سماح الحريري: الدراما نتاج للواقع وليست انعكاسًا له

أشاد الكاتب الراحل “أسامة أنور عكاشة” بموهبتها وقال عنها إن كتاباتها متميزة وجاذبة وموضوعاتها تغوص فى مجتمعنا وتناقش مشاكله.
هى الكاتبة “سماح الحريرى” واحدة من أبرز مؤلفى الدراما حاليا التى استطاعت أن تحقق نجاحات عديدة بأعمال من أبرزها “الحقيقة والسراب”، “ساحرة الجنوب” “علاقة مشروعة”.. فى السطور التالية تتحدث معنا الكاتبة عن مسلسلها الجديد “حرب الجبالى” الذى يعرض حاليا ويحاكى الصراع الأزلى بين الخير والشر، كما تحدثت عن وضع الدراما الحالى وما تحتاجه لكى تتعافى من وعكتها الأخيرة.
حدثينا عن تفاصيل وأحداث مسلسل “حرب الجبالى”.
“حرب الجبالى” تدور أحداثه فى إطار اجتماعى شعبى واستعراض حكايات من لحم ودم تدور أحداثها فى صراع بين الخير والشر ذلك الصراع الأزلى الذى لم ينته فهو قائم منذ بدء الخليقة، كما أن العمل به العديد من الأنماط الدرامية التى تحاول بث بعض المبادئ التى يجب أن تكون موجودة بيننا ونتحدث عنها ونعرضها فى شكل حكايات تلامس الواقع وتحاكيه ويسلط الضوء على الكثير من الصراعات والنزاعات الموجودة التى نصادفها فى حياتنا اليومية، كما أن العمل يحمل العديد من الرسائل الإنسانية وبه نزعة صوفية روحانية تتخلى الأحداث لتصنع مزيجا فنيا مختلفا.
هل استغرق العمل وقتا طويلا فى كتابته؟
العمل لم يستغرق وقتا طويلا سواء فى الكتابة أو التحضير والتصوير حيث بدأنا التصوير أثناء كتابة الحلقة ٢٦ من العمل وقمت باستكمال كتابة باقى الحلقات أثناء التصوير، فالعمل يندرج تحت بند الدراما المطولة حيث يبلغ عدد حلقاته ٤٥ حلقة وتم تصوير جميع المشاهد والأحداث فى لبنان ولكنه عمل مصرى مائة بالمائة ليس هناك أى أحداث لبنانية أو أى تنويه عن ذلك فهو مشاركة مصرية من أول المخرج انتهاء بجميع الفنانين المشاركين بالعمل وتم عمل ديكور الحارة التى تدور بها الأحداث بشكل متقن واحترافى.
لماذا تركز معظم أعمالك على الحارة الشعبية والدراما الاجتماعية بشكل عام؟
الدراما الاجتماعية أو الشعبية هى أساس الشعب المصرى وهويتنا العربية المعروفة التى نعتز بها دائما فهى تعبر عن الناس البسيطة التى نقابلها فى الشارع بصفة يومية نجد بينهم ابن البلد الجدع وبينهم الشرير والطيب، فهناك طبقات كثيرة وفروق إنسانية ومشاعر حياتية نستطيع التحدث عنها فى الدراما الاجتماعية ونغوص فى أعماقها وحكاياتها فأنا أحب هذه النوعية من الدراما وأراها قريبة من قلوب الناس فعندما يشاهد الجمهور الأحداث يجدها قريبة منه وقد حدثت بالفعل معه أو مع أحد أقاربه وأصدقائه فهى تعرض هموم الناس وأوجاعهم وتواسى قلوبهم وتشعرهم بالطمأنينة وتعبر عن أفراحهم أيضا.
