الجهاز الاستخباراتي الإيراني يهزم الموساد

الجهاز الاستخباراتي الإيراني يهزم الموساد

مازیار شکوری

الأخبار التي نُشرت يوم السبت في وسائل الإعلام و هزّت العالم كانت أنّ الجهاز الاستخباراتي الإيراني قد نجح في سرقة وثائق تتضمّن آلاف الصفحات الورقية ومئات الأفلام وغيرها من المنشآت النووية ومراكز أخرى في إسرائيل، ونقلها إلى إيران. في هذا الصدد أعلن وزير الاستخبارات الإيراني:
“الوثائق التي حصلنا عليها من إسرائيل وأمريكا وأوروبا ستعزّز القدرة الهجومية للبلاد.”
كذلك أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أمس في بيان له:
“إنّ هذه الغنيمة والإنجاز الكبير في مجال الاستخبارات هو جزء مهم من التصميم الذكي والإجراءات الصامتة والبلا ضجيج للنظام الإسلامي المقدّس في مواجهة ضجّة الأعداء، ويشكّل الجزء المهم الآخر منها الجهاد الليلي والنهاري والصامت للقوات المسلّحة بهدف بناء قدرة عملياتية تتناسب مع نقاط ضعف وقوة النظام الصهيوني المحتلّ وداعميه.
اليوم، إنّ الوصول إلى هذه المعلومات وإكمال الدورة الاستخبارية – العملياتية قد مكّن مجاهدي الإسلام من أن يواجهوا على الفور أي اعتداء محتمل من قِبل النظام الصهيوني على المنشآت النووية للبلاد بهجوم مقابل على منشآته النووية السرّية، وأن يردّوا بدقّة وبما يتناسب مع نوع الاعتداء، على أي شرّ يستهدف البُنى التحتية الاقتصادية والعسكرية.”
من خلال التصريحات الرسمية للمؤسسات والمسؤولين الأمنيين والاستخباريين الإيرانيين يتّضح تماماً أنّ إيران ومحور المقاومة قد حقّقوا انتصاراً كبيراً في مجال الاستخبارات ووجّهوا ضربة قاسية إلى إسرائيل ومحور الاستعمار الغربي.
في هذا المقال سيُحاوَل تناول الأبعاد المهمة لهذه العملية الإيرانية الناجحة وشرح بعض جوانبها.

1 – بعملية 7 أكتوبر وخروج ميليشيات فلسطينية من الأنفاق ودخولها إلى أعماق الكيان الصناعي إسرائيل، ودخول هذه القوات بنجاح إلى القواعد العسكرية والمراكز الأمنية السرّية ومنازل بعض العسكريين الإسرائيليين ومصادرة بعض الحواسيب من هذه المقار والقواعد، تكسّرت هيبة إسرائيل الأمنية والعسكرية، وأدرك العالم بأسره، وخاصة مجتمع المستوطنين، إلى أي مدى يعاني النظام العسكري والأمني لإسرائيل من خلل يسمح لميليشيات فلسطينية بالدخول بسهولة إلى أعماق هذا الكيان الصناعي والوصول إلى مراكزه الحساسة العسكرية والأمنية. لقد حطّمت عملية 7 أكتوبر في أذهان مجتمع المستوطنين صورة الردع الأمني الإسرائيلي، وأظهرت لهذا المجتمع أنّ الجيش والنظام الأمني الإسرائيليين عاجزان عن الحفاظ على أمن هؤلاء المستوطنين. وبذلك، تكسّر الركن الأساسي للأمن الإسرائيلي، ليبدأ مجتمع المستوطنين يشعر بالخوف وانعدام الأمان ويفكّر في مغادرة إسرائيل.
أما العملية الأخيرة التي نفّذتها إيران وسرقة الوثائق من المنشآت النووية وغيرها من المراكز النووية في إسرائيل، فقد كسرت هذه الهيبة مرّة أخرى، ليزداد يقين مجتمع المستوطنين بضعف وعجز النظام العسكري والأمني الإسرائيلي.

