بهجورى: عقدين من الزمن في باريس لاستكشاف المجهول

بهجورى: عقدين من الزمن في باريس لاستكشاف المجهول

ترك كل ما حققه فى مصر وسافر إلى أوربا ليبدأ من الصفر«21»
رفض التنازل عن هويته المصرية ففاز بـ 17 جائزة عالمية
أسرع من يرسم البورتريه بين رسامين الكاريكاتير

عندما وصفته نادية لطفى بالجنون، تصورت حينها أنه من قبيل المداعبة، لكننى الآن تأكدت أنها كانت غالبا تقصد المعنى الحرفي، فما اتخذه بهجورى من قرارات وما سمعته منه وعنه من حكايات وما رسمه من لوحات يؤكد أننا أمام حالة عارمة من جنون الإبداع..

ومن السذاجة أن نصدق ما قاله بهجورى عن سر جنونه، وتأكيده أنه كان مجرد عدوى انتقلت إليه من فرط هوسه ببيكاسو، الرسام الإسبانى العالمى، ومثله الأعلى فى الفنون والجنون..

(1)

بالقطع تأثر بهجورى ببيكاسو، بل يمكنك أن تدرك بنفسك مدى شغفه بهذا الرسام ذائع الصيت العبقرى المجنون، وذلك بمجرد قراءتك لهذا الاعتراف العلنى الصريح الذى ورد على لسان بهجورى:

“أنا مبهور ببيكاسو، وأحيانا أقلده، وأحيانا أسرقه، فأنا مؤمن تماما أننى لص كبير، وأجمل شيء فى الفن أن تكون لصا كبيرا، ليس بالمعنى المُضر أو المكروه، ولكن بالمعنى الساخر والكوميدي، ودون أن تضيع شخصيتك.. أنا فعلا مهووس بعبقرية هذا الفنان الغريب المتمرد، بل إننى أعشقه، وأى شيء عنه يجب أن أدرسه جيدا، فقد انبهرت بسيرته الذاتية التى كتبها، وانبهرت بمذكرات زوجته عنه، وذهلت حين عرفت أن له لقاءات مسجلة على أشرطة فيديو فاشتريتها فى باريس، فقط لأشاهده وأسمع صوته.. ولما قررت أن أتقدم لدراسة الماجستير فى الجامعة الفرنسية اخترت موضوعها عن بيكاسو..”.

أصابه عشق بيكاسو، و”لطشته” عدوى جنونه، لكن بهجورى لم يكن ينتظر بيكاسو ليتعلم جنون المبدعين، لأنه ببساطة كان مؤهلا وسابقا ومستعدا، ولديه عشرات من “السوابق” وسجل حافل بالجنون..

فعندما كان تلميذا لا يزيد عمره على 12 سنة، ذهب بملابس المدرسة إلى احتفال نظمته الجمعية الأرمنية بالقاهرة احتفالا بالرسام أرمنى الأصل “صاروخان”، وحين كان يطالع رسومات وكاريكاتيرات صاروخان مبهورا، قرر وهو يخرج من الحفل بشورت المدرسة أن يكون رساما مثل صاروخان.. وسيلتحق بكلية الفنون الجميلة وسيتحدى بإصرار كل ضغوط عائلته للالتحاق بكلية الطب.. بل سيقف فى وجه العالم كله!

وحين تحقق حلمه، وحين كان لم يزل طالبا بسنته الأولى فى كلية الفنون الجميلة، رساما تحت التمرين فى “روزاليوسف” لم يكتف فقط بأن يرسم رجل ثورة يوليو القوى جمال عبد الناصر بأنف طويل مدبب مبالغ فيه وبطول الصفحة، بل رسم شقيقه الليثى عبد الناصر عضو مجلس الأمة بشكل كاريكاتيرى ساخر وحاد، جعل النائب يقوم بتمزيق المجلة والرسمة، وكان من الممكن أن يذهب بهجورى وراء الشمس، بل هو نفسه لا يعرف لماذا لم يذهب أو من أنقذه من هذا المصير!

