د. حكم امهز: لو قالها من السفارة الامريكية لصفقوا.. “بجم” التبعية في لبنان

د. حكم امهز
في زمن صار فيه الدفاع عن السيادة تهمة، والصمت أمام الاحتلال فضيلة، خرج السفير الإيراني ليقول ما عجز عنه كثيرون : إن نزع سلاح الدول هو تمهيد لذبحها. فجنّ جنون البعض، لا لأنهم حريصون على لبنان، بل لأن الحقيقة صفعتهم.
هذا المقال ليس دفاعاً عن سفير، بل صرخة في وجه نفاقٍ مستمر… وصحوة لكرامة وطن يُستباح على عتبات السفارات.
فانصياعًا للمشروع الأمريكي وليس دفاعًا عن لبنان، شنّ بعض المغردين حملة شعواء على السفير الإيراني بسبب تغريدة وصف فيها مشروع نزع السلاح بأنه مؤامرة، واعتبروه “يحرض” حزب الله على عدم نزع سلاحه. وكأن الجريمة الكبرى اليوم هي الدفاع عن حق الشعوب في حماية نفسها، لا التآمر مع من يحتل ويقتل ويقصف بلا رادع!
لكن اللافت أن هؤلاء تغابوا أو تجاهلوا السياق الحقيقي لكلام السفير، الذي جاء تعليقاً على المحاولات الأمريكية المستمرة لنزع القدرات الصاروخية والدفاعية لإيران ضمن المفاوضات النووية الأخيرة. السفير لم يتحدث عن سلاح حزب الله تحديداً، بل عن مبدأ شامل، ينطبق على كل دولة تُجرد من وسائل الدفاع عن سيادتها، بينما يُمنح العدو الصهيوني ترسانة متطورة بلا قيد أو شرط.
بدايةً، لننظر في جوهر ما قاله السفير: رفضٌ لمحاولة تجريد الدول من سلاحها تحت ذرائع جوفاء، بينما تُغرق أمريكا الكيانَ الصهيونيَّ بأحدث الأسلحة. أليس هذا توصيفاً دقيقاً للواقع؟ أليست التجارب في العراق وليبيا وسوريا كافية لتبيان أن نزع السلاح لا يعني السلام، بل الاستباحة والانهيار والاحتلال؟
أما أن يُستفزّ البعض من تحذير السفير من هذه المؤامرة، فهذا لا يثير الاستغراب بقدر ما يثير الشك. فهل صار الدفاع عن حق الدول في امتلاك قدرة ردع جريمة؟ وهل المطلوب أن نسلم رقابنا لنُبح كالنعاج ونصفق كمن يفرح بمشاهدة أمه تغتصب نكاية بأبيه؟
والأدهى من ذلك، أن نفس الأصوات التي شنت الحملة على السفير الإيراني، لم تجرؤ يوماً على انتقاد التدخلات الأمريكية السافرة والمستمرة في الشأن اللبناني، من السفيرة دوروثي شيا إلى المبعوثة مورغان أورتاغوس وغيرها من الأسماء التي لا تتوقف عن فرض الإملاءات والضغوط بشكل وقح وعلني، ضاربةً بأحذيتها مفاهيم السيادة والاستقلال، وهدفها الحقيقي واضح : “إضعاف من يرفض التبعية والانصياع”.
السفير لم يأتِ بجديد. هذا هو الموقف الرسمي لإيران منذ عقود : السيادة لا تصان إلا بالقدرة، والاستقلال لا يُحمى إلا بالردع. ولبنان، تحديداً، يعرف جيداً معنى أن يكون بلا دفاع، وأن يُترك شعبه فريسة للعدوان كلما شاء العدو. فهل المطلوب اليوم أن يُسحب من لبنان ما بقي له من توازن ردع، لتُفتح الأبواب أمام العدو مجدداً؟
أما الحديث عن “استدعاء السفير”، فهو يعكس فوقاحة وتفاهة. الذين يجب ان يستدعون هم كل السُفراء الذين يدافعون عن تدخل أمريكا واسرائيلي في لبنان عسكريًا وسياسيًا وغيرهما، ويبررون دعم واشنطن المفتوح للعدو الصهيوني، ويصمتون عن المجازر اليومية في غزة.
ولماذا لا يُستدعى السفراء الأمريكيون حين يُمعنون في التدخل بشؤون لبنان؟ لماذا تخرس الألسن حين تُهان سيادة لبنان على منصات رسمية باسم “الشرعية”؟ لماذا لا نسمع كلمة اعتراض واحدة حين تُهان شريحة كبيرة من اللبنانيين في قلب القصر الجمهوري، بمباركةٍ أمريكية صريحة؟
إن الحملة على السفير الإيراني تكشف عمق التبعية الفكرية والسياسية لدى البعض، الذين صاروا يرون في كل ما لا يُرضي واشنطن “خيانة”، وفي كل ما يقاوم “تهديداً”. هم “بجم” التبعية في لبنان
نعم، الحفاظ على السلاح الردعي هو خط الدفاع الأول عن لبنان، وعن كل من يرفض أن يتحول إلى مستعمرة اسرائيلية جديدة.
ولمن يطالب بنزع السلاح تحت عنوان “السيادة”، نقول: السيادة لا تُمنح، بل تُنتزع.. والسلاح هو من ينتزعها ويحميها.
كاتب لبناني