قرارات ترامب لطرد الطلاب الأمريكيين في الجامعات الذين يؤيدون القضية الفلسطينية

قرارات ترامب لطرد الطلاب الأمريكيين في الجامعات الذين يؤيدون القضية الفلسطينية

هارفارد.. كولومبيا.. وأخواتهما

وسط انشغاله بمهام الولاية الجديدة، لا يغمض جفن دونالد ترامب قبل التأكد من خرَس طلاب جامعة هارفارد، وكتمان الأصوات المناوئة لحرب الإبادة الجماعية فى قطاع غزة؛ فقبل حفل تنصيبه توحَّد طلاب الجامعة المغتربين، ونادوا فى مسيرات منظمة بحتمية إنهاء جرائم التصفية العرقية، ورفضوا مشاريع تهجير الفلسطينيين، التى انطلقت من حناجر اليمين الإسرائيلى المتطرف بعد 7 أكتوبر 2023.

الرئيس الجمهورى الموالى لإسرائيل أكثر من غيره، أصدر قرارًا فور توليه المنصب بطرد الطلاب المغتربين من الجامعة، أو بالأحرى تشتيت الطلاب عبر نقلهم من جامعة هارفارد إلى جامعات أخرى. ورأى مراقبون فى واشنطن أن إدارة ترامب تواصل محاربة إدارة الجامعة المرموقة، ومنعها من قبول الطلاب الأجانب.

وفيما انتقل الطلاب المسجلين فى الجامعة إلى مؤسسات أخرى بموجب قرار ترامب، واجه المعارضون فقدان شرعية الوجود فى الولايات المتحدة، وكان من بين هؤلاء الأميرة إليزابيث، وريثة العرش البلجيكي. أما إدارة جامعة هارفارد فرفعت دعوى قضائية ضد الإدارة الأمريكية.

وريثة عرش بلجيكا الأميرة إليزابيث، كانت قد أنهت عامها الدراسى الأول فى جامعة هارفارد، لكن استكمال سنواتها للحصول على الشهادة فى الجامعة العريقة أصبح فى خطر. جاء ذلك بعد خطوة ترامب الدراماتيكية، التى تضمنت إلغاء تصريح الجامعة بتسجيل الطلاب الأجانب. وصاغ البيت الأبيض القرار فى سياق اتهامات، اعتبرت رفض الجرائم الإسرائيلية «دعمًا للإرهاب، وتشجيعًا للعنف، ومعاداة السامية»؛ كما هددت الإدارة الأمريكية بتطبيق القرار على مؤسسات جامعية أخرى تنتهج مسار هارفارد.

 انتهاك صارخ

وإلى جانب حصار حرية التعبير وسط بيئة تدعى الديمقراطية، تنطوى خطوة الإدارة الأمريكية ضد هارفارد على ضربة مالية عنيفة للمؤسسة الجامعية المرموقة، التى طعنت من جانبها فى قانونية القرار، مشيرة فى حيثيات الدعوى القضائية إلى «سعى إدارة ترامب للانتقام من الجامعة وطلابها المعارضون لممارسات جيش الاحتلال فى قطاع غزة». ورأت إدارة الجامعة أن «القرار يعكس تسييسًا لحق الطلاب فى التظاهر، وافتئاتًا على حرية التعبير داخل أسوار الحرم الجامعي، فضلًا عن تأييد أعمى وغير محدود لإسرائيل». وجاء فى الدعوى التى رفعتها هارفارد أمام المحكمة الفيدرالية فى بوسطن، أن «حظر تصريح الجامعة بتسجيل الطلاب الأجانب، يعد انتهاكًا صارخًا للتعديلات الأولى التى طرأت على الدستور الأمريكى والقوانين الفيدرالية الأخرى، فضلًا عن آثار القرار المخيبة للآمال، سواء على مستوى إدارة الجامعة، أو على أكثر من 7 آلاف طالب من حاملى التأشيرات».

