طائرتا “التنين القوي” و”الفتاة السمينة” تثيران القلق في حسابات إسرائيل

طائرتا “التنين القوي” و”الفتاة السمينة” تثيران القلق في حسابات إسرائيل

من قاعدة بنى سويف إلى ثكنات تل أبيب

دخلت الصين معادلة الفزع الإسرائيلى من مصر، فزيارة الرئيس شى جين بينغ المرتقبة للقاهرة، واستباقها بمناورات جوية مشتركة بين الجانبين، وتدعيم الجيش المصرى بمنظومات عسكرية صينية متطورة، أخلَّت جميعها بميزان القوى الإسرائيلى مع الجارة الجنوبية؛ وإذا كان هذا التوازن محسومًا للقاهرة مبكرًا بعد تحديث منظوماتها القتالية منذ فترة ليست بالقليلة، فلم يعد أمام تل أبيب سوى عض الشفتين، إثر تعاظم مفردات المشهد العسكرى القاتم.

مع تسريب حصول المصريين على مقاتلات صينية متطورة من طراز J-10 C، قلَّلت تل أبيب من كفاءة الطراز، واعتبرته نسخة بالغة  التواضع من مقاتلة الشبح الأمريكية F-35، لكن نتائج الحرب الأخيرة بين الهند وباكستان أثبتت سطحية تقديرات إسرائيل، وعزت انتصار إسلام أباد على نيودلهى إلى «التنين القوي»، وهو الاسم الكودى أو المشفَّر لذات طراز المقاتلة J-10 C.

لاحقًا، اعترف جنرالات تل أبيب بالخطأ، وزادوا عليه جلد الذات، وتحفيز موتور بسرعة التحرك لإحباط نقل منظومات الأسلحة الصينية إلى مصر، لا سيما مع قدرتها على تغيير قواعد اللعبة فى كامل منطقة الشرق الأوسط. وحسب تقدير موقع «نتسيف» المحسوب على دوائر عسكرية فى تل أبيب: «لابد من التعامل بجديَّة مع واقع خطير، فالثمن سيكون فادحًا عند المخاطرة بأمن إسرائيل».

وتنامى صراخ تل أبيب المكتوم بعد إجراء مناورات مشتركة بين القوات الجوية المصرية ونظيرتها الصينية، واعتبرتها إسرائيل حينئذ «صفعة على كتف» الولايات المتحدة قبل إسرائيل، تمتد توابعها «غير المحمودة» بمفهوم ميزان القوى، إلى تقزيم مفاهيم سابقة، ضمنت لإسرائيل تفوقًا عسكريًا نوعيًا فى منطقة الشرق الأوسط. وتأكيدًا لاعتقاد إسرائيل بانتقال المصريين مع الصين لمربع «الردع الإقليمى الأعنف»، تابعت تل أبيب رصد التطورات غير المسبوقة، مشيرة إلى إرسال سلاح الجو الصينى (PLAAF) طائرة إنذار مبكر إلى مصر، وهى المرة الأولى التى يتم فيها نشر مثل هذه المنصة الصينية الأكثر تطورًا ناحية الغرب.

 الإنذار المبكر

وفقًا لإسرائيل، انطلقت طائرة الإنذار المبكر، وهى من طراز KJ-500 من قاعدة «منهاد» قرب دبى إلى نظيرتها الجوية فى بنى سويف خلال الفترة ما بين 13 إلى 14 أبريل الماضي. إلا أن وزارة الدفاع الصينية أعلنت فى 16 من الشهر ذاته، اعتزام قواتها الجوية إرسال مثل هذه الطائرة إلى مصر، للمشاركة فى مناورات «نسور الحضارة 2025»، التى استبقتها تدريبات بحرية بين البلدين.

لكن تل أبيب التى تعاطت بفزع مع التطورات، أولت أهمية كبيرة للمناورات الجوية، واعتبرتها تكليلًا لتعاون عملياتي، وتعميق روابط الصداقة والثقة المتبادلة بين الجيشين المصرى والصيني، خاصة بعد وصول 6 طائرات نقل استراتيجية من طراز «شيآن Y-20 كونبنج» إلى مصر، وهو ما أثار مخاوف المراقبين الاستراتيجيين فى الولايات المتحدة وإسرائيل، وأعربوا عن بالغ القلق من تحولات توازن النفوذ والنهج الصينى فى المنطقة.

