخوان فى حق مصر، وكفاح المصريين فى سبيل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

صدرت فى يوليو عام 2018 عن دار بدائل للنشر، رواية “سطر مسلح”، للكاتب الصحفى محمود الشناوى، وتتناول ثورة الثلاثين من يونيو ودورها فى إنقاذ مصر من براثن حكم جماعة الإخوان الإرهابية، تتألف الرواية- التى تعد العمل الأدبى الأول للكاتب- من 281 صفحة من القطع المتوسط، وتضم 21 بابا، أولها “باب الخروج”، وآخرها “باب الفرج”، وتتضمن رصدا لأحداث سياسية كبرى شهدتها البلاد فى السنوات القليلة الماضية، ربما كان أبرزها -كما يقول الكاتب- مجريات ثورة 30 يونيو، التى وضعت حدا لمخططات وتحالفات الإخوان للذهاب بالوطن بعيدا عن مساره الحضارى والتاريخى.

رشا عدلى: نقطة تحوّل فى المشهد السياسى والاجتماعى

تقول الروائية رشا عدلي: مثّلت لحظة ٣٠ يونيو نقطة تحوّل فى المشهد السياسى والاجتماعى فى مصر، وامتدت تداعياتها بطبيعة الحال إلى المجال الثقافى، سواء على مستوى البنية التحتية المادية أو السياسات الثقافية. لكن السؤال الأهم كان ولا يزال: ماذا تحقق فعليًا؟ وما الذى كان له أثر ملموس فى تجديد البنية الثقافية بعد هذه اللحظة المفصلية؟

وتضيف: أول ما يمكن رصده هو التوسّع فى ترميم وإنشاء المنشآت الثقافية، فقد شهدت مصر خلال العقد التالى لـ٣٠ يونيو مشاريع لإعادة تأهيل قصور الثقافة، وتطوير عدد من المسارح والمكتبات، والمنشآت التى كانت مغلقة أو مهملة. هذا الترميم كان له أثر فى استعادة بعض الأنشطة الفنية إلى المحافظات، بعد سنوات من المركزية القاهرة-الإسكندرية، كما ظهرت مبادرات لخلق مساحات ثقافية مستقلة، سواء من خلال شراكات مع المجتمع المدنى، أو بدعم جزئى من وزارة الثقاقة والمؤسسات الثقافية، بعض تلك المساحات أتاحت لفنانين شباب فرصة للتعبير خارج القنوات الرسمية، ولو بحدود. كذلك كان من اللافت زيادة الدعم النسبى للمهرجانات، مثل مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، ومهرجان الموسيقى العربية، مع محاولة لإعادة حضور مصر كقوة ثقافية إقليمية، رغم التحديات الكبيرة فى الإنتاج والتوزيع.

وتكمل: لكنّ التغيير الأكثر تأثيرًا، وربما الأكثر إثارة للجدل، كان فى الخطاب الثقافى الرسمى نفسه. فبعد ٣٠ يونيو، اتجهت الدولة إلى استعادة دورها كراعٍ للثقافة الوطنية، عبر خطاب يؤكد على “استعادة الهوية المصرية” و”مكافحة التطرف بالفن والثقافة”. هذا التوجه أعاد للسطح رموزًا كلاسيكية من التراث المصرى، لكنه أيضًا همّش أحيانًا الأصوات النقدية أو التجريبية التى لا تنسجم مع هذا التصور المحافظ للهوية. ورغم أن النية المُعلنة كانت تجديد الخطاب الثقافى، فإن هناك فجوة مستمرة بين السياسات من أعلى، والواقع الثقافى الحيّ من أسفل. لم يصاحب هذا الاهتمام بالبنية التحتية إصلاحٌ حقيقى فى المنظومة التعليمية والثقافية، التى تُمكّن المواطن من أن يكون شريكًا فاعلًا فى الإنتاج الثقافى، لا مجرد متلقٍ.