2- والسؤال المهم والأساسي هو: كيف تمكّنت القوات الاستخباراتية الإيرانية، في ظروف الحرب حيث جميع القوات العسكرية والأمنية الإسرائيلية في حالة تأهّب، من اختراق الخطوط والطبقات الأمنية والعسكرية المختلفة، بل ومن إخراج هذا الكمّ من الوثائق من إسرائيل ونقلها إلى إيران؟!
لفهم المسألة بشكل أفضل، من المفيد أن ننظر إلى عملية 7 أكتوبر والعمليات التي نفّذتها القوات الفلسطينية منذ ٧ أكتوبر حتى الآن في أعماق الأراضي الإسرائيلية، مثل تل أبيب وميناء حيفا ومناطق أخرى في إسرائيل. من الواضح تماماً أنّ عملية 7 أكتوبر قد نُفّذت بتعاون جواسيس المقاومة الذين كانوا موظفين في الجيش والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية مثل الموساد والشاباك، وأنّ جميع المعلومات والمواقع المستهدفة وطُرق الدخول والخروج وسائر الأمور اللازمة قد زُوّدت بها القوات الفلسطينية عبر هؤلاء الجواسيس.

3- كان هناك فرق بين إيران وإسرائيل، وهو أنّ إسرائيل عندما كانت تنفّذ عملية وترتكب جريمة، كانت تعلن ذلك بسهولة وبصوت عالٍ، بينما عندما كانت إيران تنفّذ عملية ضدّ إسرائيل، كانت تمتنع عن إعلانها.
إنّ سبب هذا السلوكَين المختلفَين تماماً بين إيران وإسرائيل هو أنّ إسرائيل كانت ولا تزال جيشاً وكيلاً للاستعمار الغربي، وأنّها قد وُلدت على يد الاستعمار الغربي من خلال النظام الاستعماري الغربي الذي تَشكَّل بعد حربين عالميتين، وهي تتمتّع بالحصانة.
إسرائيل لم تكن تُعاقَب من قِبَل النظام العالمي الحاكم، بينما لو قامت إيران بأي تحرّك ضدّ إسرائيل، لكانت تُدان من قِبَل النظام العالمي والمؤسسات الاستعمارية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولواجهت بلا شكّ عقوبات جائرة.
ولهذا السبب كانت إيران تمتنع عن إعلان العمليات التي كانت تنفّذها ضدّ إسرائيل.
فعلى سبيل المثال، عندما قصفت إيران مصنع الذخائر “رافائيل” إلى درجة لم يستطع فيها الإسرائيليون إخراج خلايا قتلاهم من هناك، امتنعت عن إعلان هذا الخبر.
لكنّ هذه المرّة، من خلال الإعلان العلني عن خبر سرقة الوثائق النووية وغير النووية من إسرائيل ونقلها إلى إيران، وجّهت إيران رسالة إلى إسرائيل وإلى الاستعمار الغربي.
رسالة إيران هي: لقد أصبحنا الآن أقوياء إلى درجة لا نخشى ردّ فعلكم، ونحن مستعدّون تماماً للهجوم والمواجهة معكم.
ولنكون أكثر وضوحاً، فإنّ عقيدة إيران تجاه إسرائيل والاستعمار الغربي قد تغيّرت أو ستتغيّر إلى عقيدة هجومية وشفافة.

4- لقد قال وزير الاستخبارات الإيراني إنّ هذه الوثائق والمعلومات ستُعزّز القدرة الهجومية للبلاد.
وكذلك جاء في بيان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أنّ هذه المعلومات ستؤدّي إلى أن أيّ اعتداء من قِبَل إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية سيُقابَل فوراً بهجوم إيراني على المنشآت النووية السرّية لإسرائيل.
من الواضح أنّ إيران قد حصلت على معلومات بالغة الأهمية عن المنشآت النووية السرّية وسائر المنشآت والمراكز الاستراتيجية السرّية في إسرائيل، وهي الآن مستعدّة تماماً للهجوم على إسرائيل.

5- قال وزير الاستخبارات الإيراني في تصريحاته: “لقد حصلنا على وثائق من إسرائيل وأمريكا وأوروبا”، كما أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في بيانه بشكل صريح أنّه من خلال هذه الوثائق والمعلومات قد تمّ بناء قدرة عملياتية مناسبة ضدّ إسرائيل وداعميها.
تصريحات وزير الاستخبارات الإيراني وبيان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني يدلان على أنّ إيران قد اتّخذت بالكامل وضعية هجومية، وهي توجّه رسالة إلى المحور الاستعماري، والأمريكيين، وحلفاء إسرائيل الأوروبيين، مفادها أنّه إذا تدخلتم في أي ظرف لصالح إسرائيل في الحرب، فستواجهون بلا شكّ ضرباتنا القاتلة والمرعبة.
لقد أعلنت إيران بوضوح أنّها مستعدّة لحرب شاملة ضدّ كامل المحور الاستعماري، لا سيّما وأنّ قائد إيران قد صرّح مرّة أخرى مؤخّراً بضرورة طرد الأمريكيين من المنطقة.

