الدكتور ثابت المومني: هل سيكون الناقل الوطني المرتقب كجمل حملت فولدًا بلا جدوى؟!

الدكتور ثابت المومني
ملخص المقال: ((اننا وفي خضم الحديث عن سبل حل مشكله الشح المائي في الاردن فان مشروع الناقل الوطني الموعود يتصدر كافه الاخبار في وسائل الاعلام ووسائط التواصل الاجتماعي حيث من المقرر ان يوفر لنا هذا المشروع حوالي 300 مليون متر مكعب من المياه سنويا في حال تم تنفيذه عام 2030 حسب ما افادت به الحكومه.
واذا اخذنا بعض العناصر والمعايير الاساسيه في معادلات المتوفر والتزويد والطلب على المياه مثل عدد السكان اليوم ومعدل النمو السكاني وحصه الفرد من المياه (وبارقام رسميه وشبه رسميه) فاننا سنجد انفسنا في عام 2030 وقد بتنا بحاجه الى حوالي 152 مليون متر مكعب من المياه زيادة على نستهلكه اليوم بما يعني ان الناقل الوطني في حال تنفيذه لن يوفر لنا عام 2030 اكثر من 147 مليون متر مكعب فعليا من الميله بما يعني ان الناقل الوطني ربما لن يسعف موازنتنا المائيه لسد احتياجاتنا الا لغاية عام 2035 وليس كما تتامل الحكومه بان يفي هذا الناقل بحاجات الاردن حتى عام 2045 الامر الذي يتطلب منها ان نكون اكثر واقعية من وزن المشروع وان نكون اكثر جديه في البحث عن حلول مستدامه لحل ازمة المياه في الاردن.))
لقد كثر الحديث في الاونه الاخيره عن مشروع الناقل الوطني والذي من المفترض ان يوفر للاردن 300 مليون متر مكعب من المياه الصالحه للشرب سنويا بما يدعم المتوفر لدينا حاليا من المياه ضمن مصادرنا المائية المحدوده والشحيحه اصلا.
وهنا سابدا هذا المقال بعنوان ليس من باب التقليل من شان الناقل الوطني بقدر ما هو محاولة لتسليط الضوء وتنبيه لاصحاب القرار في شان قطاع المياه واضفاء المعلومه للمواطنين وللمهتمين منهم تحديدا على واقع الحلم الموعود ممثلا بالناقل الوطني كي لا نتفاجأ بالحقيقه .
فالرقم 300 مليون متر مكعب الموعوده لن تحل ازمتنا المائيه ابدا وبالمطلق لكنها ستساهم في تخفيف وطاتها في حال تم تنفيذ الناقل اليوم الموافق الحادي والعشرين من شهر مايو 2025 فكيف في حال تنفيذه في عام 2030.
وعليه فانه يتعين علينا جميعا ان نعي بان اي تاخير لهكذا مشروع او اي مشروع كان في مجال المياه فانه سيترتب عليه تراجعا في قيمته كمساهم في حل مشكلتنا المائيه في الاردن حيث ان متغيرات تتعلق بزياده عدد السكان والتطور الحضاري والصناعي والزراعي والمناخي والجيوسياسي وغيرها سيحتم علينا زياده في الاحتياجيات والتي ستلقي بظلالها على الوفر الذي سيحققه هذا الناقل.
وبحسب التقارير الصادره عن وزاره المياه فان المتوفر لدينا ولكافه الاستخدامات لعام 2022 حوالي 1117 مليون متر مكعب (1127 مليون في احسن الظروف) منها 520 مليون متر مكعب لغايات الشرب والاستخدام المنزلي.
وفي ذات الوقت فقد تضاربت الارقام حتى الرسميه منها حول نصيب الفرد من المياه لكافه الاستخدامات, فقد تراوحت بين 60 متر مكعب سنويا وحتى 135 متر مكعب سنويا في نشرات وتقارير اخرى مما يؤكد ضبابيه الوضع بشكل عام.
