«القاهرة» تحذر إسرائيل من التوسع العسكري وتدعو لإنهاء الاحتلال للأراضي العربية.

مخطط ضرب إيران على الطريقة الأوكرانية.. الموساد مجرد ستار لتحالف استخباراتى دولى
طرحت الحرب “الإسرائيلية ـ الإيرانية” العديد من التساؤلات التى فرضت نفسها بقوة على أذهان المتابعين فى كل أنحاء العالم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: “لماذا اختارت حكومة الاحتلال هذا التوقيت لشن ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية؟”، و”ما حقيقة الدور الذى لعبه جهاز (الموساد) الإسرائيلى فى اختراق الأراضى الإيرانية على النحو الذى صورته بعض أجهزة الإعلام؟”، و”ما موقف الدولة المصرية من التصعيد الحادث فى المنطقة، وحدود تحرك القاهرة فى هذا الملف الشائك؟.. كل هذه التساؤلات وغيرها نحاول الإجابة عليها فى السطور التالية بشيء من التحليل القائم على المعلومات المدققة والموثقة.
مصر ترفض غطرسة القوة
عقب الهجوم الإسرائيلى على إيران، كانت “القاهرة” فى طليعة العواصم التى أعلنت موقفها الصريح والرافض لغطرسة القوة، مؤكدة إدانتها للهجمات العسكرية التى شنها جيش الاحتلال على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وأكدت الخارجية المصرية، أن الهجمات العسكرية الإسرائيلية على إيران تمثل تصعيدًا إقليميا سافرًا بالغ الخطورة، وانتهاكًا فاضحًا للقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، وتهديدًا مباشراً للأمن والسلم الإقليمى والدولي.
وأعربت مصر عن استنكارها لهذا العمل غير المبرر و”الذى سيؤدى إلى مزيد من إشعال فتيل الأزمة ويقود إلى صراع أوسع فى الإقليم وينتج عنه تداعيات غير مسبوقة على أمن واستقرار المنطقة”.
وشددت الخارجية المصرية على أن هذا العمل العسكرى وما سينتج عنه من تداعيات “يعرض مقدرات شعوب المنطقة لخطر بالغ ويهدد بانزلاق المنطقة بأكملها إلى حالة من الفوضى العارمة”، مجددة التأكيد على أنه “لا توجد حلول عسكرية للازمات التى تواجهها المنطقة، وإنما عبر الحلول السياسية والسلمية”.
وأكدت مصر على أن غطرسة القوة لن تحقق الأمن لأى دولة فى المنطقة بما فى ذلك إسرائيل، وإنما يتحقق ذلك فقط من خلال احترام سيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها وتحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية.
مباحثات “السيسي” و”أردوغان”
الموقف المصرى الرافض لكل ما تقوم به دولة الاحتلال فى المنطقة العربية، أكده الرئيس “السيسي” خلال اتصال تلقاه من نظيره التركى رجب طيب أردوغان، مشددًا على ضرورة الوقف الفورى للأعمال العسكرية.
وخلال الاتصال تناول الرئيسان الأوضاع الإقليمية والتصعيد الإسرائيلى الجارى فى المنطقة، حيث شدد الرئيسان على أن هذا النهج التصعيدى يمكن أن تترتب عليه تداعيات كارثية على المنطقة وعلى الأمن والاستقرار الإقليميين، ويُعرّض مقدرات شعوب المنطقة لخطر بالغ، بما يهدد بانزلاق الشرق الأوسط بأكمله إلى حالة من الفوضى العارمة ستتحمل عواقبها كل الدول دون استثناء.
وشدد الجانبان على ضرورة الوقف الفورى للأعمال العسكرية والعودة إلى المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة عمانية باعتبارها السبيل الوحيد للوصول إلى حل سلمى للأزمة الجارية.
