سقوط إسرائيل أمام الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية

سقوط إسرائيل أمام الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية

40 مليار شيكل.. تكلفة الدفاع عن جبهة إسرائيل الداخلية إذا استمرت المواجهة شهراً فقط

ربما تعكس مشاهد دمار العمق الإسرائيلى تراجيديا غير مسبوقة، لكن أثر الضربات الإيرانية المتتالية ما برح أدراج الرقابة العسكرية، التى حظرت نشر بيانات حقيقية للواقع المأساوى، وفرضت على منصَّات عربية فى طليعتها قناة «الجزيرة» التزاماً بالحظر المفروض، فتوارت خلف الشاشات مشاهد اغتيال قيادات عسكرية واستخباراتية إسرائيلية، وتدمير قطع بحرية، فضلاً عن دمار غير محدود بقاعدة «نتساريم»، التى تتمركز بها مقاتلات F-35. الأكثر من ذلك إصابة الناطق العسكرى الأكثر شهرة أفيخاى أدرعى، والاستعاضة عن إطلالاته بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى، لا سيما عند احتباسه بين حطام وزارة الدفاع، التى نالت هى الأخرى حظاً من وابل الهجمات الإيرانية. الرقابة العسكرية اعتبرت تصوير قصف «المقر الأمنى الحساس» فى بث مباشر «خرقاً للتعليمات الصارمة، وإضراراً بأمن الدولة»، حسب تعبير القناة الإسرائيلية السابعة، المحسوبة على اليمين المتطرف، وتعاملت بنفس السياسة مع مقتل 4 دبلوماسيين أجانب فى مؤسسة وصفتها صحيفة «معاريف» بـ«الحساسة»، لكن الصحيفة العبرية غضت الطرف عن قتلى تل أبيب فى الواقعة ذاتها.

من قبضة الرقابة، انفلتت بعض تقارير المراسلين الأجانب، وهى تكشف «سقوط سروال إسرائيل أمام مسيَّرات وصواريخ إيران»، واعتقلت صحيفة «لوموند» تحايل الرقابة العسكرية فى دائرة التجاوب مع نصيحة الفيلسوف الفرنسى فولتير: «اكذبوا بجرأة مثل الشيطان». وتشير الصحيفة إلى تعاطى قادة جيش الاحتلال مع النصيحة وصاحبها فى حرب إيران، مؤكدة استغلال السياسة ذاتها عند العدوان على قطاع غزة. وقالت نصاً: «وقاحة صارخة فى إخفاء الحقيقة، لم تعد تنطلى على المراقبين».

 مقص الرقيب

وتعود الصحيفة فى هذا السياق إلى ليلة رأس السنة العام الماضي؛ فبينما رسمت صواريخ الاحتفالات خطوطاً فى سماء إسرائيل، انطلقت أكاذيب العميد أوليفييه رافوفيتش، وهو ينسب مسئولية خطوط الدخان إلى قذائف المقاومة، مبرراً بذلك دواعى العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وقال نصاً: «لمن يتساءلون عن سبب اضطرار إسرائيل للقضاء على حماس، إليكم الجواب. حماس تقصف المدن الإسرائيلية عشوائياً مع حلول منتصف ليل العام الجديد. من واجب إسرائيل القضاء على هذا التهديد نهائياً». وفيما لم يثبت نهائياً أيضاً أى اشتباك للمقاومة مع الاحتلال فى هذا التوقيت، شنت إسرائيل هجوماً على قطاع غزة، أسفر عن استشهاد 300 شخص، وتجاهل رافوفيتش الإدلاء بتصريحات حول الواقعة.

فى المقابل، يمكن استعراض مدى تدخُّل مقص الرقيب الإسرائيلى فى حجب المعلومات والحيلولة دون تداولها، إذ تروى «مجلة +972» وقائع موثقة فى هذا الخصوص؛ وبموجبها حظرت الرقابة العسكرية الإسرائيلية عام 2024 نشر 1635 مقالاً، وحجبت جزئياً 6265 مقالاً آخر، كجزء من هجوم أوسع على حرية الصحافة. خلال الحرب الراهنة مع إيران، تنامت بشكل غير مسبوق أرقام حظر النشر فى وسائل الإعلام الإسرائيلية، وجسَّد المسموح بنشره جانباً محدوداً من الواقع الدرامى، لكن غليان الشارع الإسرائيلى أطاح بكل المحاذير، وانبرت المعارضة على لسان زعيمها يائير لابيد فى التنكيل برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال إحدى جلسات الكنيست الطارئة، ما اضطر الأخير إلى الاعتراف بسوء تقدير الموقف عند توقع حدة الرد الإيرانى.

 تفريغ الوطن

لكن اعتراف نتنياهو لم يمنع إقرار دوائر الموساد بمخاوف «تفريغ الوطن» عبر هجرة الإسرائيليين إلى أوروبا والولايات المتحدة، خاصة بعد هروب ما يربو على 100 ألف إسرائيلى العام الماضى بلا عودة. وبناء على تلك المخاوف، لم يقتصر قرار نقل أسطول الطائرات المدنية من إسرائيل إلى الخارج على تفادى رشقات الصواريخ الإيرانية، وإنما يضاف إليه منع الإسرائيليين من الهجرة.