6- من أجل تنفيذ الضربة الصاروخية الثالثة ضدّ إسرائيل، كان على إيران أن تُعِدّ جميع التحضيرات لهذه العملية بأفضل شكل ممكن لكي تستطيع توجيه ضربة قاتلة تكسر العمود الفقري لإسرائيل.
الجاهزية الدفاعية والهجومية لإيران كانتا الضلعين الأساسيين لهذه العملية، وكان لا بدّ من إعدادهما بالكامل.
أما الضلع الآخر لتنفيذ هذا الهجوم المدمّر فكان امتلاك قاعدة بيانات عن المراكز السرّية والاستراتيجية في إسرائيل، وهي المعلومات التي حصلت عليها إيران من خلال سرقة هذه الوثائق.
والآن أصبح كلّ شيء جاهزاً لتنفيذ هجوم مدمّر على إسرائيل، ذلك الهجوم الذي تحدّث عنه قائد إيران قبل أشهر، وقال إنّه سيكون هجوماً يربك حسابات العدو.

7- النقطة المهمّة هي أنّه في حال شنّ الأمريكيين والإسرائيليين هجوماً على المنشآت النووية الإيرانية، فإنّ هذه المنشآت تقع على عمق يزيد عن 800  متر تحت الجبال، ولن تتعرّض لأذى.
كذلك فإنّ المنشآت والمراكز النووية والعسكرية الإيرانية، نظراً لاتّساع الجغرافيا الإيرانية، ليست متركّزة في منطقة صغيرة، بل هي منتشرة في أنحاء إيران كافة. ولهذا السبب فإنّ الهجوم على إيران لن يؤدّي إلى تدمير القدرة العسكرية والاستراتيجية الإيرانية.
أمّا بالنسبة إلى إسرائيل، فالوضع معاكس تماماً. فإسرائيل ليست ذات امتداد جغرافي واسع، ولذلك فإنّ جميع مصادرها العسكرية والاستراتيجية متركّزة في منطقة صغيرة، ما يجعل من السهل جدّاً على إيران أن تحرق وتدمّر مجمل القدرة الإسرائيلية في هجوم سريع.
وفوق ذلك، فإنّ إسرائيل ليست ذات طبيعة جبلية، ومراكزها السرّية ليست محصّنة في أعماق تحت الأرض، ولذلك فإنّ إيران ستتمكّن بسهولة من تدمير جميع المنشآت السرّية الإسرائيلية باستخدام صواريخها القادرة على اختراق التحصينات.
8- مسألة أخرى هي أنّ إيران ومحور المقاومة يمتلكان القدرة على خوض الحروب الكلاسيكية وكذلك الحروب غير النظامية، بينما أعداء إيران، أي إسرائيل وأمريكا، لا يمتلكون سوى قدرة على خوض الحروب الكلاسيكية.
ولذلك فإنّ إيران ومحور المقاومة سيفاجئون الأعداء من جبهات مختلفة، لا سيّما وأنّ إيران ومحور المقاومة يقاتلون في منطقتهم.
كما أنّ النقاط الاستراتيجية أيضاً بيد إيران وحلفائها.
فاليمنيون ما زالوا يغلقون مضيق باب المندب الاستراتيجي، وإيران أيضاً تستطيع في حال اندلاع الحرب أن تغلق مضيق هرمز الاستراتيجي.
جميع القواعد الأمريكية وخطوط أنابيب النفط والغاز ومصادر الطاقة كذلك أهداف مشروعة بالنسبة إلى إيران والمقاومة.
وفي حال اندلاع الحرب، فإنّ إيران والمقاومة سيُدخِلون الاستعمار الغربي في أزمة طاقة خانقة.

9- طوال الفترة التي كانت تدور فيها الحرب في جبهات متعددة مثل غزّة والضفة الغربية ولبنان واليمن وسوريا وسائر الجبهات الأخرى ضدّ إسرائيل، كانت إيران في أمان، وقد واصلت تعزيز قدراتها.
بينما إسرائيل كانت منخرطة في معارك على جبهات متعددة، وحتى تل أبيب وحيفا كانت مهدّدة يومياً بطرق مختلفة.
لقد نجحت إيران والمقاومة في خلق حلقات نيران داخل إسرائيل وحولها، ما أدخل إسرائيل في أزمات خانقة وأرهقها بشدّة.
والآن، مع هجوم إيران أو اندلاع الحرب، فإنّ إيران ومحور المقاومة هم الذين سيسحقون إسرائيل ويطردون الأمريكيين من المنطقة.
كاتب ايراني