في الوثائق المفرج عنها: المسؤولون الأمريكيون يخفون كراهيتهم لإسرائيل بينما يدعمونها علنًا!

يلعن ساسة أمريكا وأوروبا – فيما بينهم وبين أنفسهم – إسرائيل وحكامها ، وفى العلن يؤيدونها ويباركون عدوانها بحجة دفاعها عن النفس .. !
والأمثلة على الكراهية والضيق والتبرم بالساسة والسياسة الإسرائيلية كثيرة ، تكشف عنها الشرائط المسجلة التى تحكي أحيانا عن الصدفة البحتة التى ترفع الغطاء عما يعتمل فى النفوس ، وما تنطوي عليه القلوب ، فقد كشف تفريغ شرائط أرشيف مكتبة الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون أن اضطهاد اليهود فى الاتحاد السوفييتي ( روسيا الآن ) كان مجرد ذريعة شكلية لإقرار تعديل الكونجرس حول حظر منح الاتحاد السوفييتي أفضلية الدولة الأولى بالرعاية ، حتى أن كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق قال للرئيس نيكسون – طبقا للشرائط السرية التى تم الكشف عنها – :
” إن هجرة اليهود السوفييت ليست من أهداف السياسة الخارجية الأمريكية ، حتي إذا أودعوا كل اليهود السوفييت فى غرف الغاز ، فلن يكون ذلك مشكلة إنسانية ” .
وشارك الرئيس وزير خارجيته هذا الرأي وصارحه بأنه يتفق مع مثل هذا التقدير ، مؤكدا أن الولايات المتحدة لن تستطيع تدمير كل العالم من أجل اليهود السوفييت – وأضاف الرئيس الأمريكي نيكسون :
” إن هذا الشعب – اليهودي – شعب فظ عدواني كريه وسمج ” .
هذه هي المشاعر الحقيقية للرئيس الأمريكي ووزير خارجيته ، وهما نفسيهما اللذان تدخلا بكل إمكانيات الولايات المتحدة الأمريكية لإنقاذ إسرائيل من هزيمتها الساحقة في حرب أكتوبر عام 1973 ، عندما فتحا مخازن سلاح حلف الأطلنطي لتعويض إسرائيل عن خسائرها بإقامة جسر جوي وبحري لمد الجيش الإسرائيلي بأحدث الأسلحة .
وهذا التناقض بين المشاعر المكبوتة للمسئولين الأمريكيين ، والتزامهم العلني بحماية الدولة العبرية ، يعبر عن مأزق نفسي يعيشه الساسة الأمريكيون في أعلي سلم صناعة القرار الأمريكي ، والسبب لم يعد خافيا .. وهو يرجع إلى قوة ضغط اللوبي اليهودي وتأثيره علي السياسة الأمريكية ، قس على ذلك الموقف الأوروبي ، فهو يكاد يتطابق مع الموقف الأمريكي إلا ما ندر ، وإن كانت مشاعر الكراهية لا تختلف بين الموقفين ، فقد حدث أن الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي ونظيره الأمريكي أوباما خلال قمة مجموعة العشرين والتي عقدت فى مدينة ” كان ” الفرنسية ، أن تسبب ترك الميكروفون مفتوحا – عن غير قصد – فى سماع الصحفيين ما باح به ساركوزي لأوباما بشأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حينما جري الحديث في غرفة خاصة لحديث مغلق بعد المؤتمر الصحفي ، ولكن الميكروفون فى الغرفة كان مفتوحا ، وقد بدأ الحوار بين الرئيسين بتأنيب أوباما لساركوزي بشأن عدم تحذيره من أن فرنسا ستصوت لمنح فلسطين العضوية الكاملة فى منظمة اليونسكو برغم معارضة واشنطن الشديدة لذلك ، ثم عرج الحديث إلى نتنياهو ليبوح ساركوزي بما يعتمل نحوه في صدره قائلا :
” أنا لا أطيقه ، إنه كاذب ” .
ليرد عليه أوباما :
” إنك سئمت منه ، فما بالك بي وأنا مضطر للتعامل معه يوميا ؟ “!