من ناحيته؛ أكد الرئيس “السيسي” على ضرورة إتباع مقاربة شاملة تعالج كافة الشواغل الأمنية ذات الصلة بعدم الانتشار النووى فى المنطقة، من خلال تحقيق عالمية معاهدة عدم الانتشار وبالأخص فى منطقة الشرق الأوسط، وإقامة المنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط، التى يجب أن تشمل كافة دول الإقليم.
وشدد الرئيس “السيسي” أيضًا على أن الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية يعد الضمان الوحيد للتوصل إلى السلام الدائم واستقرار المنطقة، مؤكدًا على ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار فى قطاع غزة، وهو ما أيده الرئيس التركي، حيث توافق الرئيسان على الرفض الكامل لتهجير الفلسطينيين من أرضهم أو تصفية القضية الفلسطينية، مؤكدين على استمرار التشاور والتنسيق والعمل المشترك من أجل استعادة الاستقرار الإقليمي.
تحذير من “القاهرة” إلى “تل أبيب”
فى السياق ذاته؛ تلقى الرئيس “السيسي” اتصالًا هاتفيًا من نظيره القبرصى “نيكوس خريستودوليدس”، شدّد خلاله على الرفض القاطع لما تقوم به إسرائيل فى المنطقة.
وتناول الاتصال الأوضاع الإقليمية، حيث أكد الرئيس “السيسي” على رفض مصر التام توسيع دائرة الصراع فى المنطقة، مشيرًا إلى أهمية وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية على مختلف الجبهات الإقليمية، محذرًا من أن استمرار النهج الحالى ستكون له أضراره الجسيمة على شعوب المنطقة كافة دون استثناء.
كما شدد الرئيس “السيسي” على أهمية اضطلاع المجتمع الدولى بدور أكثر فاعلية فى دفع الأطراف الإقليمية للتحلى بالمسئولية، مؤكدًا على أن الحلول السلمية تبقى الوحيدة القادرة على ضمان الأمن والاستقرار بالإقليم.
وأكد الرئيس “السيسى “، على ضرورة العودة إلى المفاوضات الأمريكية الإيرانية برعاية سلطنة عمان الشقيقة، التى تمثل الحل الأمثل للتوتر الجاري، مشددًا على موقف مصر الثابت بضرورة إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بالشرق الأوسط، بما يشمل كافة دول الإقليم. وأشار الرئيس “السيسي”، إلى أن إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يبقى هو الضامن الوحيد للتوصل إلى السلام الدائم والاستقرار بالشرق الأوسط، وذلك من خلال وقف إطلاق النار فى قطاع غزة بصورة فورية، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وتوفير الأمن لجميع شعوب المنطقة.
أسباب ضرب إيران فى هذا التوقيت
من حيث أسباب اختيار هذا التوقيت لتوجيه الضربة الإسرائيلية ضد إيران، سنجد أن كلاً من الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” ورئيس وزراء دولة الاحتلال كانا يواجهان ظروفًا داخلية صعبة، ولم يجدا إلا البحث عن حدث ضخم يمكن أن يغطى على تلك الأوضاع الصعبة وبالطبع لم يكن هناك أفضل من التصعيد مع إيران.
فعلى المستوى الأمريكى كانت إدارة “ترامب” تواجه أزمة طاحنة على خلفية اتساع رقعة المظاهرات التى امتدت لأكثر من 37 ولاية بسبب الإصرار على تهجير ملايين الأمريكيين الذين تم وصفهم بغير الشرعيين، ومع تصاعد الأحداث التى وصلت إلى حد التخريب والسلب والنهب، لم يجد “ترامب” إلا فرض حظر التجوال فى “لوس أنجلوس”، وأمر بنزول قوات “المارينز” والحرس الوطنى لقمع المتظاهرين.
فى ذات الوقت كان رئيس وزراء الاحتلال يعانى من أزمة خانقة بسبب إخفاقاته المتتالية فى حل أزمة المحتجزين لدى حركة “حماس”، وفشل حكومته فى تحقيق الأهداف الاستراتيجية من وراء هذه الحرب، ناهيك عن الخسائر التى تكبدها الاقتصاد الإسرائيلى على مدار أكثر من 19 شهرًا.
