إسراء جعابيص: الاحتلال جعل حياتنا جحيمًا وفرحنا في العيد يأتي من مصر

إسراء جعابيص: الاحتلال جعل حياتنا جحيمًا وفرحنا في العيد يأتي من مصر

من بين عشرات الأسيرات الفلسطينيات برز اسم  إسراء جعابيص  التى كانت هناك مطالب بتحريرها، أصبحت إسراء جعابيص أيقونة للصمود الفلسطيني، بعد ثمانى سنوات قضتها فى سجون الإحتلال  خرجت أقوى مما كانت عليه قبل أسرها كما صرحت لنا ..

اسمها إسراء رياض جميل جعابيص، أسيرة محررة من القدس المحتلة، ولدت فى ٢٢ يوليو ١٩٨٤، فى القدس المحتلة بفلسطين، تردد دائما أن هناك من يدفع الثمن، وقضية فلسطين هى قضية تجمع العالم كله.

التقينا بها وأجرينا معها حوارا عن حياتها قبل وبعد الاعتقال والانتهاكات التى تعرضت لها داخل سجون الإحتلال، كما تحدثت عن زيارتها الأولى لمصر وعشقها لأفلام عادل إمام وأغانى أم كلثوم والإسكندرية.

 كيف تغيرت حياتك بعد الاعتقال؟

تم اعتقالى فى الحادى عشر من أكتوبر عام ٢٠١٥، وتم تحريرى من سجون الإحتلال فى ٢٦ نوفمبر  عام ٢٠٢٣، وقد شكل الاعتقال حالة انقلاب فى حياتى التى كانت مختلفة عما بعد الاعتقال.

كنت أدرس تربية خاصة فكنت المهرج والحكواتى التربوي، وكنت مبادرة فى المجال التطوعى سواء فى المدارس أو المستشفيات، وكنت أساعد الطلبة فى أمور كثيرة مثل جمع المال للطلبة ممن يحتاجون المساعدة وغيرها من الأمور.

درست تخصص خدمة اجتماعية، وحصلت على دبلومة  TOT تدريب مدربين كوتشينج، درست فراسة  وحصلت على ما يقارب عشر دورات فى التنمية البشرية، ودورات فى القانون الدولى والإنساني، وتعلمت الكثير من الحرف اليدوية وعلمتها للآخرين، وتعلمت الخطوط مثل خط الرقية والأندلسى والحديث، وتعلمت من تجارب الآخرين، ومن تجاربى الخاصة، وتعرفت على كثير من الثقافات  من خلال التعرف على الناس أو قراءة الكتب.

أما حياتى الزوجية فكانت عادية، كنت أم وأعمل، وإلى جانب تخصصى عملت مساعدة تمريض وإسعاف أولي، وحصلت على كثير من الدورات فى اللغة البرية والخياطة والتجميل، وكنت أقضى وقتى فيما تعلمته ودرسته فى حياتي، ومن خلال تخصصى فى التربية الخاصة جعلنى أساعد نفسى على النهوض من جديد، فدخلت فى مجال التطوع، فكنت أتعامل مع ذوى الهمم، وعندما كنت أراهم، شاهدت الكثير من أشكال الإعاقة، ما جعلنى أفكر أن كل الإعاقات ليست إعاقات، ولكن المعيق الوحيد هو عدم وجود العقل، والحمد لله خلال فترة اعتقالى ومن خلال تخصصى فى التربية الخاصة والخدمة الاجتماعية كان له أثر إيجابى جدًا، وكان أحد الأبحاث والتقارير التى قمت بها داخل السجن وأخرجت منه ثلاثة أسئلة بحثية أخرى للطلبة والباحثين بحيث أن يتمكنوا من البحث فى المجالات الأخرى فى ميدان المعتقلات عن “أثر التعليم المجانى على الأسيرات الفلسطينيات فى سجون الإحتلال”.

وكنت أرسم داخل المعتقل وأكتب وأتأمل أحاول الخروج  بأفكار جديدة وأحاديث ذاتية وفلسفة اقتبسها من الآخرين بحيث تكون داعمًا لموقفى الخاص أو موقف الشعب.

