كيف أدى ذكاء بوتين إلى إيقاع ترامب في فخ ألاسكا؟ وما هو دور الإسرائيليين وبعض العرب في هذه الهزيمة الأمريكية بشكل غير مباشر؟ ولماذا تعتبر الصين أكبر المستفيدين؟

عبد الباري عطوان
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اثبت انه ليس داهية فقط، وانما حظوظه “تفلق الحجر” مثلما يقول المثل الشعبي العربي، لان خصمه الأكبر يتمثل في الرئيس الأمريكي “الغبي” دونالد ترامب، الذي لا يجيد الا أحد أمرين: الصفقات التجارية والمالية، والمغامرات النسائية، مستخدما أقوى أسلحته وهو سلاح المال.
تشابهت “البقر” على ترامب الذي اعتقد ان بوتين لا يختلف مطلقا عن معظم الزعماء العرب الذين “ضبعهم”، وخاصة الذين التقاهم في لقاءاته وجولاته، يستطيع ان يأخذ منهم ما يشاء من تنازلات وتريليونات، وصفقات، واعتقد ان قمة ألاسكا التي جمعته مع الرئيس بوتين هي الطريق الأقصر لإنهاء الحرب الأوكرانية، والأسرع للوصول الى جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها “ضُرته” وعقدته النفسية الأكبر باراك أوباما، ولكن النتائج جاءت عكسية تماما، لان الرئيس بوتين خدعه، واوقعه في المصيدة، واعاده الى واشنطن “منزوع” الريش والكرامة معا.
***
الرئيس ترامب ظهر بمظهر المهرج، أكثر من مرة فيما يتعلق بالموضوع الاوكراني، بدءا بقوله اثناء حملته الانتخابية بأنه لو كان رئيسا لما حصلت حرب أوكرانيا، وطالما انها حصلت قبل ما يقرب الأربعة أعوام فانه يستطيع حلها في 24 ساعة، وها هي مستمرة أكثر من تسعة أشهر منذ عودته الى البيت الأبيض، وبلغ تهريجه ذروته عندما هدد خصمه الروسي بعقوبات مزلزلة اذا لم يرضخ لمطالبه وأمهله شهرا، وها هي المهلة تنتهي اليوم دون ان يفعل أي شيء، ولم يفرض أي عقوبات، وكأن العقوبات التي فرضتها بلاده في زمن سلفه بايدن التي تقترب من 14 الفا حققت أيا من نتائجها في تركيع روسيا.
الرئيس بوتين لم يتراجع، ومن تراجع هو الرئيس ترامب، الذي توقع ان يعود من قمة الاسكا محملا بالتنازلات الروسية الثقيلة، واتفاقا فوريا لوقف اطلاق النار، وحاول ترامب ان يخفي فشله بالقول ان نجاحا كبيرا قد تحقق في القمة، وتم التفاهم على العديد من النقاط، ولم تبق فقط سوى عدد قليل جدا منها، وبعضها ليس على درجة عالية من الأهمية، الأمر الذي يذكرنا نحن كعرب ومسلمين بالتصريحات نفسها التي ظل يرددها (ترامب) ومبعوثه الصهيوني ستيف ويتكوف طوال الأشهر التسعة الماضية من رعايته لمفاوضات الدوحة والقاهرة المتعلقة بوقف حرب الإبادة في قطاع غزة.
إذا صحت التسريبات الصحافية التي تقول ان ترامب وافق في قمة الاسكا على إقتراح قدمته روسيا يقضي بسيطرة الأخيرة، على منطقتين من أربع ضمتهم روسيا، وهما دونيتسك وغانكس، وعدم انضمام اوكرانيا الى حلف الناتو، اذا صحت، فان هذا يعني هزيمة الغرب بزعامة أمريكا لهذه الحرب والركوع للمطالب الروسية كاملة دون أي نقصان.
كل المؤشرات والتسريبات تؤكد ان الرئيس بوتين لم يوافق مطلقا على التنازل عن المناطق الأربع التي ضمها بالقوة، وفوقها شبه جزيرة القرم التي جرى ضمها عام 2014، مثلما لم يوافق على أي وقف لإطلاق النار قبل التوصل الى اتفاق سلام شامل عنوانه الأبرز التسليم بالمطالب الروسية كاملة في أوكرانيا.
خمسة قادة أوروبيين شدوا الرحال الى البيت الأبيض وفي معيتهم الرئيس الاوكراني زيلينسكي للقاء الرئيس الأمريكي (قادة بريطانيا وفرنسا، إيطاليا، المانيا، وفنلندا، ورئيس الاتحاد الأوروبي) مساء اليوم، ولا نستبعد ان يكون هذا اللقاء هو بداية القطيعة بين أمريكا ترامب والاتحاد الأوروبي، وهو الاتحاد الذي يشعر بالمرارة من خيانة ترامب له، واحتقاره وقياداته، عندما بادر بالاتصال هاتفيا بالرئيس بوتين قبل إبلاغهم او حتى التشاور معهم، وهم الذين قدموا اكثر من مئتي مليار دولار من المساعدات والأسلحة للرئيس الاوكراني وجيشه، وتكبدوا خسائر اقتصادية وسياسية ضخمة.
***
ختاما نقول، لم يذهب ترامب الى قمة الاسكا، ويفرش السجاد الأحمر للرئيس بوتين، الا بعد ان تأكد من هزيمة بلاده في هذه الحرب الاستفزازية، وقرب خسارتها لزعامة العالم لمصلحة البلدوزر الصيني الكاسح على الصعد كافة.
ترامب وقبله الديمقراطي بايدن توقعوا ان يؤدي توريطهم لروسيا في الحرب الاوكرانية الى إفلاسها اقتصاديا وتفكيكها داخليا، وسقوط نظام بوتين بإنقلاب عسكري، ولكن جميع هذه التوقعات والتمنيات منيت بفشل كبير، ونجحت القوات الروسية في ضم الأقاليم الأربعة، وما حدث هو العكس تماما، فأمريكا هي التي باتت على أبواب الانهيار بسبب تعاظم الدين العام (43 تريليون دولار)، والعجز السنوي الناجح عن فوائده ويصل الى تريليون و300 مليار دولار.
الاقتصاد الروسي ما زال متمسكا، والعملة الوطنية (الروبل) حافظت على قوتها، والنفط والغاز الروسي يتدفق على الصين والهند حليفه أمريكا، اما الوحدة الترابية ففي أفضل احوالها وتتوسع (بعد ضم الأقاليم الأوكرانية الخمسة).
نتضرع الى الله ان يتعاظم هذا الغباء الامريكي وان يتعمق، وان تتفكك امبراطورية الشر الامريكية الرسمية التي أيدت، ودعمت حرب الإبادة والتجويع في قطاع غزة، وانفضحت كل أكاذيبها عن حقوق الانسان، وحرية التعبير، والديمقراطية وقيادة العالم الحر، الى دعم الحروب والدمار.
انها لعنة دماء شهداء قطاع غزة، ومعاناة شعوب العالم الثالث من شرور ترامب و”معلميه” الصهاينة الذين باتوا يتحكمون بالقرار الأمريكي، ويوجهونه وفق مجازرهم.. انها بداية النهاية لهذه الإمبراطورية الشريرة المتغطرسة.. والأيام بيننا.