إن أمريكا وأوروبا يعلمان جيدا أن مصلحتهما مع العرب وليس مع إسرائيل ، وهو ما يكشف عنه اللقاء السري بين كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي وسعدون حمادي في 17 ديسمبر عام 1975 والذي تم في السفارة العراقية بباريس وقت أن كانت العلاقات مقطوعة بين أمريكا والعراق ولذلك كان الحديث صريحا ، ويعكس محضر الاجتماع بصورة واضحة سعي واشنطن للتقارب مع العراق ، ولكنه يؤكد بقوة التزام أمريكا ببقاء إسرائيل التى قال عنها الوزير العراقي إنها تشكل تهديدا للدول العربية ، ليرد عليه الوزير الأمريكي نصا :
” إننا لا ندعم إسرائيل لفرض نفوذنا فى المنطقة ، بل على العكس فإن إسرائيل تسبب لنا أضرارا فى العالم العربي ” – وأضاف كيسنجر : إن واشنطن مستعدة لتحجيم إسرائيل وجعلها دولة أكثر صداقة ، ولا تشكل خطرا على المنطقة العربية ، والتعاون بشأن ” حدود إسرائيلية أقرب إلى الطبيعية ” .
وقال كيسنجر أيضا لوزير خارجية العراق :
” إن إسرائيل تحبكم أكثر من السادات .. إن إسرائيل تفضل العناصر العربية المتطرفة ” !
وعند تبادل وجهات النظر حول مستقبل القضية الفلسطينية أوضح حمادي بصراحة أن هناك اختلافا واضحا فى وجهات النظر على الرغم من الوعود الأمريكية ، وقال حمادي : إن ما تسعي إليه واشنطن هو ” تسوية وليس سلاما ” .
وحول وضع الأكراد اعترف كيسنجر أن بلاده قدمت السلاح لهم .
وعلى الرغم من محاولات كيسنجر التأكيد على أن أمريكا لن تتدخل مرة أخري إلى جانب الأكراد ، وأنها لا تسعي إلى تمزيق العراق ، أو النيل من سيادة الدول في المنطقة ، فقد ساد جو اللقاء التوتر والشك فى النوايا الأمريكية – وهو ما أثبتت الأحداث صحته عندما احتلت أمريكا العراق ( تحت الدعوي المزيفة بامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل ) وتمزق العراق ، ولا يزال يحاول علاج جراحه .
على أن الأخطر في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي لوزير الخارجية العراقي في لقائهما السري هو قوله أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تستمر إلى ما لانهاية فى مساعدة إسرائيل ، وأنها خلال خمسة عشر عاما ستعاني من أجل البقاء فى المنطقة العربية – ولكن هذا الاستقراء لم يتحقق لالتزام أمريكا ببقاء إسرائيل وأمنها ، والذي تضعه على رأس أولوياتها .
وقد ظل هذا اللقاء سرا حتى الإفراج عن أكثر من 28 ألف صفحة من المذكرات السرية ومحاضر الاجتماعات التى جرت فى عهد كيسنجر ، وقدمت بشأنه ثناء يوسف تقريرها من نيويورك الذي نشرته في جريدة ” أخبار اليوم ” .
إن صناع القرار الأمريكي يعبرون عن رغبتهم الخفية فى التخلص من الالتزام بمساعدة إسرائيل ، ولكنهم غير قادرين ، فليس أمرهم بملكهم ولكن بيد جماعات الضغط اليهودية التى تحكم قبضتها على مسار السياسة الأمريكية ، والأوروبية أيضا .
لقد تخلصت أوروبا من اليهود نجاة من شرهم وهيمنتهم على الاقتصاد الأوروبي ، وساعدوا على زراعتهم وسط الكيان العربي ليبتلي هو بهذا الشر ، وهو ما يفسر سر التزام أمريكا وأوروبا بأن يظل الكيان الصهيوني باقيا فى إسرائيل لا يغادره اليهود حتى لا يكتوي الأمريكيون والأوروبيون بسماجتهم وعدوانيتهم وفظاظتهم التى وصفهم بها الرئيس الأمريكي نيكسون ، وإن لم تسلم أمريكا وأوروبا من أذرع إسرائيل الإعلامية وقوة تأثيرها على الرأي العام العالمي ، وهو ما يضع مسئولية كبري على كاهل الدول العربية لتوازن هذا التأثير الإعلامي الإسرائيلي ، بلوبي عربي مؤثر ، ولا تنقصنا الإمكانيات ، ولا عدالة قضايانا ، وإن كانت تعوزنا الإرادة .