وامام هذا التضارب من الارقام ، واذا اخذنا بارقام وزاره المياه كمجموع مياه متوفره والمقدره ب 1117 متر مكعب تقريبا لعام 2022 فان فان المتوفر المفترض في عام 2030 يجب ان لا يقل عن 1270 مليون متر مكعب من منطوق اكتواري .
ومن المعروف ان الحكومه قد اعلنت بان الناقل الوطني والذي سيتم انجازه عام 2030 كما اعلنت عنه الحكومه والذي سيدعم خزينتنا المائيه بحوالي 300 مليون متر مكعب بما يعني ان ما هو متوقع ان يكون متوفرا سيصبح حوالي 1417 مليون متر مكعب وهذه الارقام استوحيها من ارقام تقارير وزاره المياه.
فاذا علمنا ان حصه الفرد هي 96 مليون متر مكعب سنويا لكافه الاستخدامات (وعلى احسن تقدير) ، واذا سلمنا بان معدل النمو السكاني هو 1.9% سنويا، فهذا يعني ان عدد سكان الاردن عام 2030 قد يتجاوز 13 مليون نسمه، واذا اعتبرنا ان حصه الفرد ستبقى ثابته بمقدار 96 م مكعب في السنه لكافه الاستخدامات فهذا يعني انه يجب ان يكون متوفر لدينا حوالي 1270 مليون متر مكعب من المياه.
واذا حسبنا الفارق في عدد السكان بين عامي 2030 وعام 2024 وعلى اساس ان حصه الفرد تبقى ثابته وهي 96 م فهذا يعني اننا سنحتاج عام 2030 الى حوالي 152 مليون متر مكعب زياده عما هو عليه اليوم ليصبح مجموع ما لدينا وما نزود به السكان هو 1117 مليون متر مكعب كما هو اليوم مضافا اليه 152 مليون متر مكعب (كما هو مفترض ان يكون عام 2030) اي بمجموع 1270 مليون متر مكعب كمعدل تزويد .
واذا عدنا الى الناقل الوطني فهذا يعني انه سيوفر للموازنة المائيه فقط 148 ( 300-152) مليون متر مكعب حيث ان الارقام الافتراضيه بعد تنفيذ مشروع الناقل الوطني تقول بان مجموع ما سيكون متوفر لدينا عام 2030 سيكون 1417 مليون متر مكعب تقريبا.
واذا اخذنا بمعادله المتوفر الافتراضي من المياه وهو 1417 مليون متر مكعب بعد تنفيذ الناقل الوطني متزامنا بالاخذ مع معادله التزويد على اساس ان عدد سكان الاردن سيصبح 13 مليون نسمه بحصه فرد 96 متر مكعب ، فان هؤلاء سيحتاجون الى 1270 مليون متر مكعب بما يعني انه في عام 2030 اي العام الذي سيتم الاعلان فيه عن انجاز مشروع الناقل الوطني (ان تم انجازه ) سيكون حوالي 1417 مليون متر مكعب منقوصا منها 1270 مليون متر مكعب بما يعني ان الناقل الوطني سيوفر فائضا في الموازنة المائية انذاك فقط 147 مليون متر مكعب تقريبا كواقع حقيقي وليس كما تتغنى به الحكومه بانه سيوفر 300 مليون متر مكعب، وهذا يعني ان الناقل الوطني بكلفته وبالهالة التي تحيط الحكومه به هذا المشروع الهائل فان قيمته تحديدا ستكون حوالي 147 مليون متر مكعب بعد انجازه .
هذا الرقم يعني ان القيمة الفعليه للناقل الوطني كمساهم في خزينتنا وموازنتنا المائيه ومساهم في حل ازمتنا المائيه سينتهي بحلول عام 2035-2040 على احسن تقدير اذا ما حافظنا في الاردن على تزويد السكان بحصصهم من المياه كما هو معمول به اليوم (عام 2025) وبواقع دور كل اسبوعين او ثلاث اسابيع في غالبيه مناطق المملكه وبنصيب فرد 96 متر مكعب في السنه.
