لبؤات الأطلس تفقدن اللقب لكن يحققن الاحترام العالمي

الكأس- عبدالله العبيدي
في مشهد كروي لا يُنسى على أرضية الملعب الأولمبي بالرباط، حضرت كرة القدم بكل تقلباتها، انتصاراتها وانكساراتها، لتسدل الستار على واحدة من أروع نسخ كأس أمم أفريقيا للسيدات.
المنتخب المغربي خسر اللقب، نعم، لكنه خرج من النهائي مرفوع الرأس، تاركًا خلفه انطباعًا عالميًا لا يقل قيمة عن الذهب الذي انتزعته نيجيريا في اللحظات الأخيرة.
كانت البداية مغربية خالصة. شوط أول مثالي، منظم، ومُبهر على المستويين الفني والذهني. دخلت لبؤات الأطلس المواجهة بلا عقد، بشجاعة من يستحق، وإيمان من تعلّم من دروس الماضي.
غزلان شباك، القائدة والهداف، فجّرت المدرجات بصاروخية لا تُرد، فتحت شهية الحلم، لتأتي بعدها المتألقة سناء المسودي وتضيف الثاني بطريقة لا تليق إلا بكبار النجوم.
في تلك اللحظة، كانت الرباط كلها تهتف: اليوم يتحقق الحلم.
لكن، كما في 2022، حين اقتربت المغربيات من المجد قبل أن يختطفه القدر أمام جنوب أفريقيا، تكرر المشهد هذه المرة، لكن بنكهة نيجيرية أكثر مرارة.
المنتخب المغربي، في الشوط الثاني، فقد زمام السيطرة تدريجيًا. ضغط الأعصاب، قوة الخصم، واللحظة المفصلية التي غيّرت كل شيء: ركلة جزاء بعد العودة لتقنية الـVAR.
هدف أول لنيجيريا، ثم تعادل سريع، ثم هدف ثالث في الدقيقة 88، خنجر في قلب الطموح، وصفعة على أملٍ عانق السماء قبل دقائق فقط.
من الناحية الفنية، لم يكن أداء المغرب في الشوط الثاني بنفس الانضباط الذي بدأ به اللقاء. التبديلات لم تؤتِ ثمارها، والخبرة النيجيرية فرضت كلمتها في المحطات الحاسمة.
لكن حين نُحلل الهزيمة، لا يمكننا تجاهل ما فعله هذا الجيل منذ صافرة الانطلاق في دور المجموعات.
البداية لم تكن مثالية: تعادل مخيب أمام زامبيا أثار الشكوك، ثم انتصاران على الكونغو الديمقراطية والسنغال أظهرا تحسنًا ملموسًا في الأداء الجماعي.
في ربع النهائي، انتصار صعب ومُستحق على منتخب مالي القوي، ثم ملحمة نصف النهائي أمام غانا، التي احتاجت لأعصاب من فولاذ لحسمها بركلات الترجيح، بعد 120 دقيقة من القتال والتماسك.
المغرب لم يصل إلى النهائي صدفة، بل عبر مسار حافل بالتحديات. وهذا المسار، هو ما منح الفريق احترامًا عابرًا للحدود.
فنيًا، أظهر الفريق تحت قيادة المدرب الإسباني خورخي فيلدا تطورًا مذهلًا في المنظومة التكتيكية. خطوط متقاربة، انضباط دفاعي واضح، وبناء هجومي يعتمد على تنوّع الحلول.
فيلدا، الذي جاء من تجربة عالمية مع منتخب إسبانيا، نجح في تغيير الذهنية داخل الفريق، وغرس شخصية تنافسية حقيقية، جعلت من المغرب مرشحة فعلية لا مجرد “مفاجأة لطيفة”.
ورغم الفوارق الفنية في عدد المحترفات بالدوريات الأوروبية، خاصة في نيجيريا التي تضم نجمات ينشطن في أكبر الأندية العالمية، إلا أن المنتخب المغربي كاد يُحدث المفاجأة، وفرض نفسه على خصم اعتاد احتكار الذهب.
أهمية هذه النسخة لا تُقاس بالنتيجة النهائية فقط، بل بالمكاسب والنظرة البعيدة.
المغرب الآن بات قوة معترف بها في الكرة النسائية. نجمات مثل شباك، المسودي، شابيل، وآخريات، صرن وجوهًا مألوفة في قلوب الجماهير. على مستوى الوطن العربي
وما بين صعود جديد إلى النهائي، وأداء مبهر أمام نيجيريا، وتصريحات الاحترام من خصوم كبار، كتبت لبؤات الأطلس صفحة جديدة مشرقة في كتاب الرياضة المغربية.تروا للأجيال
الخسارة، رغم مرارتها القاسية، لا تعني الفشل. بل تعني أن الطريق الصحيح بدأ، وأن هذه اللبؤات قادرات على العودة أقوى، أكثر نضجًا، وأكثر إصرارًا. في الاستحقاقات القادمة
الذهب لم يأتِ، لكنه بات قريبًا، قريبًا جدًا.
أما الاحترام العالمي؟
فقد فازت به المغرب من الباب الكبير.