وفى إطار الحديث عن أسباب الهجوم الإسرائيلى على إيران فى هذا التوقيت، لا يمكن تجاهل الحدث الذى كان من شأنه تحويل مسار القضية الفلسطينية، وهو المؤتمر الدولى الذى كان مقرر انعقاده خلال أيام فى نيويورك بمشاركة عدد من زعماء العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وبسبب الحرب بين “تل أبيب” و”طهران”، تم تأجيل انعقاد المؤتمر، وعن ذلك قال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون: “على الرغم من أننا مضطرون لتأجيل هذا المؤتمر لأسباب لوجستية وأمنية، إلا أنّه سيُعقد فى أقرب وقت ممكن”، مؤكدًا عزمه على الاعتراف بدولة فلسطين، رغم معارضة إسرائيل الشديدة للخطوة.
رعب إسرائيلى من التقارب “المصرى الإيراني”
عند البحث فى أسباب تعجيل إسرائيل بالهجوم على إيران، لا يمكن تجاهل حالة القلق اللافت لدى حكومة “نتنياهو” من التقارب “المصرى الإيراني” خلال الفترة الأخيرة، والذى تكلل باستقبال الرئيس “السيسي” لوزير الخارجية الإيرانى “عباس عراقجي”، فى القاهرة بداية يونيو الجاري، بحضور الدكتور بدر عبد العاطى وزير الخارجية، والسيد حسن رشاد رئيس المخابرات العامة.
وخلال اللقاء نقل “عراقجي” تحيات وتقدير الرئيس الإيرانى “مسعود بزشكيان”، وهو ما ثمنه الرئيس “السيسي”. وأكد الجانبان على أهمية استمرار المسار الحالى لاستكشاف آفاق التطوير المشترك للعلاقات بين الدولتين.
وتناول اللقاء التطورات المتسارعة بالمنطقة، حيث أكد الرئيس “السيسي” الموقف المصرى الرافض لتوسّع دائرة الصراع، مشددًا على ضرورة وقف التصعيد للحيلولة دون الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة ستكون ذات تداعيات خطيرة على أمن ومقدرات جميع دول وشعوب المنطقة، مؤكدًا على ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار فى قطاع غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية، كما شدّد على حتمية عودة الملاحة إلى طبيعتها فى منطقة مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
ومن جانبه ثمن وزير الخارجية الإيرانى الدور المصرى لاستعادة الاستقرار الإقليمي، مؤكدًا حرص بلاده على استمرار التشاور بين البلدين خلال الفترة المقبلة.
بعد ثلاثة أيام، من لقاء وزير الخارجية الإيراني، وتحديدًا فى الخامس من يونيو الجاري؛ تلقى الرئيس “السيسي” اتصالاً هاتفيًا من نظيره الإيرانى مسعود بزشكيان، تبادلا خلاله التهانى بمناسبة عيد الأضحى المبارك، متمنيين لشعبى البلدين وللأمة الإسلامية دوام الخير والبركات.
وخلال الاتصال، أكد الزعيمان على أهمية تجنب التصعيد فى المنطقة، مشددين على ضرورة تفادى الانزلاق إلى صراع عسكرى قد تكون له تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار الإقليميين.
بالتزامن، تلقى الرئيس “السيسي” اتصالًا هاتفيًا من رئيس الوزراء الباكستانى شهباز شريف الذى تمنى لمصر حكومةً وشعبًا مزيدًا من التقدم والازدهار.
وخلال الاتصال أكد الجانبان على أهمية تعزيز التشاور والتنسيق بين البلدين تجاه القضايا الإقليمية والدولية، بما يسهم فى تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية.
