عبدالسلام التويتي: مواطنون غربيون يقومون بإضراب عن الطعام احتجاجًا على الانتهاكات ضد سكان قطاع غزة.

عبدالسلام التويتي
الإضراب عن الطعام هو شكل من أشكال الاحتجاج السلمي المعاصر، ويتم فيه امتناع شخص أو أشخاص عن تناول الطعام بهدف تحقيق هدف محدد أو إيصال رسالة سياسية معينة، وغالبًا ما يلجأ إليه السجناء السياسيون بهدف لفت انتباه المنظمات الإنسانية والحقوقية والرأي العام إلى ما يعانون، وقد تلجأ إليه شرائح مجتمعية في معظم أنحاء العالم للتعبير عن سخطها من مواقف حكوماتها المساندة لطرفٍ معتدٍ ظالم وتعاميها عمَّا يقع على الطرف المظلوم من مظالم، ومن أهم أنماط هذا النوع من الإضراب ونماذجه البارزة الإضرابات التي يعمد إليها أفراد أو جماعات في الأوساط المجتمعية في بلدانٍ غربية استنكارًا لمواقف حكوماتهم المتواطئة أو الصامتة على ما ترتكبه آلة الحرب الصهيونية من مجازر في «قطاع غزة».
إضرابات مجتمعية وجامعية جماعية
ما من شكّ أنَّ ما يرتكبه «نتنياهو» في حقّ سكان «قطاع غزة» من مجازر إجرامية قد عرى كيانه المحتل من «رداء المظلومية»، فصارت شرائح متجمعية وطلابية غربية تستنكر ذلك الإجرام بوسائل عدة منها وسيلة الإضراب العام أو الجزئي عن الطعام، فبعد مضي عام و4 أشهر من المجازر بدأ ائتلاف من طلاب جامعة «براون» في «رود آيلاند» الأمريكية الذي يضم يهودًا إضرابًا عن الطعام لمطالبة الجامعة بسحب استثماراتها مع الشركات المستفيدة من الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال في غزة، وقد أكد الطلاب -بحسب ما نقلت عنهم وكالة «سما» الفلسطينية الإخبارية يوم السبت الـ3 من فبراير 2024- أنهم (سيواصلون إضرابهم عن الطعام حتى تعزز الجامعة دورها في المطالبة بوقف فوري ودائم لإطلاق النار بتقديم قرار لسحب الاستثمارات).
ومن الجامعات الأمريكية التي عبر طلابها عن استنكارهم للإجرام بالإضراب عن الطعام جامعة «نيويورك» التي أشير إلى استمرار إضراب طلابها في مستهل الخبر المختصر المعنون [طلاب جامعة نيويورك يواصلون إضرابهم عن الطعام دعمًا للقضية الفلسطينية] الذي نشرته «بوابة الشروق» يوم الأربعاء الـ4 من يونيو الحالي بالتالي: (دخل إضراب طلاب جامعة مدينة نيويورك عن الطعام يومه السابع على التوالي، في تحرّك احتجاجي مستمر للمطالبة بإنهاء دعم الجامعة للشركات المتورطة في العدوان على غزة).
وبدأ نشطاء فرنسيون إضرابًا أكثر شمولية آملين أن يتشعب -بحسب خطتهم- إلى معظم أنحاء أوروبا، وذلك ما يفهم من احتواء التغطية الإخبارية المعنونة [فرنسا.. نشطاء يضربون عن الطعام تضامنًا مع غزة] التي نشرتها «الأناضول» في منتصف أبريل الماضي على ما يلي: (أعلنت رئيسة الجالية الفلسطينية بمدينة ستراسبورغ الفرنسية «ليلى الشهابي» أن حملة الإضراب عن الطعام توسعت ويشارك فيها حاليًّا 11 شخصًا.
وأشارت الشهابي إلى أنَّ حملة الإضراب عن الطعام في فرنسا تطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
وبدأ حملة الإضراب عن الطعام في 31 مارس بمدينة «مرسيليا» جنوب فرنسا ثلاثة من العاملين في القطاع الطبي الفرنسي، بينهم الطبيب «باسكال أندريه» الذي عالج مدنيين فلسطينيين مصابين في غزة.
وبحسب مراسل الأناضول ستستمر سلسلة الإضرابات عن الطعام التي بدأت في مرسيليا تحت شعار “الجوع من أجل العدالة في فلسطين” في عدة مدن فرنسية مختلفة حتى 24 أبريل، وستختتم في بلجيكا).
