خالد الهواري: عصر الأبدية العظيمة

خالد الهواري
والصبح اذا تنفس، اشارات الطقوس المستهلكة للأختام السبعة، ازمة صاخبة للإعلان الرسمي عن الموت المتوج فوق تاريخ مغتصب بين ايدي فاتيكا مدائن القبور، رؤي في خريف الوان الحياة والمصائر ترسم نفسها بوضوح عند تخوم من تمازجوا بين الهواء والهواء، وحيث المدى مغطي بالسقوط في هاوية الوحش بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، والافواه التي تلوك بهجة احتفالات تدشين ديمومة ابدية الاشرعة المرفوعة علي العروش مثل الهياكل المحنطة، والجماجم فارغة العينين، وبقايا ما تركه الدود كشاهد علي الوليمة، تلك الوجوه التي يأكل الطير من ملامحها صباح مساء ويبصق علي رؤوسها المتوحشة بالذل منذ الازل، وجميعها باختلاف ابجدية اللهجات والهنات في عهرها كالمسخ المسترخي فوق الخازوق حتي تخوم الممالك، ومطروقه بوهج كل من داس بالنعال حماها وايواناتها المزيفة، وبعيون غارقات في لون حمرة ضحاياها، اذا ما الليل ارخي ستره، عصرت الحزن كؤوس العار والخيانة مع ندماءها من الاصنام الملونة الرافلين في دم الضحايا وارقام ابواب الزنازين، وكتاب دواوينها، وماسحين خصيانها بمداد السفاهة، هذه يدي علامات القربان الذبيح المحترق علي خريطة وطن مخنث يرفع الرايات الحمراء فوق استاره، ولا يشكوا من قبضة الزناة علي عوراته، يالا هذا الدم الذي يجري في العروق، حين يصبح الحق لغوا وسفاها، والطغاة الجبناء المرتعشين ابطالا، وحين تري السماسرة، والنخاسين، والعبيد والجواري يكتبون قصائد الغزل في مدح عار اسيادهم، اتعبتني ايها الوطن المعروض علي الارصفة في العواصم كبنات الليل فاردات الشعور ناهدات الصدور لكل عابر سبيل، قم يا ابراهيم، انهض من بين النار بردا وسلاما، وارفع فأسك، فالاصنام طغت بشهوة نهش زهرات حلمك السماوي في وطن عربيا واسلاميا يتغنى برحلة الخازوق المسافر في احشاءه.
عربة الكاروا، تلك العراجين التي ترتوي من الجاز، والوحل، والدمي الهشة المجبوله من طين ممزوج ببعر البعير، العربة التي كانت تقطع الطريق، والممرات الرخامية، والواح المرمر، بين فواح عطر العود، والقهوة المعطرة بالهيل، والعنبر، والمسك، والياسمين، وقمصان الحرير، وحمالات الصدور المتوارية من خلف اللحي والشوارب، وتستعرض بهاءها وفحولتها في ضوء مشكاة الكريستال المدلى من الاسقف العالية في مهرجان خروج الدود من العفن علي هيئة اشباه رجال وقفوا في طوابير الاستقبال والحفاوة مطئطئين الرؤوس، واعينهم مكسورة، وتتفاخر بجيوشها الغزاة القراصنة المنتشرين حول الارض بين جموع العبيد، والخصيان، والولدان المخنثين، والجواري، هؤلاء اشباه الملوك والامراء، المخنثين، انصاف الرجال الواقفين حشدا من خيال الظل الرخيص، والاحلام المنتظرة في رؤوس البغال بين اقواس القصور في ليلة من ليالي الفرح والهرج والمرج، والحصول علي وثائق ثبات استمرار الملك المتوارث المزيف ببيعه الخراف في فراغ الزريبة للكبش، واستقرار العروش المغتصبة بدون وجه حق غير السلب المتوارث عن اباءهم منزوعين الكبرياء والكرامة، والنهب لثروات الامة المقسمة، والمتاجرة بغشاء بكارتهم التي تتشكل حسب رغبة كل فحل .
العربة الكاروا المصبوغة باللون الاحمر بعجلاتها الخشبية المزينة بأوجاع البطون الجائعة التي تأكل من حشائش الارض فلا يزيدها العشب غير الجوع والعطش، وتنامي الحسرات في حمرة العبرات، معلقة بحبلين مطعمين بالذهب المنهوب من خبز الشعوب المغلوبة علي امرها، او باختيارها الصمت سبيل للحياة، علي بطن حمار عجوز جاء يأكل في نهم الجياع واللصوص اكياس العلف في حظائر الماعز، والخراف، والبغال، يفتح الابواب التي لا يمكن لغيره ان يفتحها ليغتنم فرصة الانفراد بهم فيضاجعهم واحدا تلو الاخر في مؤخراتهم عند صناديق الخزائن .
تلك الرؤوس المنكسة التي لا تعرف الحياء، شاهدناها ترسم الفرح علي وجوهها، حمرة الخدود من النشوة بعد ان قضت متعة ليلتها في فراش سيدها الذي جاء يجمع الذهب والفضة، وعلي حوافها بقايا عقال من اشلاء الطير الابيض مذبوح الكبرياء والكرامة يشكوا ازمنة السقوط في الوحل، اي انتهاك للحرمات امتد بها مجال الظل في مدن الحفاة الرعاع المجبولين من طين الحقارة والانبطاح ابناء واحفاد زناة التاريخ قبل ان يرسم لهم اسيادهم خرائط امتلاك، واغتصاب ابار العار الاسود، المتنعمين في حياة الزحف علي الايدي والبطون، والعهر المتوارث عن اباءهم واجدادهم كان يرسم بهجة لحظات اللقاء الاسطوري في نشيد منشدين الطاعة والوفاء، وتبرهن بلهاث الذهب والفضة ورائحة الجاز امانة طاعة الكلب الوفي.
التفاصيل الصغيرة العارية التي شاهدناها تصنع عالم من الدهشة المكتوم للحن الجنائزي بصيغة الغائب عن شعوب دفنت بعد ان اغتصبت في ملامح حارس الصحراء السفيه العابد في محراب ابراهيم الارضي، وراعي المقدسات التائه بين الحصي والرمل ليجلس علي عرش مرفوع علي الجماجم، ايحائية اللقطة في الصور المتكررة لعصا راعي الخراف والماعز وهو يهش عليها فتتجمع من حوله، والكلمات المجنحة في السفر المتواصل في عالم الصيغ الاستفهامية تعلوا فوق لمحات النور المتوج بهالات المجد فوق المآذن، وموسيقي اجراس الكنائس، وارتعاشات القديسين عند حائط المغفرة في سيرورة البحث اللانهائي في ترانيم الحرية حسب تسلل الاحداث، وتداخلها علي ابواب تاريخ معلق في اناشيد الرعب المتوحشة عند انتهاء زمن الابدية الهائل .