مقدمة التقرير المسائي بتاريخ 26-07-2025

مقدمة النشرة المسائية 26-07-2025
“من بعد هالعمر كبيرة المزحة هاي”// زياد الرحباني “لاحق تروح” و”صعبة العيشة هيك”/ والأصعبُ منها حينَ تبتلعُ اللغةُ الكلمات/ وأمامَ الخَسارة لا نجدُ ما نقولُه إلا بلسانِ مَن رَحَلوا// في خبرِ موتِك ومِن فَرْطِ أنانيتِنا لحضورِك المُثقَلِ بانكساراتِنا لن نصدِّقَ أنَّكَ ما عُدتَ بينَنا// من حقِّنا عليكَ أن تَظلَّ ساهراً علينا وإنْ نحنُ غَفَونا من زمنٍ/ ولأنَّ مَن مِثلُكَ لا يحقُّ لهُمُ الرحيلُ في أزمنتِنا الصعبة فإنَّ بلداً مثلَ لبنان بلا زياد الرحباني فقدَ عِلَّةَ فهمِه/ وأنتَ الذي بعينِ البصيرةِ الثاقبة رأيتَ إلى أين تتجهُ الأمور/ وبوعيِ العبقريِّ الملتزِمِ شؤونَ الناسِ البسطاء/ جعلتَ المسرحَ خَشَبةً في هواءِ البلد الطَّلْق/ وعليها نَطقتَ بأوجاعِ الناس وأفراحِهم وهمومِهم وأحلامِهم وواقعِهم المُرّ/ بالنقدِ حيناً وبالكوميديا السوداءِ أحياناً كثيرة/ نقّبتَ بين المعاني العابرة عن أبسطِ الكلمات لترسُمَ دواخلَنا على وجوهِنا وتَعبُرَ منّا إلينا/ وبتواضُعِكَ والتصاقِكَ معَ الشارع رسمتَ ضجيجَ الحياةِ ويومياتِها جُملاً على سُلَّمِ الموسيقى/ أَقمتَ للعشاقِ بيوتاً على أرصفةِ المدينة/ ودَعَوتَ الحبيبة لوليمة “الفَيْ” “ومش لا حدا هالفَيْ”/ وبالمسرحِ على طريقتِك كافحتَ وناضلتَ فأسَّسْتَ حزبَ الجماهير/ وأَوكَلتَ “لأبو الجواهر” إعدادَ نشيدَ الثورة/ وبإيماء فائق حميصي انتقدتَ الحداثة بشخصية أسامة الشاعر وقصيدة “هوَت سنوْنَوتي”/ وبالَّلحْنِ فجَّرتَ مقطوعة “يا أبو علي” وتركتَها مفتوحةً على التأويل والتفسير/ وجعلتَها مَعبراً لكلٍّ منَّا نحوَ مشاعرَ وأحاسيسَ وأمزجةٍ متضاربة// لم يمُتْ زياد/ هو فَتح ظلَّهُ وتَوارى خلفَهُ/ وإنْ مات فهو لم يمُتْ دُفعةً واحدة/ إنما بعد سِجلٍ حافلٍ بالخَيبات التي عايَنها وعايَشها/ وأعاد عَجنَها بخميرة التمرد على الواقع اللبناني من أول “سهرية” إلى آخر عنوان “بخصوص الكرامة والشعب العنيد”/ هَدم أسوارَ الوطنِ الافتراضي والوهمي المعلَّقِ على خَشبة/ وبَنى لنا وطناً مجبولاً من طينةِ الواقع المُرّ/ ومثلُ زوربا اليوناني أسَّسَ وطناً من الخراب على سُلَّمِ الموسيقى الجميلِ والكلمةِ التي تَنخرُ في الوجدانِ حتى النزيفِ الأخير/ ونَقل المدينةَ إلى المسرح/ فأبدَعَ “شي فاشل” وبالنسبة لبكرا شو” وفيلم أميركي طويل” و”نزل السرور”/ وبالسخريةِ المُرَّة حدَّ الجُرحِ تمرَّدَ حتى لامسَ أغوارَ مآسِينا/ وأنتَ الحاضِرُ رَغمَ الغيابِ بسيرةٍ مكتملةِ النضوجِ الفني الملتزمِ والوعيِ السياسي.. الآتي من حَسَبِ عاصي ونَسَب فيروز/ ومن بيت ألف باء اللحن/ خرجتَ إلى فضاءِ التلحينِ والتأليفِ الموسيقي/ ومن نعومةِ الأظافرِ الفنية بصمتَ بصمةَ العبقرية/ يعزُّ علينا يا زياد أن تكونَ خبر “كان”/ بعدما كنتَ مرآتَنا المتشظِّية/ ومن أولِ لحنٍ غنَّته لك فيروز/ نسمعُ صدى الأمِّ الحزينة وهي تردد “بعز عليي غني يا حبيبي ولأول مرة ما بنكون سوا”.