إيهاب عمر: الهوية تمثل الدرع الأول لحماية مصر وكل المنطقة الشرقية.

إيهاب عمر: الهوية تمثل الدرع الأول لحماية مصر وكل المنطقة الشرقية.

«مصر أولا ثم بدأ التاريخ».. يكشف المؤامرة على الهوية المصرية

“مصر جاءت ثم جاء التاريخ”.. جملة قالها نجيب محفوظ، دليلا على عراقة مصر وأصالة حضارتها، فكر فيها بعمق ودراسة الكاتب الصحفى والباحث إيهاب عمر، فمكث عشرين عاما يدرس ويبحث فى تاريخ مصر ليكشف عن حقائق عدة ويجاوب عن كثير من الأسئلة، وكان نتيجة سنوات البحث والدراسة كتابه “مصر أولا ثم بدأ التاريخ”.. يأخذنا الكتاب فى رحلة زمنية من تاريخ مصر عمرها أكثر من 12 ألف سنه، ويقف عند مرحلة العدوان الثلاثى فى عام 1956.

عن هذا الكتاب، الصادر عن دار مبتدأ، يقول إيهاب: الكتاب يتطرق للفترات التى يظن القراء والمثقفون أنها فترات غامضة فى تاريخ مصر، بينما المؤرخون واكتشافات الآثار وجدت إجابات لتلك الأسئلة وهذا الغموض، مثل أين ذهب جيش الفرس بقيادة قمبيز، أو المقاومة المصرية ضد الاحتلال الفارسى والعثمانى.. وحقيقة ما جرى فى سنوات الزعيم أحمد عرابى والحروب المصرية المجهولة فى أفريقيا فى زمن الخديو إسماعيل.

ويضيف: بهذا المنهج يتطرق الكتاب إلى صفحات مجهولة فى تاريخ مصر، منذ عصر ما قبل الأسرات حتى الانتصار فى العدوان الثلاثى عام 1956.. إضافة إلى الرد على أفكار المركزية الأفريقية والمركزية الأوروبية، ومحاولات صنع هويات بديلة للمصريين، وكيف كان التنوير المصرى مرتبطا بالحركة الوطنية والقومية المصرية وبعيدا عن الهويات البديلة الزائفة التى حاول الغرب صناعتها للمصريين من أجل أن ينسوا أصولهم.

وتأتى أهمية هذا الكتاب -كما يوضح إيهاب- فى التأكيد على الهوية الوطنية المصرية وضرورة التمسك بها، فى عصر تسعى فيه القوى العالمية لمحو المشاعر الوطنية، وتحييد الانتماء، الوطنى أو الدينى او الأيديولوجى، من أجل إنتاج مواطن العولمة الموحد المحايد، الذى لا ينتمى إلا للفيدرالية العالمية للعولمة فحسب، فإن صعود الحس الوطنى أو الفكر القومى فى سنوات ما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية (2008 – 2013) قد شكل الخطر الأكبر على العولمة وشبكة من المصالح الغربية التى تدير آليات هذه العولمة وحكومات الغرب من خلف الستار، وذلك على ضوء تفهم شعوب الغرب قبل الشرق أن الرأسمالية الدولية والعولمة النيوليبرالية ليست الحل الأمثل وأنه يجب إنتاج بدائل رأسمالية ودولية أخرى دون المساس بالسيادة الوطنية والدولة القومية الوطنية، وأيضا على ضوء تفهم الشعوب أن الاشتراكية، أو كافة مدارس اليسار الماركسية والشيوعية والتقدمية وغيــرها، ليســت الحـل علـى ضـوء انهيار الاتحاد السوفييتى ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، وتحول الصين عمليا إلى اقتصاد السوق الحر.

ومن هنا بدأت حرب ثقافية عالمية جديدة، ما بين التيار القومى والتيار النيوليبرالى، الذى أصبح يضم كافة التيارات القديمة غير القومية (اليمين المحافظ، الوسط الليبرالى، اليسار الاشتراكى)، وفى الشرق الأوسط فإن التطرف الدينى (الإسلام السياسى) أو الجناح الدينى للعولمة لعب هذا الدور فى محاولة محو القوميات وإنتاج قوميات دينية بدلا من القوميات الوطنية، تماما كما حاول اليسار فى القرن العشرين إنتاج قوميات اشتراكية ويسارية وتقدمية، بديلة عن القوميات الوطنية.

ويؤكد المؤلف أن مصر كانت فى قلب هذا الصراع من قبل هذه الحقبة بمئات السنين، على ضوء مسعى الغرب منذ بدء الصراع الدولى بين الشرق والغرب فى محو هوية مصر، وعلى ضوء تفهم الغرب منذ زمن الرومان الى أن هوية مصر كانت خط الدفاع الأول، ليس عن مصر فحسب، ولكن عن الشرق برمته. وراحت صناعة الهويات المزيفة والبديلة تتقاطر على الوعى الجمعى المصرى، ولاحقا حاول البعض تسييس الهوية والتاريخ بدمج تلك الهويات فى أكثر من بوتقة.

ويوضح أن قدماء المصريين تحدثوا باللغة المصرية القديمة، التى كان لها ثلاث أبجديات أولاهم الهيروغليفية، ثم نشأت الهيراطيقية والديموطيقية من الهيروغليفية، وكذلك نشأت منها الأبجدية السينائية الأولية والتى تطورت لاحقا لتصبح الأبجدية الفينيقية. ومن خلال الأبجديات الناشئة عن الفينيقية مثل الألفبائية اليونانية والأبجدية الأرامية، تعد الهيروغليفية المصرية أصل نظم الكتابة المستخدمة فى العالم. وأشار إيهاب فى مقدمة كتابه إلى أن جميع الدراسات الثقافية والجينية توضح أن الثقافة المصرية لم تتأثر بتلك الحضارات بل العكس الصحيح، كانت الحضارة المصرية القديمة هى أصل الفلسفة والعلوم لدى اليونان والرومان والعرب والمسلمين.

وهنا يؤكد عمر فى كتابه أن ما تبقى من هويات مزيفة أو بديلة فهو إرث استعمارى لم يضف لمصر والمصريين أى شىء، بل إن كل هؤلاء المستعمرين نهلوا من مصر وصنعوا من علومها حضارتهم وأفكارهم وفلسفتهم ولغاتهم، وحتى أصولهم العرقية يثبت العلم اليوم أنهم خرجوا من مصر قبل أن يعودوا إليها غزاة ومستعمرين. وظل المصريون منذ عشرة آلاف سنة حتى اليوم لديهم عرقهم ولغتهم وثقافتهم التى تعد وبحق أم كل اللغات والعرقيات والثقافات والأديان والفلسفة والفكر حول العالم.

ناقش الكتاب العديد من الموضوعات وطرح العديد من الأسئلة مثل هل نحن أحفاد القدماء المصريين؟ وماذا أوضحت الوثائق البريطانية عن الزعيم أحمد عرابى، ولماذا كانت ثورة يوليو حتمية تاريخية، والعدوان الثلاثى بعيون بريطانية.

ويرى عمر أننا نعيش فى حرب ثقافية وحرب عقول تحتاج إلى التنوير كمقاومة فكرية، ويجب أن يكون التنوير بمرجعية مصرية وطنية بحتة، وأن نكون حذرين من خطاب المؤامرة الذى يحاول تفكيك الهوية الوطنية، وكلمة السر دائما هى “المصريون”، ومصر هبة المصريين.