الدكتور جاسم يونس الحريري: متى ستنتهي صراع التجسس بين واشنطن وتل أبيب؟

أ.د. جاسم يونس الحريري
وانا اتابع تصريحات الرئيس الامريكي دونالد ترامب مؤخرا الذي اتهم فيه مسؤولين في الأمن القومي الامريكي بتسريب معلومات تلحق ضررا بسياساته الى مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.
حيث يتردد في العاصمة الامريكية واشنطن DC ان الرئيس ترامب طرد 10 مسؤولين على الاقل بعد اجتماعه بهم وتصنيفه لهم بانهم مقربين من نتنياهو ويعملون معه لا بل في ذات الإجتماع الذي أعقبه قرار الطرد أطلق الرئيس ترامب عبارات غير مسبوقة عندما تحدث عن ((خطوات تتوجب ان تتخذ لتحرير البيت الابيض من الضغوط الاسرائيلية))!!!.وهذا الامر له علاقة بالمراحل التاريخية للصراع الاستخباري بين ((اسرائيل)) والولايات المتحدة الامريكية حيث واجهني سؤال شغلني كثيرا مفاده :- متى تنتهي حرب الجواسيس بين الموساد الاسرائيلي وجهاز ال CIA الامريكي بالرغم من العلاقات الاستراتيجية فيما بينهما؟لكن يبدو أن الامر له جذور متشابكة ومعقدة في آن واحد.وفي التاريخ القريب ذكر موقع “بوليتيكو”الامريكي عام 2019 أن مسؤولين أميركيين يعتقدون أن إسرائيليين زرعوا على الأرجح أجهزة عدة تسمى “ستينغ راي” اكتشفت في واشنطن عام 2017، وهي أجهزة تقلد إشارات بث الأبراج الخلوية لاعتراض مكالمات ورسائل نصية.وأوضح الموقع أنه “من المرجح أن تكون الأجهزة معدة للتجسس على ترامب وفق (رواية) أحد المسؤولين السابقين، إضافة الى مساعديه الكبار والمقربين منه. ومع ذلك ليس واضحا إن كانت الجهود الإسرائيلية قد نجحت”.
وأكدت تلك المعلومات “وكالة الأمن القومي”الامريكية ،حيث تنشر بين الفينة والأخرى، بيانات تتحدث عن “استهداف إسرائيل للحكومة الأميركية عبر أجهزة تنصت إلكترونية، من ضمنها أجهزة هواتف محمولة مخترقة” اصطلح على تسميتها نظم “ستينغ راي”، والتي تقوم بخداع الأجهزة المحمولة لإرسال مواقعها وبيانات هويتها الخاصة ومحتوى البيانات المستخدمة،يقول مؤرخون إن ((إسرائيل)) تحاول سرقة الأسرار من الولايات المتحدة، الحامية الرئيسية، منذ قيام الدولة العبرية في العام 1948، وحتى قبل ذلك، ولا تطال عمليات التجسس الإسرائيلية على الولايات المتحدة الوثائق الدبلوماسية والسياسية فحسب، بل تمتد إلى التكنولوجيا الصناعية والعسكرية.
ويبدو أن ((إسرائيل)) صعدت في السنوات الأخيرة من جهود التجسس على الولايات المتحدة، بحسب ما ذكرت مجلة “فورين بوليسي”الامريكية في مارس 2015.ففي وثيقة لمجلس لأمن القومي الأميركي نشرت عام 2014، أن الإسرائيليين تجسسوا على الأميركيين لمعرفة موقف الإدارة الأميركية من أزمات الشرق الأوسط، ووفق تقديرات الاستخبارات الوطنية لعام 2013 أن ((إسرائيل)) تعتبر ثالث قوة في العالم للتهديدات السيبرانية على الولايات المتحدة بعد كل من روسيا والصين. وقد استُخدمت وسائل مختلفة لتجنيد الامريكيين لاغرائهم وجذب المسؤولين الأميركيين للعمل مع جهاز الموساد الاسرائيلي، مثل دعوات لزيارة ((إسرائيل))، وتقديم الهدايا والامتيازات لهم، بما في ذلك المخدرات والنساء جزءا من جهود التجسس عليهم. وتضمنت عمليات التجسس والعمليات السرية التي قامت بها “إسرائيل” داخل الولايات المتحدة والتي استهدفت النشطاء الأمريكيين الذين يدافعون عن حقوق الإنسان الفلسطينية، نشر عملاء من مجموعة “Psy-Group”، وهي جماعة سرية للحرب النفسية، للتجسس على الأمريكيين ومضايقتهم مع إخفاء دور “إسرائيل”.بعد ذلك؛ حول نتنياهو اهتمامه سرًا إلى الطلاب وأعضاء هيئة التدريس ومجموعات الجامعات الأمريكية في الولايات المتحدة التي تناضل من أجل الحقوق الفلسطينية. وخوفًا من الدعم المتزايد للقضية الفلسطينية في حرم الجامعات خاصة بعد تصريحه ازاء تلك التظاهرات حيث قال ، إنه “يتعين بذل المزيد” للتصدي لاحتجاجات مؤيدة للفلسطينيين انتشرت في الجامعات الأميركية)) ؛ حيث أنشأ جبهة سرية للتجسس على هذه الجماعات ومضايقتها وترهيبها وتعطيلها.