فى المقابل لا تعترف قيادة الجبهة الداخلية فى إسرائيل بتوازنات أو حسابات المستويات الأمنية والسياسية، وخلال لقاء مع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، تطرق مدير هيئة الضرائب، شاى أهارونوفيتش، إلى ما وصفه بـ«الوضع الداخلى الصعب»، وقال نصاً: «تلقينا 12 ألف دعوى قضائية من المستوطنين أصحاب الأعمال خلال أول يومين من المواجهة مع إيران». وفى تقريره المنشور بالصحيفة العبرية، اعترف الكاتب جاد ليؤور بأن «آثار الحرب مع إيران بدأت تظهر فعلياً على كامل جسد الاقتصاد الإسرائيلى»، مشيراً إلى أن شلل الاقتصاد والانقطاع التام للرحلات الجوية أضرّ بالنمو بنسبة 0.1%، وقد يُؤدّى أسبوع من هذه الحرب الشديدة إلى انكماش النمو بنسبة 0.2%-0.3%، أى ما يقارب 10% من معدل النمو السنوى الحالى فى إسرائيل، والبالغ 3.4%». وربما تلاقت خسائر إسرائيل من العدوان على قطاع غزة مع خسائرها فى الحرب مع إيران، إذ تشير لغة الأرقام إلى أن الضربة التى يتعرض لها النمو هى ضربة خطيرة لإيرادات إسرائيل من الضرائب، وباتت هناك حتمية لتوفير مصادر جديدة للتمويل، بما فى ذلك زيادة الضرائب كما حدث بعد الحرب فى قطاع غزة، عندما تم رفع ضريبة القيمة المضافة والتأمين الوطنى وتجميد معدلات الضرائب.

 جزر منعزلة

وفى اعتراف لـ«يديعوت أحرونوت» حول تحديد نسب دقيقة للخسائر التى منيت بها إسرائيل جراء الحرب الإيرانية، أقر شاى أهارونوفيتش بأنه «من السابق لأوانه تحديد أرقام دقيقة حالياً، لكن الأضرار هائلة. لا شك أن شدة الأضرار الناجمة عن الصواريخ التى أُطلقت من إيران تفوق بكثير نظيرتها الناجمة عن الصواريخ التى أُطلقت من غزة ولبنان». إلا أن تقديرات الباحث الإسرائيلى سامى بيرتس جافت تحفظات هارونوفيتش، وأكد أن «المواجهة مع إيران، والتى قد تستمر فى سيناريو خطير لمدة شهر تقريباً، ستؤدى إلى صدمة اقتصادية لم تحسب لها ميزانية الدولة حساباً، إذ تقدر تكلفتها الدفاعية فقط بنحو 40 مليار شيكل (الشيكل يعادل 0.28 دولار). وفى مقاله المنشور بمجلة «ذى ميركر»، أوضح الباحث الإسرائيلى أنه «فى حين عملت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على مدار أشهر على التخطيط للحملة الإيرانية، لم تضع المؤسسات الاقتصادية بما فى ذلك وزارة المالية حساباً لنشوب الحرب، واعتبرت احتمالاتها ضعيفة، وهو ما يؤكد نظرية «الجزر المنعزلة» التى تعمل حكومة إسرائيل تحت مظلتها».

لذلك، بحسب الكاتب الإسرائيلى، «لم تدرج تكلفة الحرب مع إيران وعواقبها الاقتصادية الهائلة فى الاعتبار عند إعداد ميزانية الدولة، مما يتطلب فتح الميزانية وبناء استجابة جديدة للاحتياجات الأمنية. فى هذه المرحلة، لا يزال من غير الواضح إلى متى ستستمر الحرب ومتى وكيف تنتهى، لذا لا يمكن تحديد ثمنها».

 لغة الأرقام

ووسط ضبابية التقديرات إزاء أرقام التعويضات المباشرة المتوقعة نتيجة الحرب مع إيران، أفادت لغة الأرقام بزيادة حجم التعويضات المقررة للشركات الإسرائيلية المتضررة من الحرب مع إيران عن التعويضات التى تلقتها الشركات ذاتها خلال العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، والتى بلغت 21.65 مليار شيكل. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «كلكاليست» العبرية، لا يزال حجم الأضرار التى لحقت بالممتلكات الإسرائيلية منذ بداية عملية «الأسد الصاعد» غير معروف. الواضح فقط هو أن متوسط الضرر لكل إصابة أعلى بكثير من الضرر الذى حدث نتيجة عدوان إسرائيل على قطاع غزة ولبنان.

ورغم محاولات إسرائيل تقليص عدد أيام المواجهة مع إيران، لا تشى التقديرات بغير استمرارها أسبوعين أو أكثر، ويعزو حاييم تومير، وهو مسئول سابق فى الموساد تلك المدة إلى امتلاك إيران ما بين 2000 إلى 2500 صاروخ باليستى ثقيل، وهو ما يستدعى استمرار مدة الحرب إلى 30 يوماً، لا سيما عند قسمة إطلاق 200 صاروخ يومياً على عدد الأيام، وأضاف: «بالمعدل الذى يطلق به الإيرانيون الصواريخ على إسرائيل يمكن تحديد عمر المواجهة بين الطرفين».

رغم الدمار الذى ألحقته القذائف الإيرانية بإسرائيل، تحتمى الأخيرة بمظلة دفاعية أمريكية باعتراف مصدر مسئول فى واشنطن لوكالة أنباء «فرانس برس»، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة تساعد إسرائيل ضد الهجوم الصاروخى الإيرانى» إلا أن المسئول الذى رفض الكشف عن هويته لم يدل بأية تفاصيل حول حجم المساعدات الأمريكية لإسرائيل. ولم يجد جيش الاحتلال فى التعامل مع الأزمة سوى توزيع بيانات، تحذر من نشر مواقع الإصابات أو التوثيق المصور لضربات الصواريخ. ولتبرير تحذيراته، قال المتحدث باسم جيش الاحتلال: «يراقب العدو هذا التوثيق ويحسن من خلاله قدراته الهجومية».