وتنضم الخطوة إلى قرار إدارة ترامب السابق، الذى نص على إلغاء منح بقيمة 2.7 مليون دولار، كانت جامعة هارفارد تعتزم تلقيها بعد المصادقة عليها فى شهر أبريل الماضي؛ بالإضافة إلى قرار أكثر خطورة جمَّدت الإدارة الجمهورية بموجبه 2.2 مليار دولار من التمويل الفيدرالى الخاص بالجامعة ذاتها.

 التنوع والشمول

اللافت أن خصومة إدارة ترامب مع إدارة هارفارد وعدد من الجامعات الأخرى انطوت على تحذير مباشر من الهجوم على إسرائيل وبالتالى تأييد شرعية القضية الفلسطينية سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين فى البيت الأبيض أن «كل من يدعم الفلسطينيين يعد إرهابيًا فى نظر إدارة ترامب». ويلوم القرار أيضًا كافة المؤسسات الأكاديمية التى لم تتخذ موقفًا متشددًا بما فيه الكفاية ضد الطلاب الداعمين للحق الفلسطيني. وقالت الصحيفة فى تقريرها إن إدارة ترامب تعتبر سماح الجامعات للطلاب بالتظاهر ضوءً أخضر لمعاداة الطلاب الإسرائيليين واليهود بشكل عام داخل وخارج أسوار الحرم الجامعي؛ زاعمة أن «برامج «التنوع والشمول» (DEI) فى الجامعات الأمريكية تُمنح فقط للطلاب التقدميين، ولن يحصل عليها نظرائهم من مثيرى الشغب داخل الجامعة».

أما فيما يخص ردة فعل العائلة الملكية البلجيكية على قرار إدارة ترامب، فصدر عنها بيان يشير إلى أن «الأميرة إليزابيث أكملت للتو عامها الأول. ولن يتضح تأثير إدارة ترامب على قرارها إلا خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة». وأضاف مدير الاتصالات فى القصر الملكي: «نحن ندرس الوضع حاليًا. نترك الأمور تسير على ما يرام الآن، ومن الممكن أن يطرأ جديد خلال الفترة المقبلة».

الأميرة البالغة من العمر 23 عامًا هى الأكبر بين أبناء الملك فيليب والملكة ماتيلد الأربعة؛ وقبل أن تبدأ دراستها فى جامعة هارفارد، كانت قد أكملت دراسة السياسة والتاريخ فى جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة. وتدرس الأميرة حاليًا للحصول على درجة الماجستير خلال عامين فى السياسات العامة بجامعة هارفارد. ووفقًا لموقع الجامعة على الانترنت، توسع درجة «السياسة العامة» آفاق الخريجين وتشحذ مهاراتهم للتخصص مستقبلًا فى عمل ناجح.

 تعديل المسار

لكن كل ذلك لم يمنع وزارة «أمن الوطن» الأمريكية من اتهام جامعة هارفارد بالتعاون مع الحزب الشيوعى الصيني، وتشجيع ما وصفته بـ«العنف ومعاداة السامية بين طلابها». وفيما اعتبره مراقبون فى واشنطن مساومة على حق، قالت وزيرة «أمن الوطن» كريستى نوام: «إن إمكانية تسجيل الطلاب الأجانب والتمتع بالدخل المرتفع المصاحب لها امتياز وليس حقًا. منحنا جامعة هارفارد أكثر من فرصة لتعديل مسارها لكنها رفضت. ونتيجةً لذلك، فقدت اعتمادها لبرنامج الطلاب والزوار الدوليين. فليكن هذا بمثابة تحذير لجميع الجامعات ومؤسسات التعليم العالى فى جميع أنحاء البلاد».