الطائرة الصينية من طراز Y-20، والملقبة فى ثكنات بكين بـ«الفتاة السمينة»، كانت كفيلة بزيادة الفزع الإسرائيلي، لا سيما بعد ارتفاع مؤشرات مشاركتها حينئذ فى المناورات الجوية. الأكثر إثارة للقلق الإسرائيلي، كان إجراء المناورات بعد مشاركة الصين البارزة فى معرض مصر الدولى للطيران، الذى جرت فعالياته أواخر أغسطس وأوائل سبتمبر 2024، وعرضت فيه الصين 7 طائرات مقاتلة من طراز J-10، وطائرة نقل Y-20. وفى تعليقها على مشاركة الصين فى المعرض المصري، قالت إسرائيل فى حينه «إنها المرة الأولى التى تقدم فيها الصين عرضًا فى دولة أفريقية، فضلًا عن كونه أبعد رحلة للمشاركة فى معرض جوى دولي». 

 اكتشاف الشبح 

تصاعد القلق حرض إسرائيل على تفتيش فى محركات بحث غير تقليدية، أفادت بتطوير الصين تكنولوجيا منظومات الرادار الخاصة بها، لتحسين قدرتها على اكتشاف الطائرات الشبحية الأمريكية، مثل F-22 Raptor وF-35 Lightning II. وعلمت بعمل عدد من العلماء الصينيين على أنظمة رادار مرتبطة بشبكة أقمار اصطناعية من طراز «بيدو»، يمكنها التحول إلى أنظمة بديلة مثل نظام تحديد المواقع العالمى الأمريكى (GPS)، أو نظام «جاليليو» الأوروبي، أو نظام «جلوناس» الروسي. بينما أكدت دراسات أخرى اطلعت عليها إسرائيل اعتماد الصناعات العسكرية الصينية فى إنتاج مسيراتها على إشارات تولدها التدخلات الكهرومغناطيسية، أو تلك التى تبثها شبكات الأقمار الاصطناعية التجارية مثل «ستارلينك»، لكشف حركة الطائرات الشبح. وتعكس هذه التطورات نموًا مستمرًا لقدرات الرادارات الصينية، وهو ما قد يعيد تشكيل المشهد التشغيلى للطائرات الشبحية، خاصة فى المناطق التى مزقتها الحروب.

وبعد المناورات الجوية المشتركة بين سلاحى الجو المصرى والصيني، أوصت تقديرات الموقف الإسرائيلى بحتمية متابعة ومعرفة حدود التكنولوجيا الصينية مقارنة بنظيرتها الأمريكية والإسرائيلية. ورأت ضرورة وضع التكنولوجيا الصينية الجديدة فى الاعتبار، والحيلولة دون استبعاد دمجها فى صفوف الجيش المصري، ومراعاة احتمالية مواجهة إسرائيل لتلك التكنولوجيا فى المستقبل!

 متاهات القلق

من مربع المواجهة التى تحدثت عنها إسرائيل، ألقت صحيفة «يديعوت أحرونوت» ضوءً غير مسبوق على متاهات القلق الإسرائيلي، مشيرة إلى أن المواجهة الدراماتيكية الأخيرة بين الهند وباكستان جذبت اهتمام دوائر أمنية حول العالم، إذ استحالت تلك الحرب إلى «معقل نيران» صينية، سبق واستوردتها إسلام آباد من بكين، وهى أسلحة لم يتم اختبارها فى ظروف قتالية عملياتية، ويخشى الغرب من استخدامها صينيًا فى هجمات مستقبلية، خاصة ضد تايوان. الدهشة الكبيرة خيمت على الجميع، بحسب تعبير الصحيفة العبرية، لا سيما فى ظل الانجازات الواضحة التى حققتها الأنظمة الصينية فى الصراع الهندى الباكستاني، خاصة عند النظر إلى مقاتلات J-10C، وصواريخ جو-جو BL- 15 بعيدة المدى، التى استخدمتها باكستان فى معاركها الجوية ضد الهند.

وما ضاعف قلق تل أبيب ومعها واشنطن، هو تحذير محللين عسكريين لدى الجانبين من أن التقدم العسكرى الذى أحرزته الصين فى السنوات الأخيرة ربما يكون أكبر من التقديرات السابقة. وبحسب هؤلاء، يعنى ذلك أنه لم يعد ممكنًا الاعتماد على افتراض تقليدى وقديم، يسوق لتفوق منظومات الأسلحة الأمريكية على نظيرتها الصينية. وحسب تقارير نسبتها إسرائيل إلى دوائر باكستانية، كانت المعارك الجوية مع الهند هائلة، شاركت فيها 125 طائرة مقاتلة من الجانبين، لكنها لم تعبر الحدود، وفصلت بينها مسافة 100 كيلو متر تقريبًا. وقالت إسلام أباد إن مقاتلات صينية من طراز J-10C، شاركت فى المعركة، وتمكنت من إسقاط 5 طائرات هندية فى هجمات بعيدة المدى.

