إبراهيم عبدالعزيز يسلط الضوء على صلة أديب نوبل بـ«الإعلام المرئي والمسموع»

نجيب محفوظ وماسبيرو.. سيرة مصر
نجيب محفوظ.. ليس مجرد أحد أدباء العالم المعروفين.. بل شخصية مصرية خالصة.. عاش محبا للنيل والأهرامات، متفاعلا مع كل ما هو مصرى، منحازا للحارة، محبا للبسطاء والمهمشين، مفتونا بالأناس الحقيقيين، يعرف المفردات العامة والخاصة، كأنه عاش بينهم جميعا.. ويؤمن بالغيبيات مثل كل أهل الحارة.
لم يكن أديب نوبل غريبا عن ماسبيرو الذى كان إحدى قضايا ومن أبرز اهتمامات نجيب محفوظ.. كان ضيفا دائما على مجلة “الإذاعة والتليفزيون”، وتحولت كل أعماله تقريباً لدراما إذاعية، وكان متابعا جيدا للقنوات التليفزيونية.. لذا، كان أولى الناس بالوجود على أجمل استوديوهاته.. استوديو مطل على النيل والهرم معا.
فى كتابه تحت الطبع تحت عنوان “سيرة نجيب محفوظ وماسبيرو.. سيرة مصر”، قال الكاتب إبراهيم عبد العزيز، مدير التحرير السابق لـ”الإذاعة والتليفزيون”: “لنجيب محفوظ علاقة بماسبيرو ممتدة بامتداد حياته، كما أن له علاقة أيضا بمجلة الإذاعة والتليفزيون الناطقة باسم ماسبيرو، فعندما ضاق الأهرام بنشر رواية “المرايا” نشرتها المجلة، أيام كان رجاء النقاش رئيسا لتحريرها، وعندما احتفلت المجلة بعيدها الماسى وجه التحية لها، دون يتردد. وعندما أراد أحد وزراء الإعلام تغيير اسم المجلة إلى ماسبيرو، وهو ما لم يرض المحررين، كتبوا رسالة وقعوها إلى الوزير يتمسكون فيها باسم مجلتهم، فلما ذكرت ذلك لنجيب محفوظ قال: “اسم مجلتكم كالأسماء القديمة.. يعتبر ماركة مسجلة، لا يجب التفريط فيها بسهولة”.. وابتهج حين أبقوا على اسمها”.
وأضاف عبدالعزيز: “علاقة نجيب محفوظ بالإذاعة تساوى علاقته بالحياة، فقد كانت المصدر الأسرع فى معرفة أحداث الوطن، فضلا عن كونها وسيلة ثقافة وترفيه.. وقد تناول محفوظ علاقته بالإذاعة عرضا وبشكل متناثر، وحكى لرجاء النقاش فى بعض صفحات من مذكراته، قائلا “عندما ظهر الراديو كنت أفضل الاستماع إلى حفلات أم كلثوم فى راديو المقهى، خاصة أن أسعار تذاكر الدخول أخذت ترتفع بمرور الوقت، بل تحول أمر الحصول على تذكرة لإحدى حفلاتها إلى أمر شاق.. وعندما بدأت الإذاعة المصرية عام 1934 أخذت مسارح روض الفرج فى التلاشى، فقد قدمت الإذاعة الأوبرا والأوبريتات القديمة، فاكتفى الناس بسماعها فى الراديو. ومن أمتع البرامج الإذاعية التى كانت تشدنى إليها تلك البرامج التى كانت تقدم الأعمال القديمة، خاصة ألحان سيد درويش ومحمد عثمان وداوود حسني… وعن طريق عبد الحليم نويرة تعرفت على عزيز عثمان، الذى كانت له شخصية ظريفة ومرحة للغاية، انعكست على ألحانه مثل أغنيته الشهيرة “بطلوا ده واسمعوا ده” فى فيلم “لعبة الست”.