وحين حقق حلمه أن يصبح مثل صاروخان وزميلا له ومنافسا، وحين صار رساما ذا شأن له اسمه وأسلوبه ومكانته ومستقبله، قرر أن يغامر بكل ذلك ويقوم بقفزة إلى المجهول، ويترك كل ما حققه وراء ظهره ويحمل حقيبته على كتفه ويسافر إلى باريس فى رحلة غير مضمونة العواقب والنتائج والنهايات..

ترك النجومية والشهرة والنجاح والتحقق فى مصر وسافر إلى باريس ليبدأ من الصفر، يدرس الفن من جديد، ويولد من جديد..

لماذا اتخذ بهجورى قراره الجنونى بالسفر إلى باريس ؟!.. يمكننا أن نسمع الإجابة منه وعلى لسانه:

“حدث هذا عام 1979، وكان سفرى ترجمة لطموحى الكبير، كنت أريد أن أعرف كيف يعيش العالم، أضف إلى ذلك أننى لم أكن قنوعا بدراستى فى كلية الفنون الجميلة، لذلك قبلت وأنا فى الواحدة والثلاثين أن أجلس مع طلاب فى الثامنة عشرة، سافرت ومعى لوحاتي، وقلت فى نفسى سوف أبيع هذه اللوحات لأنفق منها على نفسي، وبعت أول لوحة بـ 500 فرنك فرنسى.. ولكن قبل سفرى وجدت زملائى يرفضون فكرة أن أترك كل شيء فى بلدى من أجل أن أسافر إلى المجهول، فرفضت وصممت واستطعت وأنا فى باريس أن ألحق بركب الكاريكاتير العالمى عن طريق عدة مهرجانات عالمية حصلت منها على جوائز عديدة، مثلا فى إيطاليا حصلت على 7 جوائز، ومن فرنسا 9 جوائز، ومن إسبانيا حصلت على جائزة، وكذلك جائزة من يوغسلافيا.. جوائز عالمية كثيرة أرضت غرورى”.

ويمكننا أن نضيف بعض الملاحظات والإشارات حول “رحلة بهجورى” إلى العالمية، باعتبارها من أهم التجارب فى مشواره، حتى تكون الصورة حولها أكثر وضوحا:

– لا شك فى أن طموح بهجورى الجارف كان سببا مهما وراء قيامه بتلك المغامرة، سعيا وراء الحرية والانطلاق وحلم العالمية، وهو ما يتسق مع شخصيته الشغوفة بالبحث عن الجديد، وبالمغامرة والرغبة فى المعرفة، وهو نفسه يعترف:

“الرسم نفسه بالنسبة لى رحلة قررت القيام بها، ولكنها رحلة حكمتها المصادفة.. تتوفر عندى نية الاكتشاف التى تجعل العمل الفنى رغبة فى الرحيل إلى أماكن لم أرها من قبل، فحينما تتكرر الأماكن أقطع تذكرة وأسافر، فقط لكى أرى أماكن جديدة وأسمع أناسا لا أعرفهم”..

لكن هذا الشغف وتلك الرغبة العارمة فى السفر لم تكن السبب الوحيد فى أن يترك مصر طويلا ويتغرب عنها كثيرا، فهناك قبله وبعده أسباب لتلك “التغريبة” التى تحولت فى لحظة إلى منفى اختياري، أبرزها موقفه السياسى ومعارضته لسياسات الرئيس السادات (الانفتاح وكامب ديفيد)، فوجد نفسه بين المغضوب عليهم من معارضيه، ووجد صورته فى صفحات الصحف مع “الأفندية الأرازل” كما كان يسمى السادات معارضيه، ومنهم من اختار المنفى الاختيارى مثل محمود السعدنى.. وبهجورى.

ربما ساعد على حسم قراره بالسفر وعجّل به ما تعرض له من معاملة “خالية من التدليل” لم يعتد عليها من رؤساء التحرير الجدد فى أخريات زمن السادات، تشددوا فى رقابة رسوماته وهبطوا بسقف خياله وعاملوه – كما كتب – على أنه أحد أفراد حرس قديم يستحق رصاصة الرحمة!.. فأحس كأنه طير محبوس فى قفص وعليه أن يطير إلى سماوات الحرية الرحبة..