 أول استخدام

الصحيفة العبرية نقلت اعتراف ضابط أمريكى كبير، استحوذت حرب الهند وباكستان على اهتمامه: «طائرات J-10 أسقطت طائرتين مقاتلتين هنديتين على الأقل باستخدام صواريخ جو-جو». وقال مصدر أمريكى آخر: «التقديرات تشير إلى أن الصواريخ جو-جو التى استخدمتها طائرات إسلام آباد فى المعركة هى من طراز PL-15 الصينية.

وتؤكد المعلومات أيضًا أن ساحة المعركة الهندية – الباكستانية شهدت أول استخدام عملياتى على الإطلاق لكل من الطائرة J-10 والصواريخ التى تحملها. ورغم غياب التحقق من تفاصيل المعركة ذاتها، قفزت أسهم الشركة الصينية المنتجة لهذا النوع من الطائرات Chengdu Aircraft Corporation بنسبة 40% فى يومين. وفى تصريح لشبكة CNN، قال سلمان باتاني، وهو باحث فى العلاقات الدولية من إسلام أباد: «يُوصف ذلك الآن بأنه المواجهة الجوية الأكثر كثافة بين دولتين نوويتين. هذه المواجهة تمثل نقطة تحول فى الاستخدام العملياتى للأنظمة المصنعة فى الصين».

ولا تبعد المعلومات عند تحليلها عن قلق إسرائيل من جارتها الجنوبية، فالطائرات الصينية J-10C، التى لعبت دور البطولة فى انتصار الباكستانيين على الهنود، هى الطراز ذاته الذى حصلت عليه القاهرة مؤخرًا، ووصفته تل أبيب وغيرها بالنموذج الثالث والأكثر تطورًا من الطائرات المقاتلة التى دخلت الخدمة التشغيلية فى الصين منذ عام 2006.

 لبؤة إسرائيل

المقاتلة، الملقبة بـ«التنين القوي»، هى طائرة أحادية المحرك ومتعددة المهام، وتعد جزءً من الجيل الرابع والخامس من الطائرات المقاتلة، وينظر إليها على أنها رد الصين على طائرة F-16 الأمريكية. تصميم أجنحة الطائرة على شكل دلتا، والأسطح الصغيرة فى المقدمة يعطيها شكلًا مضاهيًا لطائرة «اللبؤة» الإسرائيلية، وهى ذات الطائرة التى تم إلغاء تطويرها فى ثمانينيات القرن الماضي.

على أية حال، ترى إسرائيل أن الصين هدفت عند تصميم  J-10Cإلى منحها قدرة كبيرة على المناورة الجوية، ومساعدتها فى القتال الجوي، وعلى مر السنين خضعت لسلسلة من الترقيات، بما فى ذلك تثبيت نظام رادار AESA المتقدم، مما أدى إلى تحسين قدرتها بشكل كبير على تحديد الأهداف ومهاجمتها بدقة كبيرة ومن مسافة بعيدة، فضلًا عن تجهيزها بصواريخ جو-جو PL-15، وهى الأكثر تطورًا فى الترسانة الصينية، ويتراوح مداها ما بين 200 إلى 300 كيلومتر. أما مسافة نسختها التصديرية فتصل إلى 145 كيلو مترًا، إلا أن إسرائيل تجهل هوية النسخة التى تلقتها أو حتى باكستان من بكين.

فى محاولة للفت انتباه الغرب لما وصفته بالخطر الصيني، أشارت «يديعوت أحرونوت» إلى أن «الإنجاز الناشئ الذى حققته الأنظمة الصينية يشكل ناقوس إنذار للغرب». وتلاقت تحذيرات الصحيفة العبرية مع رؤية الباحث التايوانى شو هسياو هوانج من معهد أبحاث الدفاع INDSR، التابع لوزارة الدفاع التايوانية، إذ قال فى حوار لوكالة «بلومبرج»: «قد نحتاج إلى إعادة تقييم قدرات القتال الجوى للجيش الصيني، والتى ربما تكون قريبة من مستوى القوة الجوية التى نشرتها الولايات المتحدة فى شرق آسيا أو تجاوزتها بالفعل».

