محمود كامل الكومي: الجدال العربي على وسائل التواصل الاجتماعي… كيف نُفشل قضايانا بأنفسنا

محمود كامل الكومي
في خضم ما تشهده الساحة العربية من أزمات متلاحقة وصراعات مشتعلة، يطفو على السطح مشهد مقلق لا يقل خطورة عن نيران الحروب: مشهد التلاسن والتناحر اللفظي بين الشعوب العربية عبر وسائط التواصل الاجتماعي. مشهد بات مألوفًا، حيث تتحول المنصات الافتراضية إلى ساحات سباب وتخوين وسخرية بين أبناء الأمة الواحدة، وكأننا نسينا العدو الوجودي المتربص، وأعفينا يده من مهمته، لنتولى نحن عن طيب خاطر تمزيق نسيجنا العربي بأيدينا.
ليست هذه الظاهرة عفوية، بل تنسجم في جوهرها مع الاستراتيجية التي يعمل عليها العدو الصهيوني وحلفاؤه منذ عقود: تفتيت الوعي العربي، وتحويل الصراع من مواجهة المحتل إلى صراع داخلي، يُضعف الجبهة الشعبية، ويفكك الروابط الوجدانية التي تجمع شعوب الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.
إن الخطر لا يكمن فقط في الكلمات الجارحة أو النكات المسيئة التي تنتشر كالنار في الهشيم، بل في ما تخلّفه من شرخ نفسي وقطيعة وجدانية، تُهيئ الأرض لأعداء الوحدة والقضية لتثبيت أقدامهم، وفرض واقعهم الاستعماري على الأرض والعقل معًا.
نداء إلى الشعوب العربية: فوّتوا على العدو أهدافه
حان الوقت أن نرفع صوت الوعي، وأن نوجه نداءً صريحًا إلى الشعوب العربية: لا تجعلوا من خلافاتكم مادة للشماتة بينكم، ولا تفرّقوا بين أبناء العروبة بسبب قرارات حكومية أو مواقف رسمية قد نختلف حولها. الشعوب ليست الأنظمة، ورفض سياسة حاكم لا يعني أبدًا تحقيرًا لشعبه أو لدولته.
إن انتقاد حاكم عربي ما – سواء من شعبه أو من شعب شقيق – يجب أن يُفهم على أنه تعبير عن الأمل في أن تتحول تلك الدولة إلى صوت داعم لوحدة الأمة، لا إلى خصومة معها. فالفارق كبير بين مهاجمة الشعب ومساءلة السلطة، وبين الإساءة للأوطان وتمني النهوض لها.
الوحدة الشعبية هي السلاح الحقيقي
لعل أقسى ما نواجهه اليوم ليس في قوة العدو، بل في ضعف جبهتنا الداخلية. الوحدة الشعبية العربية، لا السياسية فقط، هي السلاح الحقيقي الذي يمكن أن يقف في وجه الاحتلال، والتبعية، والانهيار. وهي التي يمكن أن تفرض إرادة الشعوب في التحرر، لا من الاحتلال فقط، بل من التبعية والجهل والشتات.
فلنتذكر أن المعركة التي نخوضها ليست بيننا، بل ضد عدو يحتل الأرض، ويزوّر التاريخ، ويتمنى أن نظل في خلاف دائم. فلنكن على قدر المسؤولية، ولنجعل من وسائل التواصل منصات للتقارب لا التباعد، ومنابر للبناء لا للهدم.
كاتب ومحامي. مصري