مروان محمد الخطيب: العلاقة بين الأدب والكون والحياة!

مَروان مُحمَّد الخطيب
الكلامُ على الأدبِ، كلامٌ على الحياة، واستغراقٌ لذيذٌ في مناحيها، يرقصُ فيهِ الخيالُ، وتتمايلُ بينَ جَنَباتِهِ العاطفةُ، وتمتطي في أرجائهِ الحكمةُ صهوتَها الأصيلةَ كي تبلغَ منتهىً فضِّياً أو ذهبيَّاً؛ وهناكَ تكتبُ الكلمةُ رسالتَها، و تعلنُ عن غايتِها، وكأنَّها تقولُ بالفمِ المَلآن: ها أنذا بينَ أيديكم، أغَرِّدُ وأنشدُ، ورغبتي في العلوِّ والسَّماء، وشوقي ذائبٌ في النَّداوةِ والنَّقاء، وهَمِّيَ الأوَّلُ والأخيرُ، أنْ يعرفَ الإنسانُ فحواهُ على الأرض، فلا يقسو، ولا يجثو، ولا يصغرُ، ولا يتكبَّرُ، ولا يظلمُ …، ولا يتدانى إلى مهاوي الهبوطِ والانكسار…!.
هوَ ذا الأدبُ يتماهى مع رسالاتِ الماوراء، ويشمخُ أمامَهُ دائماً معنىً أكيدٌ لكُنهِ الحياةِ وفلسفةِ البقاء، وبالتَّالي نراهُ يصَّاعدُ في مراقي العلوِّ ساعياً إلى معارجِ السَّعادةِ السَّرمديةِ، ونازعاً إلى آفاقِ الأنوارِ النَّبيذية، وتائقاً أبداً إلى فضاءاتٍ، لا يشبهها إلَّا تلكَ الملائكيَّة…!.
من هُنا يُمكنُ القولُ بأنَّ الأدبَ والفكرَ وجهان لعملةٍ واحدة، وإنْ ابتعدا عن بعضهما شكلاً، فإنَّهما يتلاقيان جوهراً وهدفاً، ولا يجوزُ عقلاً خلاف ذلك، لأنَّهما يمتاحان من عصائرِ الحياةِ، ويسيران في مناكبِها من أجلِ وجهةٍ، هي واحدة في نهايةِ المطاف.
و إذا قُدِّرَ لنا أنْ نُفَصِّلَ في مضامينِ وأنواعِ الأشكالِ الأدبيَّةِ فنقول: إنَّ الأدبَ، شعرَهُ ونثرَهُ ، ملاحمَهُ وقصصَهُ ورواياتِهِ، ومسرحَهُ وآفاقَهُ النَّقدية، لم يكنْ ليولدَ أصلاً، إلَّا استجابةً للدَّوافعِ الجِبِلِّيةِ الموجودةِ في تكوينِ الإنسانِ، مُتَّحدةً مع معارفَ تقنيَّةٍ مُكتَسَبةٍ في سياقِ تتويجِ موهبةٍ قد مُنَّ بها على صاحبها، فتمكَّن والحال كذلك، من تجاوزِ عَتَباتِ الصُّعود، ثمَّ الدُّخولِ إلى جَنائنِ الأدبِ وأدواحِهِ وخمائلِه .
وعندَ هذا الحدِّ، يصبحُ الأديبُ مسؤولاً عنْ أدبِه، ويعلو الأدبُ إلى مصافِّ الرِّسالةِ؛ وتلبسُ الكلمةُ لبوسَ البندقيَّةِ في ساحاتِ الإباءِ والكفاح، بل رُبَّما كانَ لها دورٌ أبلغُ منَ الرَّصاصِ، وأوسعُ دَوِيَّاً منَ القنابلِ، وأسمى منَ النَّارِ التي يُواجَهُ بها الأعداءُ المارقون، والسَّالبونَ المُعانِدون…!.
أمَّا في أزمنةِ الأمانِ والسَّلام، فإنَّ مَهَمَّةَ الكلمةِ والأدبِ تأخذُ موقِعَها الأساس الذي هوَ لها، وذلكَ في مؤازرةِ الفكرِ، وهو يبني الآدميَّ بعقليَّتِهِ ونفسيَّتِهِ، وصولاً إلى بناءِ الشَّخصيةِ الرَّاقيةِ التي تدركُ بشكلٍ قاطعٍ معنى وجودِها والدَّورَ المطلوبَ منها في هذه الدُّنيا .
وبناءً على ما تقدَّمَ، ننظرُ إلى الأدبِ بكلِّ تجلِّياتِهِ، وفي خِضَمِّ رُحاقيَّتِهِ وجماليَّتِهِ الآسرتين، لِنَراهُ رديفاً فاعلاً للفكرِ، في تشييدِ الصَّرحِ النَّظيفِ للإنسانِ على هذه البسيطةِ، رغبةً في الوصولِ الفذِّ إلى حالةِ الاندغامِ المُستنيرِ مع فلسفةِ الكونِ وحقيقةِ الحياة…!.