وتختتم عدلى حديثها بقولها: ما تحقق بعد ٣٠ يونيو من تطوير للبنية التحتية هو خطوة أولى مهمة، لكن أثرها سيكون محدودًا، ما لم تترافق مع سياسات تشاركية، ومنصات حوار، وحرية تعبير حقيقية، تُعيد للثقافة دورها بوصفها مسارًا للفهم العميق والاختلاف الخلّاق، لا مجرد أداة لمواجهة الأزمات. فى النهاية، ما زال الطريق طويلاً، لكن يمكن القول إن اللحظة التى أعقبت ٣٠ يونيو فتحت نافذة، ولو جزئيًا، للعودة إلى سؤال: كيف نبنى مشهدًا ثقافيًا معاصرًا يعكس تنوّع مصر ويستجيب لتحوّلاتها؟

حاتم رضوان:

الثقافة العدو اللدود للجماعات الإرهابية

يقول الكاتب والروائى حاتم رضوان: الثقافة بلغة الطب هى اللقاح الواقى ضد أمراض الجهل والإرهاب والفكر المتطرف، وعلاج ناجع عند انتشارها، وبدا المشهد واضحا قبل ٣٠ يونيو، كيف تغلغل الإخوان فى القرى قبل المدن، ليكسبوا بعضا من التعاطف، ومساحة لا بأس بها على أرض الواقع، الخطأ الذى يجب ألا نقع فيه، وأن نترك أطفالنا وشبابنا فريسة، لشرذمة تريد بث أفكارها المنحرفة بينهم، يجب أن ندرك جيدا أن الثقافة هى حائط الصد الأول، والعدو اللدود للجماعات الإرهابية، التى تريد عقولا فارغة، جاهزة لما يودون غرسه فيها، وأن ما ينفق على بنيتها التحتية – رغم ما نمر به من صعوبات اقتصادية – لن يذهب سدى، وإن كثُر، لأن الثقافة هى استثمار فى المستقبل.

ويضيف: علينا ترتيب أوراقنا وعمل استراتيجية آنية ومستقبلية لخلق وعى ثقافى، يصل لكل مواطن فى كل مكان، ووضع أولويات قابلة للتنفيذ، تشمل تجديد وتطوير المتاح حاليا من البنية التحتية من مسارح ودور سينما ومتاحف أثرية ومتخصصة، ومعارض فنية ومكتبات عامة وقاعات متعددة الأغراض، ومزارات تاريخية، وإحياء قصور الثقافة المهملة بدلا من إغلاقها، وتيسير وصول الفعاليات والبرامج الثقافية للمواطنين، وتوفير بيئة ملائمة للإبداع والابتكار، من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة للفنانين والمبدعين، وإنشاء مواقع إلكترونية تفاعلية، وخدمات ثقافية عن بعد عبر الإنترنت. ويحضرنى فى هذا السياق اقتراح لأحد الأصدقاء الضالعين فى العمل الثقافى مفاده توقيع بروتوكول تعاون بين وزارتى الثقافة والشباب والرياضة للاستفادة من وجود ٤٥٠٠ مركز للشباب، موزعة على جميع أنحاء الدولة، لتصبح منارات ثقافية تقدم مختلف الأنشطة الثقافية من مسرح وسينما وموسيقى وغناء ومعارض فنية وندوات عامة، إضافة إلى إنشاء مكتبات بها، وهو اقتراح لن يكلف الدولة إلا القليل.

ويستطرد رضوان قائلا: هناك رافد آخر مهم من أجل تكوين بنية تحتية قوية ومتكاملة، هو الحفاظ على تراثنا الثقافى والتاريخى عبر العصور، من ترميم للمبانى الأثرية، أو التى لها أهمية معمارية بدلا من هدمها، وتطوير المتاحف الموجودة حاليا، وإدخال وسائل عرض حديثة وجذابة، تستفيد من التكنولوجيا الحديثة، من إضاءة وشاشات عرض تفاعلية تشرح للزوار معلومات مفصلة عن القطع المعروضة، والتوسع فى إنشاء متاحف جديدة مختلفة، والمتحف المصرى الكبير خير مثال على ذلك، وكذلك يجب إحياء تراثنا الشعبى من موسيقى وغناء ورقص وفنون أخرى تميز كل منطقة أو محافظة من الاندثار لأجيالنا القادمة، مما يسهم فى ترسيخ هويتنا الثقافية.

ويختتم رضوان حديثه قائلا: كل خطوة نتخذها فى هذا الاتجاه هى خطوة نحو المستقبل، خاصة فى عالمنا وعصرنا الحالى، المفتوح أمام أبنائنا وبناتنا على فضاء وسائل التواصل الاجتماعى واليوتيوب، وما يمكن أن تيثه من أفكار مستوردة لا تلائم مجتمعاتنا من عادات وتقاليد، وتعاليم دينية، وأشدد على أن الوعى الثقافى وما يحتاجه من متطلبات ليس مسئولية وزارة الثقافة بمفردها، لكنه مسئولية مركبة ومشتركة بين وزارات وهيئات عديدة، كما أنها مسئولية المثقفين على تنوعهم، ورجال الدين والتعليم والأعمال وغيرهم.