إلقاء القبض على رئيس هيئة دينية رسمية في المغرب يثير جدلاً كبيرًا.. عالم مقاصدي ينتقد.. وبن كيران يرفض اعتبار وزارة الأوقاف “تشويهًا للإسلام” في مسألة الإعفاء.

إلقاء القبض على رئيس هيئة دينية رسمية في المغرب يثير جدلاً كبيرًا.. عالم مقاصدي ينتقد.. وبن كيران يرفض اعتبار وزارة الأوقاف “تشويهًا للإسلام” في مسألة الإعفاء.

 

الرباط ـ “رأي اليوم” ـ نبيل بكاني:

أوقفت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مساء يونيو 2025، محمد بنعلي من رئاسة المجلس العلمي المحلي لفكيك، وقد برر مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي الجهوي للشرق، في تصريح إعلامي، سبب الإعفاء بأنه يعود إلى نتائج تقارير لجنة مركزية من المجلس العلمي الأعلى خلال زيارة للمجلس العلمي المحلي لفكيك وعدد من المجالس بالجهة، والتي وثقت ضعف انتظام الحضور والمتابعة من طرف رئيس المجلس، وهو الأمر الذي أقر به المعني شخصيًا. وأضاف بنحمزة أن اللجنة وجدت خلال زيارتها للمجلس العلمي المحلي في بوعرفة يوم الاثنين 2 يونيو 2025، غياب أغلب الموظفين حيث لم يكن سوى موظف واحد وحارس، وهو ما أثار استغراب اللجنة وأثر على قدرتها في إجراء تقييم شامل.

 

من جهته وجه العالم المقاصدي المغربي والرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، انتقادات حادة لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، على خلفية قرار إعفاء محمد بنعلي من رئاسة المجلس العلمي المحلي لفجيج، واصفًا القرار بأنه “انفرادي وبدون تعليل”.
وفي تدوينة نشرها على صفحته في “فيسبوك” بعنوان “الفرق الدقيق بين التخلف والتخلف السحيق”، أكد الريسوني أن القرار اتخذه الوزير بشكل منفرد، مشيرًا إلى أن مثل هذا التصرف لم يعد موجودًا في باقي الإدارات والمؤسسات المغربية، باستثناء وزارة الأوقاف.
وأوضح الريسوني أن هذا النوع من العزل، الذي شمل رؤساء وأعضاء المجالس العلمية وكذلك خطباء الجمعة، يتم بطريقة “موغلة في الاستبداد”، ولا وجود لمثيله في أي وزارة أو مؤسسة أخرى، سواء عامة أو خاصة.
وأشار الريسوني إلى وجود تناقض في تصريحات المسؤولين، حيث ذكر رئيس المجلس العلمي الجهوي، مصطفى بنحمزة، أن المجلس العلمي الأعلى هو الجهة التي اتخذت قرار العزل، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع نص القرار الوزيري، ما يستوجب توضيحًا رسميًا.

ونوّه بأن القرار الوزيري خالٍ تمامًا من أي تعليل أو تفسير، ولم يتضمن حتى إشارة بسيطة للأسباب أو المؤاخذات التي دفعت إلى الإعفاء، مما يجعل من الصعب على المعني بالأمر فهم مبررات القرار.
ووصف الريسوني هذا التصرف بأنه يتجاوز مجرد التخلف إلى “التخلف السحيق”، معبّرًا عن استغرابه من أن المعني لم يعرف حتى الآن سبب عزله سوى التخمينات، رغم اعترافه بتكرار الغياب، الذي قال عنه: “هذه حقيقة لا أنكرها”.
وأكد أن تركيز اللجنة على الغياب وحده كسبب للعزل أمر غير منطقي، لأن ذلك كان يجب أن يستدعي عزل جميع المتغيبين بلا عذر، كما أشار رئيس المجلس الجهوي في بيانه.
كما انتقد الريسوني استناد الوزير إلى الظهير المنظم للمجالس العلمية دون تحديد المادة القانونية التي استند إليها، مشبهًا ذلك بحكم يصدر دون الإشارة إلى نص قانوني محدد.
وختم الريسوني بالتأكيد على أن مقالاته التي تناولت “التخلف السحيق” في وزارة الأوقاف أثارت جدلًا واسعًا، لكنه يرى أن من حق الجميع التعبير عن آرائهم وانتقاد ما يرونه مناسبًا.

