حسوني قدور بن موسى: إيمان أم خضوع؟

حسوني قدور بن موسى
هدد الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب” الدول العربية الإسلامية بطريقة علنية عدة مرات بشن حرب ضدهم دفاعا عن وجود إسرائيل في المنطقة العربية ، فهذا التصريح العدواني الخطير يدل بكل وضوح على النزعة الحربية العدوانية التي تعتبر من أهم سياسات أمريكا في العالم منذ نشأتها الى يومنا هذا كما يدل على أن إسرائيل ليست سوى حارسة لمصلحة أمريكا وحلفائها الغربيين في المنطقة العربية وبدون أمريكا فلا يمكن لإسرائيل أن تقاوم وتستمر في وجودها أكثر من أسبوع واحد.
ان السبب الرئيسي الذي أدى الى تدخل أمريكا المباشر في شؤون دول منطقة الشرق الأوسط وتهديداتها المتكرر هو انهيار مشروع الوحدة العربية الفاشل القائم على الأوهام والانقسامات والخلافات والحروب الدموية والافتراءات والأكاذيب والتجني والتهريج والاتهامات المتبادلة داخل جامعة الدول العربية التي تكلف مصاريف باهظة تؤدى من جيوب المواطنين العرب وتنتهي بتوصيات الأوهام على الورق لا تطبق على أرض الواقع ولم تقدم أي مشروع ايجابي يمكن ذكره للمواطنين العرب وفشلت في حل كافة القضايا العربية العالقة من المحيط إلى الخليج وعلى رأسها قضية فلسطين ولم تستطع إيقاف الحروب الدموية والنزاعات المسلحة بين الدول العربية ومن المؤلم أن أمريكا تدخلت سياسيا وعسكريا في جميع النزاعات في المنطقة العربية كما تدخلت بشكل مباشر في الحرب على غزة تحت أنظار 22 دولة عربية دينها الاسلام الذي يحثها على نصرة المسلمين و على الجهاد في سبيل الله و ظلت هذه الدول تتفرج على الإبادة الجماعية ضد شعب مسلم، فهذه الحرب العدوانية تعتبر استسلاما للعدوان الصهيوني واهانة واضحة لكرامة ما يسمى (الأمة الاسلامية) وظل العرب يتفرجون على هذه الإبادة وبالفعل تكرست المقولة المشهورة :” أتفق العرب على أن ﻵ يتفقوا ” و ظل اليمن الدولة العربية الإسلامية الوحيدة البعيدة جغرافيا عن غزة صامدة في وجه العدوان الصهيوني الأمريكي رغم الحصار السياسي والاقتصادي المضروب عليها من كل الجهات لكن الإرادة والعزيمة والعزة والكرامة والشهامة اليمنية العربية لا يمكن محاصرتها لأنها تسكن في قلوب اليمنيين الذين أوصى عنهم الرسول (ص) و رغم الخيانة العربية الظاهرة والخفية والدعم الأمريكي غير المشروط للكيان الصهيوني و رغم الاغتيالات العديدة التي تم تنفيذها ضد قادة المقاومة الفلسطينية و ضد الشعب اليمني حققت القضية الفلسطينية انتصارات سياسية وعسكرية على أرض المعركة وانتصارات قانونية أمام محكمة الجنايات الدولية ضد العدوان الإسرائيلي والتي وجهت صفعة لهذا الكيان المجرم بعد أن رفعت جمهورية جنوب افريقيا التي لا علاقة لها لا بالإسلام و لا بالعروبة البعيدة جغرافيا عن المنطقة العربية الاسلامية دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي أدانت الكيان الصهيوني بجريمة الإبادة الجماعية…
و منذ زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي شنت إسرائيل عدة عمليات عسكرية عدوانية همجية بدعم ومساندة من حليفتها التاريخية أمريكا ضد الدول العربية في جنوب لبنان و سوريا واليمن وايران طالت بشكل رئيسي أهدافا مدنية وكثفت عمليات القصف بعد اندلاع الحرب العدوانية على غزة ونفذ الكيان الصهيوني غارة جوية على القنصلية الإيرانية في دمشق اسفرت عن خسائر بشرية ومادية و قام العدوان الصهيوني بشن غارات عسكرية على الميناء التجاري لمدينة الحديدة في اليمن كما أن اسرائيل تجاوزت حدود المنطقة العربية ونفذت عملية اغتيال إرهابية ضد الشهيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس داخل الأراضي الإيرانية وهو أبرز قادة المقاومة كما أنها نفذت عملية اغتيال أحرى ضد حسن نصر الله في جنوب لبنان منتهكة بذلك حرمة و سيادة هذه الدولة أمام أنظار مجلس الأمن الذي تتحكم في قراراته أمريكا التي تدعم سياسيا وعسكريا العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