تعاونت مع معظم أبطال العمل أكثر من مرة.. أليس هذا تكرارا؟
يشارك فى “حرب الجبالى” عدد من النجوم الكبار وكل الأسماء الموجودة مضيئة لأنها أضاءت العمل بوجودها فأنا دائما أفضل البطولة الجماعية لأنها تعطى روحا مختلفة للعمل وتتيح للكاتب الكثير من التفاصيل والأنماط الدرامية المختلفة فى إطار درامى تشويقى فقد تعاملت مع الفنان رياض الخولى فى أكثر من عمل أذكر منها “أولاد عابد” ، و”أيام” ولكن دوره فى “حرب الجبالى” مختلف تماما عن الأعمال السابقة وهذا لا يعتبر تكرارا أو أن العمل يفقد رونقه وبريقه لأن القصة والأحداث مختلفة وليست متشابهة فليس هناك مانع من تكرار التعاون مع النجم فى أكثر من عمل لأن هذا يخلق نوعا من الراحة فى التعامل والدور يصل من خلاله بطريقة احترافية مثل ما كتب على الورق، والفنان رياض الخولى ملتزم دائما ويذاكر ويتقمص الشخصية من أول يوم تصوير، أيضا نجد أن هناك فنانين آخرين لهم نفس التقدير والاحترام مثل صلاح عبدالله وسوسن بدر وانتصار فالعمل يضم توليفة مميزة من أجيال مختلفة وأيضا المخرج المتميز محمد أسامة صاحب الرؤية الإخراجية الخاصة فهناك حالة من التفاهم والنقاش المتبادل بيننا بعد تعاونا معا فى مسلسل “أيام”.
هل تخيلت فنانا بعينه فى دور معين عند كتابة المسلسل؟
فى بداية الكتابة لا يمكن أن أتخيل فنانا محددا فى الشخصية التى أكتبها على الورق فهذا يقيدنى فى الكتابة ويعتبر هذا توظيف الشخصية على قدرات هذا الفنان الذى تخيلته يلعب الدور وهذا ليس مقبولا ولكنى عندما انتهى من كتابة عدد معين من الحلقات أستطيع أن أحدد الفنان حيث يتم توظيف الفنان على ما كتب فى السيناريو وليس العكس فأنا لم أكتب لفنان بعينه ولكن الشخصية على الورق هى التى تختار فنانها حيث يتم النقاش بينى وبين المخرج فى اختيار الشخصيات وعلى سبيل المثال نجد أن الفنان صلاح عبدالله هو التجسيد الحى لشخصية “الجبالى” التى ذكرتها فى السيناريو وأيضا النجم الشاب أحمد خالد صالح يقدم دورا مختلفا بعيدا تماما عن أدواره السابقة فهناك تناغم بين الشخصيات وتفاعل ومباراة تمثيلية أتمنى أن تعجب الجمهور.
ما تقييمك للوضع الدرامى الحالى؟
فى الحقيقة هناك أعمال كثيرة معظمها جيد وناقشت قضايا مهمة شغلت الرأى العام فى الفترة الأخيرة وهناك أيضا أعمال أخرى أساءت لنا كمصريين بشكل كبير فقد اعتمدت الكثير من الأعمال على التركيز على مواطن النقص وقامت بتغطيتها وعرضها بشكل فج بحيث أصبحت جميع الأحداث تدور فى إطار سلبى وتصدير الصورة السيئة طوال الوقت من سرقة ونصب وأفعال منافية للأخلاق والعادات والتقاليد وتم التغافل عن الإيجابيات والنماذج المشرفة فى المجتمع التى لها دور فى الارتقاء والتطور المجتمعى فلابد أن يكون هناك توازن فى طرح هذه النماذج على الجمهور فهناك سلبيات كثيرة فى العديد من المجتمعات ولكن لم تعرض بهذه الصورة وبهذا المنظور السلبى.