– لم تكن باريس هى المنفى الاختيارى الوحيد، بل تعددت المنافى وتنوعت المدن التى حط فيها رحاله وريشته.. لنسمع منه بكلماته:

“امتلكت رصيدا من الرحلات ضخما جدا، فعرفت “فلورنسا” المدينة المتحف لدرجة أننى حينما قررت العيش فى أوربا احترت بين باريس وفلورنسا، وكان حظى فى باريس، وتوالت رحلاتى إلى اليونان وإسبانيا والمغرب وغيرها”.

وفى المغرب عاش بهجورى لفترة، وكان واحد من ستة أسسوا مهرجان “أصيلة” تلك القرية المغربية الساحرة التى تحولت بفضل المهرجان إلى أشهر قرية فى العالم ومقصد سياحى معتبر.. 

– وفى تلك التغريبة الطويلة قرر بهجورى أن يطوّر من نفسه ويخوض تجارب جديدة، فمارس فن النحت ومارس فن التمثيل فى بعض الأفلام الفرنسية، وقرر كذلك أن يمارس الكتابة، يمارسها على طريقته التلقائية المنطلقة بلا قيود، ويعترف أنه فى أسلوبه تأثر كثيرا بصديقته المبدعة سناء البيسى، الأسلوب الذى يجمع بين أجمل العطور الباريسية مع عطر طبق الفول والفلافل والبليلة والزيت الحار.. الطريف كما يقول بهجورى إن سناء البيسى بدأت حياتها رسامة تقلد أسلوبه فى الرسم، وانتهى هو كاتبا يقلد أسلوبها فى الكتابة..

لكن المؤكد أن سناء البيسى لا تملك “تهور” قلم بهجورى ونزقه وصراحته التى تبلغ أحيانا حدود “الوقاحة”، فلا يمكن أن تعثر على متهور غيره يكتب عن جارة القمر فيروز بهذه السخرية:

“ليس الحال بالحال فى لقائى بأجمل صوت لبنانى فيروز.. أول مرة أراها كان فى بيتها مع الأصدقاء وصوتها الملائكى يجعلنى أتصورها عالية بجناحين وهالة من النور حول وجهها، لكنى فوجئت بفيروز – وأنا ما زلت فى ركن صغير أتناول من البوفيه بعض الأطعمة الكريمة- تقترب منى وتضع فى طبقى ورك فرخة.. وحاولت بصعوبة بعدها أن أعود لرؤيتى الفانتازية الملائكية عن فيروز”.

(2)

ورغم كل سنوات التغريبة الطويلة فى أوربا (نحو عشرين عاما) لم يفقد بهجورى أبدا روحه وهويته وشخصيته وأصالته المصرية، وهو المعنى الذى قصده الناقد والفنان الكبير عز الدين نجيب حين كتب عن بهجورى أو حصان طروادة المصرى كما أسماه:

“ومن المؤكد أنه طوال مشواره الباريسى كان يحمل مصر بداخله نبضا وذكرى، شكلا ومضمونا، بكل قضاياها وهمومها وإرثها الحضارى ورموزها ومفارقاتها الساخرة والدرامية على السواء، وإن ذلك كله كان ينعكس بشكل أو بآخر فى أعماله الفنية آنذاك..”.

ومن النقاد الذين أتيح لهم مقابلة بهجورى فى مرسمه بباريس والاقتراب منه خلال المرحلة الباريسية هو الناقد التشكيلى الكبير محمود بقشيش، ولذلك فإن ما كتبه بقشيش عن بهجورى “الباريسى”، أو كما أسماه: الرسام العائد من عاصمة النور بهيئة تشبه رهبان الصحراء، ينبغى أن يحظى بتقدير خاص، لأنه من ناقد عرفه وعاشه وكتب عنه بعمق:

“ربما كان جورج البهجورى هو الرسام الكاريكاتيرى الوحيد بين الرسامين المصريين والعرب الذى كان حريصا منذ بداياته على ترجيح كفة انتمائه إلى فن لوحة الحامل أكثر من انتمائه إلى فن الكاريكاتير الصحفى، وإذا كان قد ارتبط اسمه بالصحافة المصرية والعربية فلأسباب أظنها اقتصادية فى المرتبة الأولى.. شجعه معظم نقاد الفن على التمسك بفن لوحة الحامل، وشجعه أكثر على ذلك رأى الفيلسوف الفرنسى الشهير سارتر فى لوحاته عندما شاهدها أثناء زيارته لمصر، فقد أبدى إعجابه بالوجوه التى رسمها البهجورى لاقترابها فى الملامح من وجوه الفيوم الأثرية، والتى تعد أولى لوحات شخصية (بورتريهات) فى التاريخ.. وقد تناسلت تلك الوجوه كما هو معروف من تلاقح الثقافة المصرية القديمة والثقافة الإغريقية والرومانية.. حرص البهجورى على مصاحبة تلك الوجوه واستعارتها لنماذجه من أطفال ونساء وشيوخ الحارة المصرية منذ بداياته الفنية ومشاركاته الأولى فى المعارض، ولم تفارقه حتى مهجره الباريسى، وبطبيعة الحال تلونت وتبدلت وتجسدت بكل ما وقعت عليه يده من خامات أجاد التعامل معها، سواء أفضت تلك الخامات إلى مسطحات ذات بعدين أو مجسمات ذات ثلاثة أبعاد، وصارت تلك الوجوه ومشتقاتها أشبه بالعلامات الرامزة على نبع ثقافى وحضارى بعينه”.

الهوية المصرية بروافدها الفرعونية والقبطية والإسلامية كانت حاضرة بقوة طوال مشوار بهجورى وتجربته، بل إن واحدا من أهم أسباب افتتان بهجورى وهوسه وعشقه لبيكاسو هو أن الرسام العالمى كان مفتونا هو الآخر بالتراث المصري، وما أقوله ليس من قبيل الاستنتاجات، بل ورد كاعتراف معلن على لسان بهجورى:

“وربما يعود هذا العشق إلى اتجاه بيكاسو إلى المصرية، وكان أكبر وأكثر الذين يسخرون من هذا الاتجاه لديه الناقد الكبير ماكس جاكوب والشاعر الفرنسى شارل بودلير والشاعر جاك بريفير، كانوا يقولون له ساخرين: أعمالك المصرية سوف تصنع معرضا عبقريا!”.

ومن النقاد من لاحظ أن الملمح “القبطى” فى لوحات بهجورى يأتى دوما ممزوجا بملمح صوفي، فهناك على الدوام نظرة شفافة وزاهدة فى وجوه بورتريهاته، وشعور ما بالسكينة ينتاب المشاهد لأعماله، وهى ملاحظة أقرها بهجورى وقدم لها تفسيرا مقنعا:

“أولا بالنسبة للملمح القبطى فهذا صحيح إلى حد بعيد، وربما يعود ذلك إلى أن عائلتى كلها ذات ملامح قبطية صريحة جدا، وجميع أفراد هذه العائلة تربت فى الكنيسة، ولم أكتشف ذلك إلا حين اطلعت على وجوه الفيوم فى المتحف المصرى وفى جناح المصريات بمتحف اللوفر بباريس، حينها اندهشت من تشابه تلك الوجوه مع وجوه عائلتى وخاصة الوجوه النسائية، أما عن الملمح الصوفى لديّ فهناك الكثيرون ممن لمحوا ذلك عندى ونصحونى بدراسة الصوفية فى الإسلام، وعلى رأس هؤلاء الروائى المعروف جمال الغيطانى، وبالنسبة لى فقد تعاملت بشكل صوفى فى حياتى عموما، فمرسمى بباريس عبارة عن كهف مظلم يطلق عليه الفرنسيون “كهف على بابا”، وتخيل فوق ذلك أننى لا آكل شيئا من العاشرة صباحا حتى العاشرة مساء، وأحب سماع أشرطة الترانيم المسيحية والمدائح والأشعار الصوفية الإسلامية، وهو ما يجعلنى أتقرب شيئا فشيئا إلى روحى الداخلية التى تساوى الخط الوهمى فى اللوحة، حينها أكون هادئا وقادرا على التأمل بذهن صاف”.