فمنذ نكبة عام 1948 لم تتفق الدول العربية الإسلامية مجتمعة على رأي واحد في مواجهة العدوان الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية في المنطقة العربية و تبخرت كل شعارات جامعة الدول العربية التي تبناها مؤتمر الخرطوم عام 1967 وخاصة مبدأ: «لا صلح لا اعتراف لا تفاوض » مع إسرائيل وكانت هي الكلمات القوية التي لا تعبر في الحقيقة عن إرادة حقيقية عربية جماعية بل كانت تستعمل من أجل الاستهلاك السياسي لتخدير وايهام الشعوب العربية إلى أن وصلنا إلى مؤتمر القمة المنعقد في الرباط سنة 1971 فكانت نقطة تحول جذرية خطيرة على القضية الفلسطينية يمكن اعتبارها بداية النكبة السياسية التي وصلت بها إلى حضيض منحدر التنازلات عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، في هذا المؤتمر كان الإعلان عن تراجع سياسي كبير وخطير في تاريخ القضية الفلسطينية وهو اعتبار منظمة التحريرالفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بدلا من اعتبار القضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين جميعا وكان ذلك يهدف إلى تجريدها من جذورها وأبعادها العربية الاسلامية واعتبارها قضية الفلسطينيين على وجه التخصيص بدلا من اعتبارها قضية الأمة العربية المصيرية ليتحول الصراع من صراع عربي اسلامي – إسرائيلي إلى صراع ثنائي بين إسرائيل والشعب الفلسطيني وهذا يعني أن العرب نفضوا أيديهم من هذه القضية و تخلوا عنها نهائيا فأصبح لا شأن لهم بهذه القضية، وهكذا وصلنا الى هذه الحقيقة فعلا عندما شنت اسرائيل عدوانها الهمجي على غزة حيث امتنع الحكام العرب حتى عن ادانة هذا العدوان و لم تجرؤ دول التطبيع العربية على قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني على غرار ما قامت به دول بعيدة عن المنطقة العربية لا علاقة لها لا بالعروبة و لا بالإسلام وعلى رأسها فنزويلا و بوليفيا وكولومبيا و تشيلي وهندوراس وجنوب افريقيا التي سارعت الى قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني بل أكثر من ذلك رفعت دعوى ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي و قامت دول من أمريكا اللاتينية بطرد سفير اسرائيل من بلادها احتجاجا على الإبادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة.
لقد جاء في القرأن الكريم :” كنتم خير أمة أخرجت للناس”
فهل الأمة التي تتفرج على إبادة المسلمين الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين هي خير أمة أخرجت للناس ؟ و هل الأمة التي تعيش في الترف والبذخ و تقيم السهرات والحفلات مع الصهاينة والأمريكان قتلة أطفال غزة يمكن اعتبارها خير أمة أخرجت للناس ؟ و هل الأمة التي تقتل بعضها البعض و قتلت خيرة رجالها وأئمتها وعلمائها منذ فجر الإسلام و شنت حروبا دامية فيما بينها يمكن أن تكون خير أمة أخرجت للناس ؟
فمنذ 14 قرنا مضى على هذه الأمة لم يشاهد فيها المسلمون خيرا سوى الحروب و الاقتتال والتفرقة والنزاعات و الأحقاد و الفقر والجوع و المرض والتشرد والهجرة الى البلدان الغربية التي يسمونها بلاد الكفر.
ان هذا الواقع المأساوي في الدول العربية الاسلامية يذكرنا بما قالته « غولدا مائير» التي كانت تدرك جيدا أن العرب المسلمين متفرقين مشتتين لا يقدرون على فعل شيء فقالت سنة 1967: «عندما أحرقت القدس لم أنم طوال الليل كنت أعتقد أن العرب سينزحون إلى إسرائيل من المحيط إلى الخليج لرمينا في البحر وفي الصباح لم يقع أي شيء فتأكدت حينئذ أن العرب نائمون لا يستطيعون فعل شيء». فمن الموقف المخادع الذي كان يردده الحكام العرب وهو ازالة اسرائيل من الوجود و رميها في البحر الى الاستسلام والتطبيع مع هذا الكيان الغاصب دون مقابل في حين ظلت اسرائيل ثابتة على مواقفها منذ عهد “هرتزل” مهندس المشروع الصهيوني الاستيطاني لتحقيق اقامة دولة اسرائيل في قلب الوطن العربي و جاء رد ” شارون” مجرم مجزرة صبرا و شاتيلا على مبادرة السلام العربية المعلنة في قمة بيروت بمذبحة جنين ومحاصرة الرئيس الفلسطيني ياسرعرفات و قال مخاطبا العرب: “ أنا شارون الذي تعرفونه جيدا لست هازلا عندما أقول على لسان الشعب الاسرائيلي أن الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط هي أرض اسرائيلية فاعترفوا بنا مجانا بلا مقابل وافتحوا أبوابكم وأسواقكم لنا أنتم كرماء” وأضاف شارون” قائلا : ” نحن أخذنا الأرض بالقوة وأنتم العرب تقولون في كل مناسبة:” ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة” فانزلوا الى الميدان اذا شئتم وجربوا مرة أخرى عضلاتكم اذا لم تكونوا