وليست إيطاليا في منأى عمَّا يعتمل في الغرب من مناهضة لما يصلاه «قطاع غزة» من ويلات الحرب، فقد أعلن حشد من الإيطاليين الإضراب عن الطعام تنديدًا بما يمارس ضد مدنيي القطاع من إجرام، وحول هذا المعنى استهل الكاتب «محمد القوضاضي» تقريره الإخباري المعنون [أكثر من ألفي قارئ إيطالي يضربون عن الطعام تضامنًا مع غزة: صوت الضمير العالمي ضد الإبادة] الذي نشرته وكالة “برس” الدولية في الـ22 من مايو الفائت الاستهلال التالي: (في مشهد إنساني نادر يعكس يقظة الضمير العالمي، أعلن أكثر من ألفي قارئ وناشط إيطالي مشاركتهم في إضراب رمزي عن الطعام، احتجاجًا على الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على أيدي قوات الاحتلال، في ما بات يُوصف من قبل العديد من المفكرين والحقوقيين بأنه سلوك نازي جديد يرتكب بحق شعب أعزل).
إضرابات فردية نوعية ومجدية
لعل مناخات الحرية المتوافرة في البلدان الغربية وراء إقدام بعض الأفراد على إشهار إضرابهم عن الطعام تنديدًا بتواطؤ سلطات بلدانهم مع ما يتعرض له سكان «قطاع غزة» المحاصر من مجازر، فتحظى تلك الممارسات الاستنكارية الفردية بتجاوبات مجتمعية جدية، فتمثل مواقف مجدية، وقد أشار إلى نموذج من الإضراب الفردي «صهيب فرج» في مستهل تقريره الإخباري المعنون [ناشط بريطاني قبرصي يُضرب عن الطعام ويعتصم فوق شجرة زيتون تضامنًا مع غزة] الذي نشر في موقع «الجزيرة مباشر» في الـ13 من مايو الفائت على النحو التالي: (في مشهد رمزي لافت، اعتصم الناشط البريطاني القبرصي «لويس ألان» فوق شجرة زيتون في العاصمة القبرصية «نيقوسيا» مدة ستة أيام متواصلة، وأضرب عن الطعام، مكتفيًا بشرب لترين فقط من الماء يوميًّا، تضامنًا مع قطاع غزة الذي يتعرض لإبادة جماعية من قِبل الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو 20 شهرًا.
وعن اهتمامه بالقضية الفلسطينية، أوضح «ألان» أن ذلك حدث مع مرور الوقت، وازداد بشكل كبير بعد السابع من أكتوبر 2023، عندما أصبحت القضية أكثر حضورًا في الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي.
وعن اختياره شجرة الزيتون، قال إنه اختارها لسببين؛ أحدهما أنها ترمز إلى السلام، والآخر ارتباطها العميق بالتأريخ والثقافة والسياسة سواء في فلسطين أو في قبرص.
كما وصف ما يجري في غزة بـالإبادة الجماعية المدعومة من عدد من أقوى دول العالم، داعيًا الشعوب إلى رفض هذه الإبادة).
كما أشير إلى إضراب فردي آخر في مستهل التقرير الإخباري المعنون [طالب أمريكي يضرب عن الطعام من أجل غزة.. ويجمع 58 ألف دولار لصالح إغاثتها] الذي نشر في الـ16 من مايو في «عربي21» بما يلي: (أطلق الطالب الأمريكي «غاي كريستنسن» حملة على منصات التواصل الاجتماعي، بعنوان “#FastForGazaChallenge” تضامنًا مع أهالي قطاع غزة، بالتوازي مع إضرابه عن الطعام، بهدف جمع التبرعات لتوفير وجبات غذائية للغزيين.
ونجحت الحملة حتى الآن، في جمع أكثر من 58,000 دولار أمريكي، ما يكفي لتوفير حوالي 20,000 وجبة غذائية.
ودعا كريستنسن متابعيه على منصات مثل TikTok وInstagram للمشاركة في التحدي، من خلال الصيام عن وجبة واحدة والتبرع بقيمتها لدعم الفلسطينيين، وقد لاقت هذه الحملة تفاعلًا واسعًا).
إضرابات اضطلعت بتنفيذها أمهات
لأنَّ نسبة كبيرة من ضحايا الحرب الصهيونية الوحشية التي تحصد أرواح سكان «قطاع غزة» -لما يقرب من عامين- من الأطفال والنساء ولم يسلم منها -يا لهول ما يمارس في حق أولئك السكان من إجرام- حتى الأجنَّة في الأرحام، فقد تحركت مشاعر النساء لا سيما الأمهات في المجتمعات الغربية، فلم يجدن -بالنظر إلى ضعفهن- للتعبير عمَّا يشعرنَ به من آلامٍ متزايدة جراء ما تتعرض له النساء والأطفال والمواليد الحديثي الولادة من حرب إبادة ومن تجرُّع كأس الحمام سواء بالقصف أو بمنع وصول العذاء والداواء بشكلٍ قاطعٍ ومستدام سوى الإضراب عن الطعام تأكيدًا منهن على التضامن مع ألأمهات الغزيَّات ومشارتكهن آلامهن الناتجة عن عجزهن عن حماية وإطعام أطفالهن، وقد أشير إلى إضراب عشرات الأمهات الاسكتلنديات عن الطعام في مستهل الخبر الصحفي التفصيلي المعنون [أمهات اسكتلنديات يدخلن في إضراب عن الطعام احتجاجًا على الإبادة في غزة ويدعون بريطانيا للتحرك] الذي بثته قناة “المغاربية” الفضائية في الـ23 من مايو الفائت على النحو التالي: (أعلنت 20 أمًّا اسكتلندية دخولهن في إضراب عن الطعام تضامنًا مع أهالي غزة، في خطوة احتجاجية وصفتها المشاركات بأنها رفض للإبادة الجماعية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني. وتنفذ الأمهات إضرابًا جماعيًّا بالتناوب لمدة 48 ساعة تحت مظلة حملة “أمهات ضد الإبادة في اسكتلندا”، للضغط على الحكومة البريطانية من أجل إنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.