 ما الانتهاكات التى شاهدتيها فى المعتقل والتى تعرضت لها؟

كان هناك انتهاك لحقوق المرأة  والطفل والإنسان بشكل عام وانتهاء للمواثيق والمعاهدات  الدولية واتفاقية جنيف الثالثة والرابعة، وأيضا اتفاقية حقوق الإنسان فى الحفاظ على حقوق أسير الحرب، فكانت انتهاكات متعددة  من قبل مصلحة السجون الإسرائيلية “الشاباك” التى تنتهك حقوق الأسير الفلسطينى بشتى الطرق، من خلال الإهمال الطبى والمماطلة فى العلاج وسوء النظام الغذائي، وتعمد وضع نظام غذائى سيئ للأسير، وكذلك وضع إضاءة غير جيدة بحيث تضر نفسية الأسير، ووضع أسرة وخزائن وأبواب من حديد وكل ما يحيط بالأسير حديد، والكثير من الأشكال التى تؤثر على نفسية الأسير التى تسبب له أمراضاً عضوية، كمثال المسكنات التى هى السبب الأول فى المرض العضوى الذى يصيب الأسير، وأيضا إعطاء الأسير أدوية غير مناسبة لحالته.

 صف لنا شعورك لحظة إطلاق سراحك؟

أول يوم لى بعد إطلاق سراحي، من المفرح أن يتحرر الإنسان؛  لكنه شيء مبكى أيضا عندما يكون الناس كلها جراح وآلام، ومن المبكى أن أرى أهلى وقد تعرضوا للأذى،  وكذلك أهل بلدى وشعب فلسطين وغزة، وكل أهلى خاصة أمى وأبى وأشقائى  تعرضوا للضرب، وأيضا شقيقتى تعرضت هى الأخرى للضرب، كما تم إخراج عائلتى من المنزل يوم الإفراج عني، وتم وضع الكلبشات فى يدى حتى وصولى باب منزلنا الساعة الثالثة ليلا، بعد تحقيقات مستمرة من يوم ٢٥ نوفمبر حتى يوم ٢٦ نوفمبر فجرا، والساعة الثالثة فجرا تم تسليمى لأهلي.

 كيف ترين الحياة من جديد بعد إطلاق سراحك؟

كان الشعور بعدم الراحة وعدم الأمان، ودائما كنت خائفة من أن ينقضوا العهد، ويتم اعتقالى مرة أخرى مع بعض الأسرى كما حدث من قبل مع بعض المفرج عنهم، وكنت متخوفة أن تتوفى والدتى بسبب مرضها بالسرطان، كنت خائفة من ألا أحصل على علاجى فكنت فى حالة صراع داخلى ذاتى وصداع حياتي، لذلك كان قرار لجوئى إلى الأردن للعلاج لأنه فى كلتا الحالتين إذا لم أستطع أن أنقذ نفسى فلن أستطع أن أنقذ العالم.

 ما الذى كان يهون عليكى مرارة السجن؟

شوقى وحنينى لأهلي، ومحبتى لهم وذكرياتى معهم، وحب الناس الذين رأيتهم داخل المعتقل، وابتسامتهم فى وجهى ودعمهم لى من خلال الكلام المعنوي، أو حتى من خلال بعض الصدمات التى تعرضت لها من قبل الأسيرات، أو من قبل السجان نفسه، والكثير من المواقف التى عشتها داخل المعتقل، سواء كانت إيجابية أو سلبية، أيضا من الأمور التى كانت تهون على الاعتقال أننى وجدت هناك من آلامهم أكبر من آلامي، ويعانون  من صعوبات أكثر فى الحركة، ومن جراح أكبر، ومن يعانون من نزيف كبير من جراحهم ومشكلات وأمراض عضوية كل ذلك كان يهون على مصابي.

 من كان يزورك فى المعتقل؟

كان يزورنى والدى ووالدتى وأشقائى وطبعا المحامين.

والأسيرات داخل الزنازين  كن يزورنى فى زنزانتى وأزورهم فى زنازينهم.

 كيف كنت تتابعين أخبار ما يحدث فى خارج المعتقل والأوضاع فى فلسطين خلال اعتقالك؟

وجود أكثر من راديو فى غرفتى ساعدنى على متابعة ما يجرى بالخارج، فكان فى غرفتى سبعة أجهزة راديو بحيث إذا تم سحب واحد يكون عندى بديل.

 كيف كنت تقضين وقتك خلال سنوات وجودك فى الأسر؟

كان من خلال قراءة الكتب أو زيارة الأسيرات وحضور ندوات معهن وعمل فعاليات يقمن بإعدادها أو أقوم بإعدادها أو نتشارك فى تنظيمها معا من خلال مشاركتى كمسئول  فى إحدى اللجان المسئولة عن القاصرات فترة من الوقت حتى خروج القاصرات، وأيضا فيما بعد انتقلت للجنة أخري، وهى إعداد الفعاليات الداخلية إن كانت ترفيهية أو مساعدة الأسير على الخروج من ضوضاء وضجيج المعتقل قدر المستطاع، فكنا نحاول أن نخرج أنفسنا من وحل الأسر فقط لا غير، فالسجن ليس مكانا للمتعة أو السعادة ولكن للتخفيف عن بعضنا شيئا من الألم.

