محمد حستي: الأمازيغية في مبادرة “مدارس الريادة”: تحليل للسياسة اللغوية والتعليمية لحكومة أخنوش

محمد حستي: الأمازيغية في مبادرة “مدارس الريادة”: تحليل للسياسة اللغوية والتعليمية لحكومة أخنوش

 

محمد حستي

رغم دسترة اللغة الأمازيغية في دستور 2011 كلغة رسمية إلى جانب العربية،  لم تجد بعد الآذان الصاغية من الدوائر العليا للبلاد ، فإن السياسات العمومية التعليمية بالمغرب لا تزال تتسم بنوع من التلكؤ والانتقائية في تفعيل هذا الطابع الرسمي. ويعد مشروع “مدارس الريادة”، الذي أطلقته حكومة عزيز أخنوش، نموذجًا لهذا التناقض الصارخ بين الخطاب السياسي والواقع التطبيقي في الميدان . إذ يلاحظ كل متتبع ، تغييب شبه تام للغة الأمازيغية كلغة للتدريس أو حتى كمادة أساسية في المدارس المغربية سواء كانت عمومية أم خصوصية ، مما يطرح عدة تساؤلات حول المرجعية السياسية التي تؤطر هذا الإقصاء، وحول جدية الدولة في تنزيل المقتضى الدستوري.

أولاً: المرجعيات السياسية لحزب التجمع الوطني للأحرار وسؤال الهوية
رغم أن عزيز أخنوش يتحدر من منطقة سوس، المعروفة بتمسكها القوي بالثقافة واللغة الأمازيغيتين، فإن الحزب الذي يترأسه (التجمع الوطني للأحرار) لا ينطلق من مرجعية أمازيغية واضحة، بل يمكن اعتباره حزبًا ذا توجه ليبرالي تكنوقراطي، يعتمد أساسًا على نخب اقتصادية وتجارية لا تعطي أولوية لمسألة الهوية الثقافية واللغوية ضمن برامجها. ويظهر ذلك في خلو البرنامج الانتخابي للحزب من أي التزام حقيقي أو آليات واضحة لتفعيل الأمازيغية في قطاع التعليم، رغم الخطابات التطمينية خلال الحملات الانتخابية[1].

ثانيًا: البنية السياسية للدولة وإنتاج السياسات اللغوية[2]
إن المسألة اللغوية في المغرب لا تُفهم بمعزل عن البنية المركزية للدولة، التي تحتفظ بسلطة القرار في قضايا الهوية والتنوع الثقافي. وقد ظلت الدولة المغربية، حتى بعد الاعتراف الدستوري بالأمازيغية، تعتمد مقاربة تدريجية وبيروقراطية في التنزيل الفعلي، متذرعة بصعوبات لوجستيكية أو بغياب الأطر، دون توفير الشروط الموضوعية لتجاوز هذه المعيقات. كما أن مشاريع إصلاح التعليم غالبًا ما تهيمن عليها لغة التكنوقراط، فتُختزل في لغة النتائج والكفاءة، على حساب سؤال العدالة اللغوية والثقافية[3].

ثالثًا: مشروع “مدارس الريادة” وتكريس النموذج الأحادي
مشروع “مدارس الريادة”، الذي رُوّج له كإصلاح شامل للمدرسة العمومية، جاء بمنظور تقني تركّز على تعميم اللغة الفرنسية في المواد العلمية، دون اعتبار لمسألة التعدد اللغوي الوطني. إن هذا التوجه يكرّس استمرارية سياسة لغوية أحادية، تقوم على تراتبية رمزية تضع الأمازيغية في هامش السياسات التربوية، رغم التنصيص القانوني على دورها المركزي في المنظومة التعليمية[4].

رابعًا: العراقيل البنيوية أمام تفعيل الأمازيغية
رغم تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وصدور القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية (القانون 26.16)، فإن مجموعة من العراقيل البنيوية لا تزال تحد من التفعيل الفعلي، منها:

غياب الإرادة السياسية الحقيقية داخل أجهزة الدولة والحكومة.

ضعف التكوين الجامعي والتربوي الخاص بالأمازيغية.