كل هذه السيناريوهات والاضاءات تعتمد على اساس ان الناقل الوطني سياتينا بحوالي 300 مليون متر مكعب غير منقوصه حيث ان هناك ما يتردد من مصادر غير رسميه من ان هذا الناقل لن يوفر اكثر من 250 مليون متر مربع كمجمل انتاجيه متاحه بينما ستبقى حوالي 50 مليون متر مكعب مركونه سنويا في العقبه ربما تكون لغايات استثماريه او لغايات افاق تتطلع اليها الحكومه لانشاء مشاريع ومدن الصناعيه متطوره او ربما لمبادلتها لا اعلم تحديدا.
وعليه فانني انصح كل القائمين على ملف المياه في الاردن العوده الى ما كنا قد فكرنا فيه عام 2010 ونشرناه على وسائل الاعلام عام 2013 في مقاله لدراسه اكتواريه تحدثنا فيها عن مشاريع ستنفذ ونفذت كناقل الديسي ومشاريع اخرى كنا نفترض تنفيذها كناقل البحرين وغيرها من المشاريع الكبرى.
وللتذكير وعلى نفس النمط من الدراسه الافتراضيه كنا قد توقعنا سابقا بان ناقل الديسي في حال تشغيله عام 2013 (وقد تم فعلا) فانه لن يكفي الاردن لاكثر من عام 2023 لا بل حددنا في الدراسه ذاتها بأن الاردن سيواجه عجزا مائيا عام 2024 بمقدار 4 مليون متر مكعب وقد حدث برقم اكبر نتيجه للجوء السوري.
وفي ذات الدراسه توقعنا بان الاردن سيحتاج مشاريع كبرى متعدده وفي نفس الوقت نبهنا الى انه ومهما كانت هذه المشاريع الا انها لن تفي بالغرض لاكثر من عام 2045- 2050 مهما كانت هذه المشاريع حيث سيعود الاردن للوقوع في ازمه مائيه خانقه شبيهه بازمه 2020-2024 ، وعليه فقد اقترحنا انه وللوفاء باحتياجاتنا المائية بشكل مستدام لن يكون امامنا الا الحصول على احتياجاتنا من خلال التحليه باستخدام الطاقه النوويه كملاذ اخير لحل مشكلتنا المائيه للابد رغم كلفتها العاليه.
قد تكون الارقام هذه غير مقنعه للبعض ولكنني سبق وان اثبتها من خلال دراسة سابقه ، فالدراسه التي كنت قد اعددتها عام 2010 وقمت بنشر مقتطفات منها عام 2013 كنت قد حذرت من اننا قد نلجا لاستيراد المياه من اسرائيل قبل حلول عام 2023 وقمت بتحديدها بالاسم لقناعتي بان استيراد المياه من العراق او من تركيا سيكون امر شبه مستحيل او مكلف جدا وغير عملي.
اعلم ان البعض يعتقد هذه مجرد هلوسات ارقام واستنتاجات ولكني كنت ولا زلت مصرا على ما قمت به انذاك ولا زلت مصرا عليه اليوم وقول بان مستقبلنا المائي خطير جدا وقد يصل نصيب الفرد منا بيوم من الايام لاقل من 25 متر في السنه (وربما لا نجدها) ما لم نحسن الاداء بالبحث عن مصادر غير تقليديه لتخفيف وطاه شح المياه وذلك من خلال الاداره المتكامله لموارد المياه في الاردن وخصوصا تلك المياه الضائعه الصالحة للشرب والتي ننفقها على قطاع الزراعه بينما هذا القطاع يستهلك حوالي 55 الى 63% من موازنتنا
المائيه السنويه ، علما بان قطاع الزراعة لا يساهم في الدخل القومي باكثر 7% على احسن تقدير حسب المصادر الرسميه ناهيك ان غالبيه منتجات القطاع الزراعي التي تستهلك المياه الصالحه للشرب (كما هي في مزارع الديسي وفي وادي رم) تذهب للتصدير ولا يستفيد منها المواطن الاردني اي شيء عمليا.
كاتب اردني