فى رأيك.. ماهى المشاكل التى تعانى منها الدراما حاليا؟
نجد أن أولى المشاكل التى تعانى منها الدراما وأحد أسباب هبوط مستوى الكثير من الأعمال “الورق” أى السيناريو إذا صلح السيناريو صلح كل العمل وإذا فسد السيناريو وكان غير لائق وقصته ضعيفة وبها الكثير من الفجاجة والألفاظ الخادشة التى طرأت على مجتمعنا مؤخرا فسد العمل كله حتى لو كان بطله نجما معروفا وله جمهور كبير، ثانى مشكلة هى نجومية النجم أو المخرج هذه مشكلة أخرى حيث يصبح النجم هو المتحكم فى العمل فهو المركز الذى يدور فى فلكه كل عناصر العمل وهذا غير مقبول ولذلك فأنا أفضل البطولات الجماعية حتى لا أقع فى هذه المشاكل وأكون مؤلفة أفصل الشخصية على مقاس الفنان فقد تعاملت مع نجوم كبار وقامات فنية كبيرة ولم يتدخل أحد فى كتاباتى ولم أقم بتعديل كلمة فى أى سيناريو.
الدراما مرآة الواقع.. ما رأيك فى هذه المقولة؟
أرى أن الدراما ليست مرآة للواقع ولكنها إفراز للواقع وتعبر عن الواقع بشكل من الأشكال وليست مرآة له أو مطابقة له وإلا هذا سوف يقيدنا فى الكتابة ولا يعطى لنا مساحة للإبداع والابتكار لموضوعات جديدة تكشف جوانب معينة فى الواقع فلابد من وجود حس إبداعى ودرامى فى العمل فليس كل ما يحدث فى المجتمع يتم تسجيله وعرضه كما هو، فعندما أقوم بكتابة عمل معين فأنا لا أقتبس أحداثى من الواقع أو أشخاص حقيقيين ولكن من وحى الخيال ولا أنكر أن هناك أحداثا وحكايات واقعية تحدث زخما بداخلى يخرج أثناء الكتابة ويصنع حالة درامية مختلفة.
هل ترين أن الدراما قادرة على تغيير الواقع والمساهمة فى حل مشكلات المجتمع؟
أرى أن دور الدراما الأساسى هو العمل على تغيير وتعديل جوانب كثيرة من الواقع لأنها تحدث نوعا من أنواع الإثارة وتسلط الضوء على مشكلة مؤرقة فتحرك الجهات المسئولة على حلها وهذا يتوقف على مدى الاستجابة، فالدراما لها دور كبير فى هذا ولا يمكن إغفاله فنجد أن مسلسل لام شمسية كان له دور فى كشف الستار عن قضية مهمة وجعل الآباء والأمهات يركزون أكثر مع أولادهم فعندما عرض العمل أحدث صدى كبيرا وكشف عن قضية شائكة مسكوت عنها والكثير لا يتحدث عنها، فعندما كتبت مسلسل القاصرات وناقشنا زواج الفتيات الصغار أذكر وقتها تحرك المركز القومى للمرأة وسن قوانين معينة حدد من خلالها سن الزواج القانونى وهو ١٨ عاما وكان وقتها العمل الوحيد الذى تناول هذه الفكرة فكل عمل يناقش قضية رأى عام يساعد فى تغيير الواقع، كما ناقشنا الزواج العرفى من خلال دراما الحقيقة والسراب.
ما هى الروشتة التى تنصحين بها للارتقاء بمستوى الدراما؟
الاهتمام بالكتابة أولا فلابد أن يكون الورق أو السيناريو هو المتحكم الأول والأخير فى العملية الدرامية ولا يقع تحت سطوة النجم فيتحكم فى تفاصيله ويشكله كما يريد فهناك فنانون كبار قدموا أدوارا سيئة لا تليق بتاريخهم الفنى الطويل وذلك نظرا للورق المكتوب فالفنان ماهو إلا تجسيد لما هو مكتوب وأيضا المخرج فهو يترجم ما كتب فى السيناريو فى شكل صوت وصورة، إذن المتحكم الرئيسى والأساسى هو السيناريو فإذا أختير الورق والقصة بشكل محترف فالسيناريو الجيد له الأولوية فى الظهور على الشاشة، فالمؤلف هو المسئول الوحيد عن تطور الدراما وزيادة وعيها والمساهمة بشكل كبير فى حل المشكلات التى تطرأ على مجتمعنا.