 ضبط النفس

وبينما آثرت الصين الرسمية ضبط النفس، وعزفت عن التعليق على التقارير التى تتحدث عن استخدام أنظمتها العسكرية، احتفلت الأكثرية الصينية على وسائل التواصل الاجتماعي، بما فى ذلك هو شيجين، رئيس تحرير صحيفة «جلوبال تايمز» السابق، وهو أحد أبواق النظام الشيوعي، مشيرًا إلى أن «مستوى الإنتاج العسكرى فى الصين تجاوز تمامًا نظيره فى روسيا وفرنسا».

بعيدًا عن إسرائيل وقلقها، يوضح أندرو سمول، وهو باحث فى صندوق «مارشال» الألماني، أن الصين لديها الآن فرصة ذهبية لاختبار عمل منظوماتها فى ظل «ظروف أكثر تعقيدًا وتحديًا من المعتاد». وفى لقاء مع صحيفة الـ«جارديان»، أكد أن «الأمر لا يتعلق فقط بالطائرات المقاتلة نفسها والصواريخ التى تحملها، بل يتعلق أيضًا بأنظمة الرادار الحديثة التى تستخدمها، والقدرات المتعلقة بالحرب الإلكترونية، والاستخدام الفعال لأنظمة الأقمار الاصطناعية».

وفى لقاء مع صحيفة «تليجراف»، قال فابيان هوفمان، وهو خبير من مركز تحليل السياسات الأوروبية ومقره واشنطن، إنه «إذا كان نجاح المنظومات الصينية صحيحًا، فيعد ذلك استعراضًا عامًا ومهمًا لقدرة الصين. هذه نقطة أخرى تشير إلى أنه إذا كان هناك صراع على تايوان، فليس من المفيد افتراض أن التكنولوجيا الصينية سوف تفشل بنفس معدل فشل التكنولوجيا الروسية فى الحرب فى أوكرانيا».

 دعاية قوية

بلال خان مؤسس شركة أبحاث أمنية مقرها «تورنتو»، انتقل للحديث عن تسويق المنظومات العسكرية الصينية فى منطقة الشرق الأوسط، وقال فى حوار مع شبكة CNN: «سيكون هناك اهتمام متزايد من جانب قوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشراء التكنلوجيا الصينية، لا سيما أن هذه القوى لا تستطيع فى الغالب الوصول إلى التكنولوجيا الغربية الأكثر تقدمًا». وأضاف فى توقعاته: «مع انسحاب روسيا نسبيًا من نادى مبيعات الأسلحة، نظرًا لانشغالها بالحرب فى أوكرانيا، تؤكد المؤشرات دخول الصينيين بقوة أسواق موسكو التقليدية، مثل: ـمثل الجزائر ومصر والعراق والسودان،ـ لتأمين صفقات كبيرة».

أما أنتونى وونغ دونغ، وهو محلل عسكرى بارز من ماكاو، فأكد أن حرب الهند وباكستان كانت بمثابة «دعاية قوية» من وجهة نظر صينية. وفى مقابلة مع شبكة CNN، أكد أن «الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، «مندهشة» من نتائج الحرب، وسوف تضطر الآن إلى أن تسأل نفسها عن مدى قوة «الخصم» أى الصين».

رغم ذلك، تلمح دوائر عسكرية فى تل أبيب إلى أن الصين لا تكتفى بما حققته، وإنما تواصل تطوير قدراتها العسكرية بشكل مستمر، فالطائرة J-10C، التى تجذب اهتمام العالم حاليًا ليست الأكثر تقدمًا على الإطلاق، لا سيما فى ظل تطوير الصين بالفعل طائرات مقاتلة شبحية، تنتمى للجيل الخامس من طراز J-20، علاوة على طراز J-35 الأكثر تقدمًا، لكن الطرازين لم يكتسبا حتى الآن خبرة عملياتية قتالية.

وفى سياق استشراف مستقبل الطائرات المقاتلة، لا سيما ما يسمى بـ«الجيل السادس» الذى يتضمن تقنيات التخفى وخصائص أخرى، تأمل الصين تجاوز الولايات المتحدة. ومنذ ديسمبر الماضي، تتداول وسائل التواصل الاجتماعى توزيع العديد من الوثائق حول إجراء تجارب على طائرة جديدة تعكف الصين على تطويرها. ورغم أن الطائرة التى يدور الحديث عنها لم تحمل اسمًا رسميًا حتى الآن، يطلق عليها الخبراء لقب J-36. وفى الصور المتداولة، تعمل الطائرة بثلاث محركات، ومصممة على شكل جناح طائر. أما الطائرة الأخرى التى تعمل الصين على تطويرها حاليًا، فيطلق عليها اسمًا رمزيًا هو J-50.