ومن الأمور الحاسمة في هذا الجهد تحالف “إسرائيل من أجل الحرم الجامعي” غير المعروف والذي يتخذ من واشنطن مقرًّا له. ولسنوات عديدة؛ استخدمت المنظمة، التي لها صلات بكل من المخابرات الإسرائيلية و”إيباك”، مخبرين طلابيين ينتمون إلى منظمة جامعية يهودية ومؤيدة لـ”إسرائيل” في الولايات المتحدة لجمع معلومات استخباراتية عن الطلاب والجماعات المؤيدة للفلسطينيين. أن “إسرائيل” تدير بشكل غير قانوني عملية تجسس سرية في الحرم الجامعي على مستوى البلاد داخل الولايات المتحدة،وبمجرد نقل البيانات الخاصة بالطلاب المؤيدين للفلسطينيين إلى المخابرات الإسرائيلية، يمكن استخدامها في عمليات سرية “لسحقهم”.وفي عام 2016، أطلقت مجموعة “المجموعة النفسية” الإسرائيلية، وهي منظمة حرب نفسية مرتبطة بالموساد، مشروع ((الفراشة))، والذي تم تمويله سرًا من قبل مانحين يهود أثرياء في الولايات المتحدة، وكان من بين أهدافها استخدام معلومات زائفة لمهاجمة وتدمير سمعة أهدافها ووصمهم ب((الإرهابيين))!!!.
وكان ((رام بن باراك))، الذي كان حينها مسؤولًا كبيرًا في “المجموعة النفسية” ونائب مدير سابق للموساد الاسرائيلي ، متحمسًا لـ “الفراشة” وقال إن العملية كانت بمثابة “حرب”.وتستخدم ((رابطة مكافحة التشهير)) المعلومات المستمدة من عملية التجسس في الحرم الجامعي للتحالف، إلى جانب بيانات أخرى، لإنشاء تقرير سنوي:يسمى”النشاط المناهض لإسرائيل في الجامعات الأمريكية”. على الرغم من إثارة المخاوف التي لا نهاية لها، كانت نتائج الفترة 2021-2022 ضئيلة: “اعتداء جسدي واحد، و11 حالة تخريب، و19 حالة تحرش” بين ملايين الطلاب في 359 حرمًا جامعيًا في جميع أنحاء البلاد.
أن “إسرائيل” تقوم أيضًا بتوظيف يهود أمريكيين سرًا كجواسيس للعمل خارج سفارتها في واشنطن وقنصلياتها في جميع أنحاء الولايات المتحدة من أجل مراقبة زملائهم الأمريكيين سرًا، بما في ذلك الطلاب. وتم فحصهم بدقة لضمان الولاء لـ”إسرائيل”، وقد أمضى العديد من هؤلاء الذين تم تعيينهم سنوات منخرطين بشدة في الأنشطة المؤيدة لـ”إسرائيل” منذ أن كانوا في الكلية وقبل ذلك. وكان من بينهم ((جوليا ريفكيند))، التي قادت مجموعة مؤيدة لـ”إسرائيل” في جامعة كاليفورنيا في ديفيس قبل أن تنتقل لتصبح ناشطة في لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “إيباك”. وبعد تخرجها في عام 2016، وظفتها “إسرائيل” وتم تعيينها في سفارتها في واشنطن.
بروفيسور العلوم السياسية والعلاقات الدولية
[email protected]