وأوضح أن مفهوم التخلف يعترف به صاحبه ويسعى لتجاوزه، مضيفًا أن المغرب يسير في طريق بناء دولة ديمقراطية تستند إلى القانون والحق، كما ورد في ديباجة الدستور المغربي.
وفي تفاصيل الزيارة التي قامت بها اللجنة يوم الاثنين 2 يونيو 2025 إلى مقر المجلس العلمي المحلي بمدينة بوعرفة، لوحظ غياب معظم الموظفين، حيث وجد أعضاء اللجنة موظفاً واحداً وحارساً فقط، مما أثار استغرابهم وأثر على تقييمهم الشامل لأداء المجلس. واستند القرار الإداري، الذي أصدرته وزارة الأوقاف، إلى هذه التقارير التي وثقت ضعف التزام رئيس المجلس العلمي بالحضور والمتابعة، وهو ما أقر به المعني بالأمر بنفسه.
وردًا على القرار، أصدر مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي الجهوي للشرق، توضيحًا أكد فيه أن الإعفاء هو إجراء إداري بحت لا علاقة له بأي مواقف سياسية أو دينية لمحمد بنعلي. ودعا بنحمزة وسائل الإعلام والجمهور إلى تحري الدقة وعدم الانسياق وراء شائعات ربطت قرار الإعفاء بمواقف سياسية أو إيديولوجية، مشددًا على أن الأسباب الحقيقية ترتبط بالانضباط والمواظبة.
علّق عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، على موقف الدكتور أحمد الريسوني، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في قضية إعفاء رئيس المجلس العلمي المحلي بفجيج.
وأكد بنكيران في تصريحاته احترامه وتقديره للمكانة العلمية الرفيعة التي يحظى بها الريسوني، مشدّدًا على حق الأخير في التعبير عن رأيه وانتقاد قرار الإعفاء، سواء من حيث الطريقة التي اتخذ بها القرار أو غياب التعليل والتوضيح، معتبراً أن القرارات الإدارية من المفترض أن تكون واضحة ومبررة.
في المقابل، عبّر بنكيران عن رفضه القاطع لاستخدام تعبيرات وصفها بـ”المبالغ فيها” التي وصف بها الريسوني وزارة الأوقاف، لا سيما وصفها بأنها تقوم بـ”تشويه الإسلام”، مؤكدًا أن هذا الوصف لا ينطوي على العدالة أو الإنصاف، ولا يليق بمستوى النقاش الموضوعي.
من الجدير بالذكر أن الدكتور الريسوني أصدر مقالين تناول فيهما موقفه من قرار الإعفاء، حيث عنوان مقاله الأول “وزارة الأوقاف.. رمز التخلف السحيق”، وبيّن فيه أن إصدار قرار الإعفاء بحد ذاته أمر متوقع، لكن الغريب هو أن يتم دون أي تفسير أو تعليل، حتى ولو بكلمة واحدة أو إشارة.
أما مقاله الثاني، الذي حمل عنوان “الفرق الدقيق بين التخلف والتخلف السحيق”، فقد استعرض فيه الظاهرة الأوسع داخل وزارة الأوقاف، مشيرًا إلى وجود حالات عدة تعاني من “التخلف السحيق” الذي يعتبره بعض الحراس تخلفًا مقدسًا لا يجوز المساس به، مستشهداً بقضية عزل رئيس المجلس العلمي المحلي بفجيج كنموذج لهذه الظاهرة وطريقة التعامل معها.

من جانبها، أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بيانًا أوضحت فيه أن الإعفاء من المسؤولية يتم وفق مساطر واضحة، إما عبر حكم قضائي أو تقرير تأديبي في حالة الوظائف النظامية، أو بناءً على صلاحيات الجهة المعينة في حالات التكليفات غير النظامية. وأكدت الوزارة أن عدم الكشف عن التفاصيل لا يعني غياب المبررات، بل يفهم ضمنًا أن المعني لم يعد قادرًا على أداء المهام المطلوبة منه، خصوصًا بعد اعترافه بتكرار غياباته.
مع ذلك، أثار هذا القرار موجة من الانتقادات والتساؤلات، حيث اعتبر بعض المراقبين أن مبررات الإعفاء تستند إلى معايير انتقائية تُطبق بشكل متفاوت على مسؤولي المجالس العلمية، في حين تشير أصوات أخرى إلى استغلال سياسي داخل المؤسسة الدينية لتصفية حسابات أيديولوجية. كما وجهت اتهامات إلى وزارة الأوقاف باحتكار سلطات التعيين والعزل، مما يطرح تساؤلات حول استقلالية المجالس العلمية.
وفي ردود فعل حادة، وصف مصطفى بنحمزة منتقدي القرار بـ”الموسوسين المرتابين”، وهو ما اعتبره بعض المراقبين إساءة تعبر عن حجم الصراعات داخل الحقل الديني المغربي. كما أشار البعض إلى أن خطة “تسديد التبليغ” التي يدعمها الوزير الحالي تحمل أبعادًا معقدة تهدف إلى تعزيز نفوذ تيارات معينة على حساب أصوات مستقلة.
تأتي قضية إعفاء رئيس المجلس العلمي لفكيك في سياق متصل بنقاشات أوسع حول أداء المجالس العلمية ومصداقيتها، خاصة بعد عزل رؤساء مجالس أخرى مثل كلميم وسلا والفحص أنجرة، وما يُقال عن حماية بعض المسؤولين من دون استيفاء معايير الكفاءة والانضباط.
ويؤكد متابعون أن أبناء المنطقة الشرقية هم الأقدر على كشف ملابسات هذه القضية بموضوعية، بعيدًا عن محاولات تضخيم النزاع وتوظيفه أيديولوجيًا في صراع أوسع بين الدولة والقوى الأصولية في المغرب.