ويأتي هذا التحرك بالتزامن مع تحذير صادم من الأمم المتحدة بأن نحو 14 ألف رضيع في غزة مهددون بالموت جوعًا خلال 48 ساعة، وسط استمرار منع إدخال الغذاء والدواء وتدمير المنظومة الصحية بشكل ممنهج.
وفي إشارة إلى دوافع الإضراب الإنسانية المؤلمة أكدت «ماريان» -وهي أم وحيدة من «ساوث كوينزفيري»- إنها تضرب عن الطعام تضامنًا مع الأمهات الغزّيات اللواتي لا يملكن وسيلة لإطعام أطفالهن، فيما شددت «كات،» -وهي أم لثلاثة أطفال- على أن “الحكومة البريطانية متواطئة بصمتها، ودماء الأطفال ستكون في رقبتها إن استمرت في تجاهل هذه المجازر”.
إضراب قدامى محاربين ودعاة سلام عشرات الأيام
أما قدامى المحاربين ودعاة السلام فقد يكونون -في ضوء تجاربهم الشخصية أو المعايشة الميدانية- أقدر الشرائح المجتمعية الغربية تمثُّلًا لما يتعرض له سكان القطاع الواقعين -لما يزيد عن عشرين شهرًا تحت النار- من أخطار وما يلحق بهم من أضرار، وعلى هذا الأساس أعلن العشرات منهم -بكل حماس- إضرابًا عن الطعام تمثلًا لحالة سكان القطاع الذين يتعرضون -بتواطؤٍ غربيٍّ فجّ- لتجويعٍ صهيونيٍّ يهدف إلى القتل المتدرِّج والممنهج، وقد أشير إلى إضراب عشرات من قدامى المحاربين ودعاة السلام عن الطعام في مستهل تقرير «إسلام دوغرو» و«محمد كيليتش» الإخباري المعنون [الولايات المتحدة.. نشطاء يبدأون إضرابًا عن الطعام 40 يومًا لأجل غزة] الذي نشراه في وكالة أنباء «الأناضول» بتأريخ 30 مايو على النحو التالي: (بدأ دعاة سلام وقدامى محاربين بالولايات المتحدة، الخميس، إضرابًا عن الطعام لمدة 40 يومًا أمام مبنى البعثة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في نيويورك تضامنًا مع غزة.
وفي حديث للأناضول، قال «مايك فيرنر» أحد منظمي الإضراب، والرئيس السابق لجمعية قدامى المحاربين من أجل السلام: إن أكثر من 600 شخص من مناطق مختلفة بأنحاء البلاد سجلوا أسماءهم للإضراب عن الطعام تضامنًا مع غزة.
وأضاف فيرنر: “نقوم بهذا لتحقيق هدفين، أولًا، تقديم مساعدات إنسانية واضحة وشاملة تحت إشراف الأمم المتحدة. والثاني منع إرسال المزيد من الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل حتى نتمكن من وقف الإبادة الجماعية”.
من جانبه، أكد «فيل توتنهام» القادم من ولاية «أوهايو» -وهو جندي سابق في مشاة البحرية- أنه شارك في الإضراب عن الطعام للفت الانتباه إلى أنَّ تجويع الأبرياء في غزة جريمة حرب.
وأضاف توتنهام أنَّ إضرابهم لا يقارن بمعاناة الفلسطينيين الذين يعانون من الجوع منذ أشهر، والذين تهجِّرهم إسرائيل باستمرار من أماكن سكنهم.
أما الكاتبة «ديانا أوسترايش» التي عملت طبيبة عسكرية في العراق خلال حرب الخليج فقالت: “أنا محاربة قديمة أؤمن بالعمل من أجل السلام، وبحضورنا هنا اليوم، نسعى لإيجاد عالم يقل فيه العنف وينجو فيه المزيد من الأطفال”.
وأردفت: “لهذا أنضم إلى الإضراب عن الطعام هنا اليوم، وأطالب بإطعام جميع أطفال غزة، وبإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة من قِبل الأمم المتحدة”).
* صحفي وشاعر وكاتب يمني