الأردن: إما تحسين نظام الدكتوراه أو إنهاؤه

الأردن: إما تحسين نظام الدكتوراه أو إنهاؤه

د. معن علي المقابلة

في مقاله الشهير الذي نُشر في صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان “إصلاح نظام الدكتوراه أو إغلاقه”، سلّط الدكتور مارك سي تايلور الضوء على أزمة عميقة تهدد مستقبل التعليم العالي، لا سيما في برامج الدكتوراه في الولايات المتحدة. هذا المقال يُعد من أكثر الطروحات جرأةً، إذ دعا إلى إصلاح جذري للنظام، بل وطرح خيار “الإغلاق” كبديل واقعي إن استمرت الأمور على حالها. وفيما يلي ملخص موسع وتحليل لأبرز أفكاره

تضخم عدد البرامج مقابل قلة الوظائف

يحذر تايلور من أن عدد برامج الدكتوراه وخريجيها بات يتجاوز بكثير الحاجة الفعلية لسوق العمل الأكاديمي. فمعظم الخريجين لا يجدون وظائف دائمة في الجامعات، ما يجعل سنوات طويلة من الدراسة والبحث تنتهي إلى بطالة مقنّعة، أو وظائف مؤقتة ذات أجور منخفضة، وغياب كامل للأمان الوظيفي.

نموذج قديم في عصر جديد

تقوم برامج الدكتوراه على نموذج تعليمي تقليدي، يهدف أساسًا إلى إنتاج أساتذة جامعيين. لكن في عالم اليوم، حيث تتغير سوق العمل بسرعة، وتتداخل التخصصات، وتظهر احتياجات جديدة في مجالات التقنية والإدارة والسياسات، لم يعد هذا النموذج صالحًا، ولا كافيًا

التخصص المفرط… خطر أكاديمي

يرى تايلور أن التخصص الدقيق جدًا في برامج الدكتوراه يُنتج باحثين غير قادرين على التواصل خارج حقلهم المعرفي، ما يُعيق التعاون البحثي ويقلل من قدرتهم على التأقلم في سوق عمل متنوع. وبدلًا من إنتاج معرفة قابلة للتطبيق، يُنتج هذا النظام أطروحات لا يقرؤها أحد سوى الممتحنين.

أزمة التمويل وتدهور البيئة الجامعية

منذ الأزمة المالية عام 2008، تعاني الجامعات من نقص متزايد في الموارد، مما أدى إلى تراجع الدعم المخصص لطلاب الدكتوراه. وفي ظل هذا التدهور، أصبح على الطلاب أن يموّلوا دراساتهم بأنفسهم أو يعملوا بوظائف تعليمية مرهقة، ما يضر بجودة البحث ويؤخر التخرج.

دعوة إلى الإصلاح الجذري

لا يدعو تايلور إلى تحسينات سطحية، بل إلى إصلاحات بنيوية، تشمل:

تقليص عدد البرامج لتتماشى مع الحاجة الواقعية.

دمج التخصصات وتطوير أبحاث عابرة للعلوم.

إدخال التكنولوجيا وأدوات التعليم الحديثة.

ربط البرامج بسوق العمل خارج الأوساط الأكاديمية.

تشجيع الدكتوراه المهنية التي تفتح آفاقًا في الصناعة والإدارة والتكنولوجيا.

إذا كانت هذه هي الصورة القاتمة في جامعات الولايات المتحدة وأوروبا، بكل ما تملكه من تمويل وبنية تحتية وسوق عمل متطور، فما بالك ببرامج الدكتوراه في العالم العربي؟ حيث الإمكانات أضعف، والفرص أقل، والروابط مع سوق العمل تكاد تكون معدومة.

في كثير من بلداننا، تتحول الدكتوراه إلى معاناة بيروقراطية وبحث في ظل غياب الدعم، وضعف الإشراف، ورداءة البنية البحثية. ومع ذلك، يستمر النظام كما هو، دون مراجعة أو مساءلة.

تخيل نظامًا مأزومًا في أكثر الدول تقدمًا، ثم اسأل نفسك:
ما الذي ننتظره نحن؟
هل نملك شجاعة الاعتراف بأن النظام يحتاج إلى تغيير جذري؟
أم سنظل نخرّج أجيالًا من العاطلين بشهادات عليا لا تعني شيئًا في الواقع؟

كما قال تايلور:
“إما أن نُصلح نظام الدكتوراه… أو نغلقه.”
باحث وناشط سياسي
[email protected]