 متى فكرت فى كتابة روايتك فى المعتقل؟

من بداية اعتقالى راهنت الإحتلال أنى قادرة أن أمسك حبة البذرة والإبرة والقلم وأنى قادرة على النهوض من جديد، وكان المحقق يراهن على أنى سوف أموت وأخرج من السجن إما محمولة جثة أو أخرج  مجنونة، لكننى راهنت أننى سأخرج أقوى من السابق، والحمد لله خلال فترة اعتقالى بفضل الله ورغم الظروف الصعبة خرجت من المعتقل وعقلى سليم.

وأدعو الفلسطينيين إلى ترك  ما مضى والتركيز على الوقت الحالي، وعلينا التحدث بشكل إيجابى ولننظر لما هو مشترك، فعدونا واحد والمقاومة بشتى الطرق بالسلاح والقلم والفن التشكيلي، علينا توحيد الصفوف الداخلية من خلال المقاومة الإيجابية دون الرجوع للخلف.

 لمن كنت تقرأين داخل المعتقل؟

كنت أقرأ كتابين مهمين لإبراهيم نصر الله خاصة روايته “أرواح كلمنجارو” ساعدتنى قراءتها كثيرا على تخطى آلامي، وبفضل بعض الطالبات كن يدفعنى للتقدم فى بعض لحظات ضعفى وتبسم الناس حولى كل ذلك ساعدني.

لإبراهيم طوقان وغسان كنفانى ومحمود درويش وكثير من الكتاب الفلسطينيين وكتب فى علم النفس.

 لماذا اخترت اسم “موجوعة” و”فضفضة” لكتاباتك؟

لمواقف وظروف عشتها كمثال، عندما مثلت أمام المحكمة قلت كلمة “موجوعة” وتمت معاقبتى على كلمة واحدة ،أما “فضفضات” فهى كل ما ألم وجال بخاطرى طوال فترة اعتقالي، فكانت محادثة للذات والآخرين وفضفضة لأمى وأهلى ورسالة للآخرين عن فحوى الأدب الإنسانى الذى يحاكى الإنسانية وهو أدب السجون، لذلك كانت بداية انطلاقى هى كيف أكون أنا من جديد، من سقوط بين أيدى الغاشمين لدى مصلحة السجون الإسرائيلية “الشاباك” فكان ذلك بداية سؤالى كيف أكون أنا من جديد هو روايتى الأولي.

 ما الذى تحلمين به؟

بصوت كله قوة وعزيمة أجابت: حلمى أن أستعيد حقى وحق بلدي، وأن أعود إلى بلدى وأتمتع به دون خوف أو تردد، دون أن يمنعنى أحد من الكلام أو التصرف، أحلم بزيارة الأقصى، وأهالينا دون قيود أو حواجز، وأخيرًا أحلم أن نتخلص من الإحتلال.

 هل هى المرة الأولى التى تزورين فيها مصر؟

نعمٌ.

 هل هناك مكان كنت تحلمين بزيارته فى مصر؟

متشوقة لزيارة الإسكندرية؛ وإن شاء الله أزورها، زرت الحسين وذهبت لسوق فى مصر وشاهدت النيل، وتجولت بالسيارة فى الدقى وشوارع القاهرة والجيزة، وتناولت كشرى فى “مطعم أبو طارق”، والتقيت بعدد من الشخصيات البارحة فى مصر مثل حمدين صباحى والصحفى والإعلامى مصطفى بكري، والفنان محمد صبحي، وسوف أزور مصر مرة أخرى بعد عيد الأضحى ومعى الإصدارين من كتاباتى “موجوعة” و”فضفضات”.

 هل تشاهدين أعمالًا فنية مصرية ؟!، وهل هناك فنان تتابعين أعماله؟

ضحكت، وقالت : أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وشيرين عبد الوهاب من الجيل الجديد، وأحب أن أقرأ لهشام الجخ وكنت أشاهده فى التليفزيون، وأحب فيلم زكى شان، ومن الفنانين أحب مشاهدة  أفلام  عادل إمام وتامر حسنى وأحمد زكي، وأشياء ترفيهية من هذا القبيل، “الحياة صعبة، إحنا اللى بنجملها، العيد ما بيجيلنا، العيد إحنا اللى بنجيبه ونصنعه”.. جملة اختتمت بها الحوار، وخلصت حياة الفلسطينيين فى ظل الإحتلال الإسرائيلي.