وجاء بيان الوزارة الأمنية بعد مطالبة كريستى نوام فى 16 أبريل الماضى جامعة هارفارد بتزويدها بمعلومات مفصلة وشاملة عن المخالفات والسلوكيات «غير اللائقة»، التى يمارسها الطلاب الأجانب فى الحرم الجامعي، بما فى ذلك أولئك الذين شاركوا فى الاحتجاجات ضد إسرائيل. وحذرت الوزارة حينها من أن رفض الامتثال لهذا الطلب من شأنه أن يؤدى إلى إلغاء تصريح هارفارد بتسجيل الطلاب الأجانب. ونظرًا لعدم تجاوب الجامعة، نفذت الوزارة الأمنية تهديدها.

وفى إطار مسلسل تقويض الحريات، وكبح جماح التعبير عن الرأى فى أكثر من جامعة أمريكية، أعلنت إدارة ترامب أيضًا أن جامعة كولومبيا انتهكت الحقوق المدنية لطلابها، وفقًا لنتائج تحقيق، وسط الصراع المستمر بين إدارة جامعة نيويورك والإدارة الأمريكية بشأن ما يوصف بقضايا معاداة السامية فى الحرم الجامعي. وجاء فى البيان المصاحب للإعلان أن الجامعة أظهرت «لامبالاة متعمدة» تجاه المضايقات التى تعرض لها الطلاب اليهود منذ 7 أكتوبر 2023، واعتبر البيت الأبيض ذلك انتهاكًا لقانون الحقوق المدنية الفيدرالي، وقال فى بيانه إن «الجامعة لم تحقق فى حوادث حمل الصليب المعقوف، ولم تعاقب مرتكبيها، ولم تطبق قواعد الاحتجاج ضد المؤيدين للفلسطينيين عمدًا، ولم تتعامل بشكل صحيح مع شكاوى الطلاب اليهود».

 صمود وانحناء

وفيما صمدت جامعة هارفارد أمام قرارات ترامب التعسفية، انحنت لها جامعة كولومبيا، لا سيما بعد تهديد الرئيس الأكثر ولاءً لإسرائيل بتجميد 400 مليون دولار من التمويل الفيدرالى المخصص للجامعة، فوافقت إدارتها على تلبية مطالب ترامب، بما فى ذلك فرض عقوبات أكثر صرامة ضد المشاركين فى المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين.

لكن مقاومة هارفارد للرئيس الأمريكى لاقت تأييدًا لدى قاعدة كبيرة من الأمريكيين، إذ ارتدى ستيف كير، مدرب فريق «جولدن ستايت ووريورز» لكرة السلة، قميص فريق كرة السلة فى جامعة هارفارد، وقال فى مؤتمر صحفى إن «مدرب فريق هارفارد تومى أماكر صديقى وأرسل لى هذا القميص. أعتقد أن اليوم الذى ارتديت فيه القميص كان يومًا رائعًا، فأنا من أشد المؤمنين بالحرية الأكاديمية، وأرى أهمية تمكين جميع مؤسساتنا من إدارة أعمالها بالطريقة التى تريدها، ويجب ألا تخضع للابتزاز، وألا تُملى عليها الحكومة ما تُدرّسه وتقوله. هذا أغبى شيء سمعته فى حياتي، ولكنه يُجسّد واقع الأمور هذه الأيام. لذا، بهذه الطريقة أُعبّر عن دعمى لجامعة هارفارد».

وفيما فقدت جامعة هارفارد التمويل الفيدرالي، منحتها الحركات المعارضة للرئيس الأمريكى دفعة فى جمع التبرعات. وبحسب تقرير فى صحيفة الطلاب، تلقت الجامعة 88 تبرعًا كل 60 دقيقة عبر الإنترنت، وفى غضون 48 ساعة، وصلت التبرعات بالفعل إلى أكثر من مليون دولار. ورغم أن هذا المبلغ لا يشكل سوى قطرة فى محيط مليارات الدولارات التى جمدها قرار ترامب، إلا أن دعم المؤسسة الجامعية فى الاستقلال يعد أمرًا بالغ الأهمية بمنظور أغلبية الجماهير الأكاديمية فى الولايات المتحدة.