صندوق النقد الدولي: تعزيز النمو في الدول الناشئة من خلال الاستثمار الأجنبي… والدول المتقدمة بحاجة إلى التوفير.

صندوق النقد الدولي: تعزيز النمو في الدول الناشئة من خلال الاستثمار الأجنبي… والدول المتقدمة بحاجة إلى التوفير.

سجلت أرصدة الحسابات الجارية العالمية زيادة كبيرة بلغت 0.6 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي العالمي عام 2024. وبتعديل هذه الزيادة لمراعاة التقلبات المتعلقة بالجائحة وحرب روسيا في أوكرانيا، يتضح أنها تمثل انعكاسا ملحوظا عن مسار الانخفاض السائد منذ الأزمة المالية العالمية وقد تشير إلى تحول هيكلي كبير.

ويقدم تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي بشأن القطاع الخارجي لعام 2025 أحدث تقييم لهذه الاختلالات في أكبر 30 اقتصادًا، والتي تُمثل نحو 90% من الناتج العالمي. ويشكل هذا التقييم جزءًا أساسيًا من مهمة صندوق النقد الدولي لتشجيع التوسع المتوازن للنشاط التجاري والنمو الاقتصادي، وتعزيز التعاون النقدي الدولي.

ويشير التقرير إلى أن الفوائض أو العجوزات الخارجية لا تشكل بالضرورة مشكلة، بل قد تكون مرغوبة إلى حد ما. وعلى سبيل المثال، من المُحبذ أن تموّل الاقتصادات التي تتميز بارتفاع نسبة الشباب (الفتية) فيها أو بسرعة معدلات النمو جزءًا من تنميتها الاقتصادية برأسمال أجنبي. وعلى العكس من ذلك، قد تحتاج الاقتصادات التي ترتفع فيها نسبة كبار السن أو الأقل ديناميكية إلى زيادة الادخار، ويمكنها تحقيق عائدات أعلى من الاستثمارات العابرة للحدود.

ويواجه تقرير القطاع الخارجي مهمة صعبة في تقييم متى تكون أرصدة الحسابات الجارية ملائمة عموما — أي متوافقة مع الأساسيات الاقتصادية والسياسات المرغوبة للبلد المعني — ومتى تصبح مفرطة، مما يشير إلى مخاطر محتملة لاحقا بالنسبة لكل بلد على حدة أو الاقتصاد العالمي ككل. ويمكن أن تشكّل كلٌّ من العجوزات والفوائض المفرطة مصادرَ مخاطر.

وبالنسبة للبلدان التي تسجل عجوزات مفرطة، يتمثل الخطر الرئيسي في الزيادة السريعة في علاوات المخاطر والتي بلغت ذروتها بفقدان مفاجئ للقدرة على النفاذ إلى الأسواق، مما يُجبرها على الخضوع لتعديلات مفاجئة ومرهقة. فإذا كان البلد المعني له ثقل كبير في الاقتصاد العالمي أو كان شديد الترابط، فقد يُلحق الهبوط الاقتصادي المصاحب الضرر ببلدان أخرى.

وتنشأ مخاطر أيضا عن الفوائض المفرطة. أولًا، تُشير الفوائض المفرطة في بعض البلدان إلى عجوزات مفرطة في بلدان أخرى. ومن خلال تخفيض أسعار الفائدة، قد تدفع الفوائض المفرطة بلدانا أخرى إلى الإفراط في الاقتراض. وفي الحالات التي يتعذر فيها تعديل أسعار الفائدة العالمية بالنقصان — وهو ما يُسمى بفخ السيولة — قد تُؤدي الفوائض المفرطة إلى تراجع النشاط الاقتصادي عالميًا، كما أوضحتُ في دراستي. إن ارتفاع مستوى الفوائض في الاقتصادات الكبيرة قد يؤدي أيضاً إلى خلق اختلالات قطاعية حادة لدى الشركاء التجاريين وإثارة المعنويات الحمائية، مع ما يترتب على ذلك من آثار ضارة على الاقتصاد العالمي.

وغالبًا ما تعكس العجوزات أو الفوائض المفرطة تشوهات محلية — على سبيل المثال، سياسات مالية عامة تيسيرية للغاية في البلدان التي تشهد عجزا، أو شبكات أمان غير كافية تُسبب ادخارًا وقائيا مفرطًا في اقتصادات الفائض. وتقييم اختلالات الحسابات الجارية يستلزم تحليلا شاملا للمحددات الأساسية لقرارات الادخار القومي والاستثمار المحلي، وللسياسات المؤثرة عليها. وهذا إجراءٌ غير كامل، ولكنه ضروري.

ويتضح من تقييم لعام 2024 أن حوالي ثلثي الزيادة في أرصدة الحسابات الجارية العالمية مُفرطٌة في الواقع. إن الزيادة في الأرصدة الفائضة — وهي الأكبر منذ عقد من الزمان — ترجع في المقام الأول إلى الصين (+٠٫٢٤٪ من إجمالي الناتج المحلي العالمي)، والولايات المتحدة (-٠٫٢٠٪)، وبدرجة أقل إلى منطقة اليورو (+٠٫٠٧٪).

ويؤكد صندوق النقد الدولي وينبغي للبلدان مواصلة تعزيز قدرتها على الصمود من خلال تحسين الأساسيات الاقتصادية الكلية المحلية، بما في ذلك بناء الحيز المالي وترسيخ أطر سليمة للسياسات. ومن المخاطر الرئيسية التي تهدد الاقتصاد العالمي أن تلجأ البلدان إلى زيادة الحواجز التجارية لمواجهة الاختلالات المتزايدة، مما يؤدي إلى تفاقم التشرذم الجغرافي-الاقتصادي. ورغم أن التأثير على الاختلالات العالمية سيظل محدودًا، فإن الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد العالمي سيكون طويل المدى.