حمد التميمي: غياب العدالة الاجتماعية في العالم العربي: مشكلات وطرق حل

حمد التميمي: غياب العدالة الاجتماعية في العالم العربي: مشكلات وطرق حل

 

 

حمد التميمي
لا تزال قضية عدم المساواة أحد أبرز التحديات التي تواجه المنطقة العربية، إذ تؤثر الفجوات الاقتصادية والاجتماعية على فرص ملايين الأفراد في تحقيق حياة كريمة ومستقرة. وبين تفاوت فرص التعليم والعمل، وغياب الحماية الاجتماعية الفعالة، والتمييز الهيكلي ضد بعض الفئات، يجد كثيرون أنفسهم في ظروف غير متكافئة تعوق مشاركتهم الفاعلة في التنمية. ومع تزايد هذه الفجوات، يصبح ضمان حقوق اجتماعية واقتصادية عادلة أمرًا ضروريًا لكسر حلقة التهميش وعدم تكافؤ الفرص.
تُعد نُظُم الحماية الاجتماعية إحدى الأدوات الأساسية للحد من هذه الفجوات، حيث توفر شبكة أمان مالي للفئات الأكثر هشاشة، مثل العاملين في القطاع غير النظامي، النساء، كبار السن، الشباب، والأشخاص ذوي الإعاقة. إلا أن هذه النظم لا تزال غير قادرة على الاستجابة الكاملة لمتطلبات الواقع، بسبب ضعف التمويل، وغياب سياسات فعالة تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه، وعدم تكيفها مع التحولات الاقتصادية. وهذا ما تؤكده تقارير الأمم المتحدة التي تشير إلى أن 292 مليون شخص في المنطقة العربية يفتقرون إلى الحماية الاجتماعية، مما يعرضهم لمخاطر اقتصادية واجتماعية متزايدة، إلى جانب 187 مليون شخص يعانون من التهميش في مجالات الصحة والتعليم والأمن الغذائي، وهو ما يعزز الحاجة إلى إصلاحات جوهرية تعيد رسم سياسات الحماية الاجتماعية.
لكن عدم المساواة لا يقتصر فقط على الجوانب الاجتماعية، بل يمتد إلى الفجوات الاقتصادية التي تتفاقم بمرور الوقت. فالعاملون في القطاعات غير النظامية يواجهون عقبات كبيرة في الوصول إلى حقوقهم الأساسية، مثل التأمين الصحي والتقاعد، مما يجعلهم أكثر عرضة للأزمات المالية المفاجئة. وعلى صعيد آخر، تواجه النساء والفتيات حواجز هيكلية تمنعهن من تحقيق الاستقلال المالي ، حيث لا تزال الفجوة في الأجور، والتمييز في التوظيف، وغياب سياسات الحماية من التحرش تعيق مشاركتهن الفاعلة في الاقتصاد. كما يعاني الشباب من معدلات بطالة مرتفعة نتيجة ضعف المواءمة بين أنظمة التعليم ومتطلبات سوق العمل، مما يدفع بعضهم إلى الهجرة بحثًا عن بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا.
إذا أرادت الحكومات معالجة هذه التحديات، فلا بد من تبني سياسات قائمة على البيانات الدقيقة، بحيث تستهدف الفئات الأكثر هشاشة بشكل مباشر. ومن بين الحلول المقترحة توسيع نطاق الحماية الاجتماعية ليشمل جميع الفئات بغض النظر عن وضعهم القانوني أو الاقتصادي، وتعزيز العدالة بين الجنسين عبر تشريعات أكثر قوة لمكافحة التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي، إلى جانب تمكين الشباب من خلال برامج تدريبية وريادة أعمال تساعدهم على دخول سوق العمل بثقة واستقلالية. كذلك، يتطلب تحقيق العدالة الاجتماعية إصلاح السياسات الضريبية لضمان توزيع أكثر عدالة للثروة وتقليل الفجوات بين الفئات المختلفة في المجتمع، مع تحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية لضمان تكافؤ الفرص للجميع.
مع اقتراب موعد تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، فإن الحاجة إلى إصلاحات جذرية أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فهل ستتمكن الحكومات العربية من اتخاذ خطوات ملموسة لمعالجة جذور المشكلة، أم أن عدم المساواة سيظل جزءًا من الواقع الاجتماعي والاقتصادي لسنوات قادمة؟
كاتب قطري