ويضيف محفوظ فى مذكراته مع النقاش: “أما علاقتى بالقرآن الكريم، والتى بدأت فى وقت مبكر من حياتي، فإنها توطدت أكثر بعد تعلقى بأصوات كبار المقرئين فى ذلك العصر، خاصة الشيخ على محمود، الذى كان يملك “صوتا موازيا للوطن”، فإذا كان مشهد الوطن يحرك مشاعرك، فكذلك كان صوت على محمود فى ترتيله للقرآن، واعتدت على حضور ليلة حفنى الطرزى – عضو حزب الوفد القديم – التى يحييها الشيخ على محمود فى أيام مولد سيدنا الحسين، وأظل ساهرا حتى مطلع الفجر مبهورا بصوته المعجز. وكنت أداوم على سماعه فى الوقت المخصص له بالإذاعة”.
وأكمل صاحب الثلاثية: “فى أوقات الراحة، عندما أنتهى من عملي، وتفرغت زوجتى من أعمال المنزل، كنا نجلس معا لسماع الإذاعة أو مشاهدة التليفزيون. وقد تم اللقاء بين الأدب والسينما بطريق المصادفة، وذلك عندما قام أحمد عباس صالح بتحويل رواية “بداية ونهاية” إلى مسلسل إذاعى فى “صوت العرب”، وتصادف أن تابع المسلسل المنتج والمصور السينمائى عبد الحليم نصر، فأعجب بالرواية وهو يستمع إليها فى الإذاعة، ولاحظ أنها تصلح لأن تكون فيلما سينمائيا، وقام بالاتفاق معي، واشترى الرواية لاستغلالها سينمائيا فى أواخر الخمسينيات”.
وأضاف محفوظ فى مذكراته: “صباح يوم الإثنين الخامس من يونيو 1967، ذهبت إلى مكتبى فى مؤسسة السينما، واستقبلت مندوبين من الإذاعة المصرية، وسجلت بناء على طلبهم نداء إلى جنودنا فى سيناء بصوتي، ثم انهمكت فى عملى حتى التاسعة صباحا، وفجأة سمعت صفارات الإنذار، إذن فقد اندلعت الحرب، وبسرعة لم أفكر إلا فى الحصول على جهاز راديو لأسمع الأخبار، وجاءنا صوت أحمد سعيد”.
وواصل صاحب نوبل: “حدث فى بداية عصر السادات، وأقصد هنا تداعيات البيان الشهير الذى كتبه توفيق الحكيم، ووقع عليه عدد كبير من الأدباء – وكنت من بينهم – يعترضون فيه على حالة اللاحرب واللاسلم، التى كانت تعانى منها مصر.. كان ذلك فى أوائل عام 1973، وسرعان ما صدر قرار بعزل الموقعين على البيان، ومنعهم من الكتابة، ونشرت الصحف أسماء هؤلاء الممنوعين، وتم منع الحكيم وأنا، على الرغم من عدم نشر اسمينا فى قائمة الممنوعين فى الصحف، فتوقف “الأهرام” عن نشر أعمالي، ومنعت من الحديث فى الإذاعة والتليفزيون، كما حدث مع غيرى من الذين وقعوا على البيان”.
وواصل الأديب العالمى: “فى ظهيرة يوم السادس من أكتوبر عام 1973، كنت أجلس فى بيتى أقرأ الصفحات الأولى من أحد الكتب، ورن التليفون، وكان المتحدث هو ثروت أباظة، وبدون سلامات أو مقدمات صرخ فى قائلا: “عبرنا”، ولما استوضحته، قال لى إن الجيش المصرى عبر القنال. قابلت كلامه بسخرية، لكنه أقسم بأن الحرب قامت وأن الجيش المصرى هو الذى هاجم وعبر القنال، وقال “إذا لم تصدقنى افتح الراديو على أى إذاعة أجنبية لتتأكد بنفسك”.. ولأول مرة فى حياتى أسمع الأخبار من المحطات الأجنبية، وكانت كلها تؤكد ما ذكره ثروت أباظة”.