قد شبعتم من الضرب والاذلال، وكان الرد العربي هو الهرولة الى التطبيع بلا مقابل مع الكيان الصهيوني خفية وعلانية فأصبحت أجساد الحكام العرب واهنة وإرادتهم ضعيفة فتحولت حقوق الشعب الفلسطيني إلى تنازلات وتحول الممكن إلى أمنية وربما إلى مستحيل حتى صارت الأمة العربية لا تعي أن التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني يجر إلى تنازلات أخرى وأن التنازل يدفع إسرائيل إلى العناد والتشدد لتحقيق أطماع أخرى والمزيد من المكاسب والانتصارات السياسية والعسكرية ثم أن كارثة التطبيع بين الدول العربية الإسلامية وإسرائيل هدفه هو انشاء علاقات مع اسرائيل في جميع المجالات وهذا الوضع أدى الى منتهى التنازلات عن القدس وعن القضية الفلسطينية ونسيان نكبة 1948 وما واكبها من جرائم إنسانية بشعة ضد الشعب الفلسطيني على مدى أكثر من 70 عاما دون محاسبة ولا عقاب، فبعض الدول المطبعة علانية تقيم علاقات مع اسرائيل تحت غطاء أهداف استراتيجية استنادا الى حجج مخالفة للشريعة الاسلامية، فالتطبيع مع اسرائيل ينقسم الى نوعين: صريح و خفي، فالحكام العرب المطبعين علانية ينادون بضرورة انشاء علاقات مع الكيان الصهيوني من أجل أهداف استراتيجية، أما المطبعين خفية فرغم زعمهم مساندة و دعم القضية الفلسطينية الا أنهم يرون أن زيارة اسرائيل والتعامل معها اقتصاديا و ثقافيا و سياسيا لا يعتبر عملا تطبيعيا، وتعتقد الدول المطبعة علانية أن التطبيع مع اسرائيل يقوم على مخاوف استراتيجية مشتركة بين الدول العربية واسرائيل وتستخدم ( الخطر الايراني ) ذريعة لتبرير التطبيع معتقدين بأن تدخل ايران في عدة دول عربية مثل سوريا والعراق واليمن وكذلك العداء التاريخي بين ملكيات الخليج العربي وايران يفرض وجود وحدة في المصالح بين الدول العربية واسرائيل لمواجهة ما يسمى بالخطر الايراني، فهذه الحجة التي يستند عليها المطبعون العرب علانية حجة فاسدة و مخالفة تماما لمقاصد الشريعة الاسلامية وللقانون الدولي على اعتبار أن ايران التي يحاربونها هي دولة اسلامية من المستحيل أن تشكل الخطر الأكبر على الدول العربية حتى تكون سببا للتطبيع مع اسرائيل ، و حتى في حالة تدخل ايران في شؤون بعض الدول العربية فان ذلك لا يعني بالضرورة أن ايران هي أخطر من اسرائيل لأن المبدأ العام في الشريعة الاسلامية هو :” الأمة الاسلامية أمة واحدة ” و ايران هي جزء لا يتجزأ من الأمة الاسلامية ولهذا لا ينبغي القول أن ايران هي الخطر الأكبر الذي ينبغي أن يقرب الدول العربية من اسرائيل ، فهذا المفهوم خاطئ وخطير جدا سيؤدي الى احتلال جميع الدول العربية من طرف اسرائيل بعد الانتهاء من حرب الابادة في غزة ، ومن الناحية الاسلامية فان القرأن الكريم الذي هو دستور الأمة الاسلامية يعتبرالدول الاسلامية أمة واحدة ولقد جاء في القران الكريم : “ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبودون” (الأنبياء 92 ) و قال الله تعالى: ” يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض و من يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين” (المائدة51) و في نظر الشريعة الاسلامية فان الفلسطينيين هم المظلومين المطردين من ديارهم وأراضيهم بغير حق، هدمت بيوتهم بقوة السلاح واسرائيل هي المعتدية والقرأن الكريم أذن للمسلمين كافة بالقتال دفاعا عن بلادهم ودينهم وعن المقدسات الاسلامية وفي مقدمتها القدس الشريف مسرى الرسول والجهاد في سبيل الله أفضل من جميع العبادات أفضل من الصلاة والصوم والحج والزكاة فهؤلاء الحجاج أولى بهم من الناحية الإسلامية مساندة و دعم إخوانهم الفلسطينيين المحتاجين في غزة قبل الذهاب الى الحج …
و في كلمة ألقاها رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” علي القرة داغي” أكد على أن المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني ليست إرهابا لا في القوانين الدولية ولا في الشرائع السماوية و قال ان ما حدث في 7 أكتوبر لم يكن إرهابا بل كان عملا جهاديا و تحريرا بكل ما تعني الكلمة والعالم اليوم يحتاج الى نظام عالمي جديد يحقق السلام والأمن للجميع و ليس لفئة معينة وطالب بتشكيل منظمة دولية لحماية المظلومين على غرار حلف الفضول عند الجاهلية لحماية المظلومين.
المحامي بهيئة وجدة – المغرب
a