“الموساد” الإسرائيلى بطل من ورق
فى أعقاب الهجوم المفاجئ الذى شنته دولة الاحتلال ضد بعض المواقع النووية الإيرانية واغتيال عدد من قادة القادة العسكريين وعلماء الذرة البارزين؛ سارع البعض بتصوير جهاز الاستخبارات الإسرائيلى “الموساد” على أنه صاحب اليد الطولى، وأنه قادر على تنفيذ أصعب المهام فى المنطقة والعالم، وحقيقة الأمر أن هذا التضخيم ليس فى محله وفيه مبالغة ملحوظة.
نعم.. لقد تم اختراق إيران من الداخل، ولكن بفعل تكاتف مجموعة من أجهزة الاستخبارات الغربية بقيادة الـ”CIA” الأمريكي؛ بدليل أن عملية ضرب عدد من الأهداف الحيوية واغتيال عدد من القادة العسكريين الإيرانيين، هى نسخة كربونية من العملية التى نفذتها القوات الأوكرانية ضد بعض الأهداف فى الداخل الروسى قبل أيام، فهل كان “الموساد” الإسرائيلى هو المخطط والمُنفّذ لعملية استمرت طيلة أكثر من 18 شهرًا فى الداخل الروسي؟.
ولمن لا يعرف، فقد نجحت أوكرانيا ، بالتنسيق مع بعض أجهزة المخابرات الغربية ـ بتهريب طائرات مسيّرة إلى روسيا، حيث تم إخفاؤها بعد ذلك فى هياكل خشبية بأسقف حاويات شحن تم فتحها عن بُعد لإطلاق المسيّرات. العملية التى حملت الاسم الرمزى “شبكة العنكبوت”، نجحت فى استهداف عدد من الطائرات الروسية داخل حظائرها فى أقصى شرق أسيا، بالقرب من الحدود الصينية تحديدًا.
أما بالنسبة للضربة الاستباقية ضد بعض المواقع الإيرانية، وحسب الرواية الإسرائيلية، فإن وحدات “كوماندوز” نشرت أنظمة أسلحة دقيقة التوجيه فى مناطق مفتوحة بالقرب من منظومات صواريخ “أرض-جو” إيرانية، وعند بدء الهجوم الجوى أُطلقت هذه الصواريخ فى وقت واحد نحو أهدافها بدقة عالية.
نسخة كربونية من الهجوم على روسيا
وفق الرواية الإسرائيلية، وفى إطار التضخيم من الدور الاستخباراتي، فقد نجح “الموساد” فى إنشاء قاعدة داخل إيران لإطلاق الطائرات الهجومية المُسيّرة قرب طهران، جرى إدخالها مسبقًا. وخلال الهجوم ليلا، تم تفعيل هذه الطائرات المسيرة، وأُطلقت باتجاه منصات إطلاق صواريخ “أرض-أرض” متمركزة فى قواعد الدفاع الجوى الإيراني.
نخلص من هذا إلى أن استهداف بعض المواقع الإيرانية تم بذات الآلية التى اتبعتها أوكرانيا داخل الأراضى الروسية، ما يؤكد أن أجهزة استخبارات كبرى تقف وراء العمليتين، وكان “الموساد” مجرد منفذ لما تم التخطيط له مسبقًا.
الأهم فى هذا الصدد، أنه رغم السرية التامة التى أحيطت بعملية استهداف العلماء والمواقع الإيرانية إلا أن أحد أجهزة المخابرات المصنفة عالميًا كانت ترصد بدقة متناهية كل خطوة يجرى تنفيذها على الأرض، وأبلغت الجانب الإيرانى قبل التنفيذ بفترة كافية، وهذا ما صرح به مسئول إيرانى كبير، قائلاً: “دولة صديقة فى المنطقة حذرتنا من ضربة عسكرية محتملة”. ومن المرجح أن يكون كشف العملية الإسرائيلية من جانب جهاز مخابرات “الدولة الصديقة” دفع إسرائيل إلى الإسراع بتوجيه الضربة قبل أن تأخذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية استعداداتها.