تهميش النخب الأمازيغية في مراكز القرار.

تغوّل الفرانكوفونية السياسية داخل الإدارة والتعليم[5].

خامسًا: نحو مقاربة عدالة لغوية في السياسات العمومية
لم يعد كافيًا الاعتراف الرمزي بالأمازيغية، بل ينبغي تبني مقاربة شمولية  تقوم على العدالة اللغوية، من خلال:

إدراج الأمازيغية إلزاميًا في كل مشاريع الإصلاح التربوي.

تخصيص ميزانية واضحة ومضبوطة لتكوين الأطر وتوفير المناهج.

خلق هيئة مستقلة لتتبع وتقييم تفعيل الأمازيغية في التعليم.

إعادة النظر في المرجعيات الأيديولوجية التي تؤطر السياسة اللغوية في المغرب[6].

خاتمة وتوصيات
إن تغييب الأمازيغية في مشروع “مدارس الريادة” ليس مجرد خلل تقني أو نقص في الموارد، بل يعكس خللًا بنيويًا عميقًا في تعاطي الدولة والحكومة مع مسألة الهوية واللغة، حيث لا تزال الأمازيغية تُعامل كعنصر هامشي بدل كونها مكونًا جوهريًا في الهوية المغربية الجامعة. ويظهر أن المرجعيات السياسية للحزب الحاكم تفتقر إلى تمثل حقيقي وعادل لقضية الأمازيغية، مما يساهم في إعادة إنتاج نموذج إقصائي، رغم كل المظاهر الرسمية للاعتراف.
وللخروج من هذا الوضع، نقترح التوصيات التالية:

إدراج الأمازيغية بشكل إلزامي في جميع المشاريع التعليمية والتربوية دون استثناء.

اعتماد مبدأ التمييز الإيجابي في توظيف وتكوين المدرسين المتخصصين في اللغة الأمازيغية.

التنسيق الفعّال مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لضمان الانسجام البيداغوجي والمجتمعي.

إحداث لجان وطنية وجهوية للمراقبة والتتبع، تضم خبراء في اللسانيات الأمازيغية والسياسات اللغوية.

تعزيز حضور اللغة الأمازيغية في الإعلام العمومي والكتب المدرسية والمؤسسات التربوية.

إعادة النظر في النموذج التنموي الوطني، ليشمل البعد الثقافي واللغوي في صلب أولوياته.

فلا يمكن لأي مشروع مجتمعي إصلاح حقيقي أن يُكتب له النجاح دون الإنصاف اللغوي والثقافي لجميع مكونات المجتمع المغربي.

  المراجع

راجع البرنامج الانتخابي لحزب التجمع الوطني للأحرار، 2021، منشور على الموقع الرسمي للحزبhttps://rni.ma

.2Boukous, A. (2012). Langue et culture amazighes: enjeux et stratégies. IRCAM, Rabat.
.3 Ennaji, M. (2011). Multilingualism, Cultural Identity, and Education in Morocco. Springer.
4.وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. (2023). “مشروع مدارس الريادة: إطار عام”. الرباط .
.5 El Aissati, A. (2005). Language Policy and Identity in Morocco. In: The Sociolinguistics of Globalization, Routledge.
.6Skattum, I. (2008). La question de l’amazighe au Maroc: entre reconnaissance officielle et marginalisation. Revue Tiers Monde, n°196.
[1] . راجع البرنامج الانتخابي لحزب التجمع الوطني للأحرار، 2021، منشور على الموقع الرسمي للحزب https://rni.ma
[2] : Boukous, A. (2012). Langue et culture amazighes: enjeux et stratégies. IRCAM, Rabat.
[3] : Ennaji, M. (2011). Multilingualism, Cultural Identity, and Education in Morocco. Springer.
[4] .وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. (2023). “مشروع مدارس الريادة: إطار عام”. الرباط.
[5]. El Aissati, A. (2005). Language Policy and Identity in Morocco. In: The Sociolinguistics of Globalization, Routledge.
[6] . Skattum, I. (2008). La question de l’amazighe au Maroc: entre reconnaissance officielle et marginalisation. Revue Tiers Monde, n°196.