(3)

وبلا مبالغة نقول إن ارتباط بهجورى الوثيق بتلك الروح والجذور والهوية المصرية هو الذى جعله بعد عشرين عاما من تغريبته الباريسية يترك الشانزليزيه ويعود إلى الغورية، حيث الأماكن والناس والحياة التى تأتنس بها نفسه ورحه وريشته..

فى العام 1997، بعد عودته، حصل بهجورى على منحة تفرغ من وزارة الثقافة فى وكالة الغوري، واستطاع أن يعيد الحياة للمرسم الذى أسسه صديقه الفنان حسن سليمان، وفى تلك المنطقة الساحرة من قاهرة المعز استوقفته مهارة صانعى “الخيامية”، فقرر أن يُخلد مهارتهم فى لوحاته، فى واحدة من أروع تجاربه الفنية باعترافه:

“مرحلة الغورية هى الأهم..  فقد وجدت هناك أقمشة السرادقات الإسلامية منتشرة جدا، وخاصة فى شارع الخيامية أشهر شوارع وكالة الغوري، وهناك وجدت الفنانين الشعبيين يجلسون ويصنعونها فى صبر وأناة غريبين فوق مصاطب الدكاكين وعلى أرصفة الشوارع، فذهلنى هذا الصبر الغريب وسحرنى.. وبهرنى هذا الفنان بفطرته المدهشة وتعامله مع أقمشته بقدسية غريبة، هذا المشهد الساحر جعلنى أرجع إلى مرسمى فى وكالة الغورى ودفعنى إلى تجديد إرثى من التراث القديم بكامله”..

فى باريس على جمالها وسحرها كان بهجورى يفتقد هذا الإرث، هذه الروح، هؤلاء الناس الذين ولد وعاش بينهم وألهموه لوحاته وأشعلوا خياله وجنونه.. وصفقوا له بحرارة على هذا الجنون.. ولذلك أصدق ما قاله الناقد الفنان عز الدين نجيب عندما قال إن هذا التصفيق الصادق هو الذى أعاد بهجورى إلى مصر بعد أن افتقده فى أوروبا.. لأن فنانا مثل بهجورى – كما كتب- يمكن أن يموت فعلا لو لم يشعر برد الفعل من الجمهور لما يقدمه من فن، إنه يعشق كونه نجما محبوبا ومعتبرا فى نظر قومه، يعشق أن يظل دائما كالساحر الذى يثير انتباه الجمهور بألعابه، فنراه فى أى مكان أو موقف ممسكا بقلمه الأسود السميك يرسم الوجوه والمشاهد اليومية بخط واحد، لا يتوقف حتى ينتهى الرسم، مبهرا الجميع بقدرة استثنائية على اقتناص اللحظة المراوغة فى عمل تعبيرى مدهش.. 

عاد بهجورى ليواصل جنونه وإبداعه، يسير فى شوارع وسط البلد بهيئته الأقرب إلى دراويش الصوفية أو رهبان الأديرة، يحمل حقيبته مطمئنا إلى وجود كراسته البيضاء وأقلامه بداخلها، ما إن يستقر على أحد مقاهيها حتى يستخرجها ليرسم ما يلفت نظره من مناظر ووجوه.. يرسم بتلك السرعة العجيبة التى لا ينافسه فيها أحد، ولا ينازعه آخر فى لقب أسرع من يرسم البورتريه.

إن جورج البهجورى – كما يقر النقاد ويعترفون – يعنى رسما بلا توقف، يرسم البورتريهات فى ثوان بأسلوب الخط الواحد دون أن يرفع يده من على الورقة بمنتهى البراعة والإيجاز، ولا يرفض طلبا لأى شخص يريد أن يرسمه، ودائما مختلط بالناس لا ينعزل عنهم، ويرسم طول الوقت فى جلساته أو تنقلاته.. ليبقى حالة متفردة فى تاريخ الرسم والكاريكاتير..