لبنان بأسره شارك في الحزن العميق خلال وداع زياد الرحباني

بيروت (لبنان)-(أ ف ب) – ودّع لبنان الاثنين في مأتم مهيب الفنان زياد الرحباني، أحد أبرز المحدّثين في الموسيقى والمسرح في لبنان خلال العقود الماضية الذي توفي السبت عن 69 عاما، فيما كانت محط الأنظار رباطة جأش الفنانة فيروز خلال مشاركتها بوداع ابنها في كنيسة بمنطقة جبلية شمال شرق بيروت.
وقبل أن يسلّم رئيس الحكومة نوّاف سلام العائلة في نهاية مراسم الدفن وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور الذي منحه رئيس الجمهورية جوزاف عون للراحل، أكد أن “لبنان كله شريك في هذا الحزن الكبير”.
وتوجه إلى الراحل قائلا “زياد المبدع العبقري، كنتَ أيضا صرخة جيلنا الصادقة، الملتزمة قضايا الإنسان والوطن”، مضيفا “ستبقى يا زياد صوت الجمال والتمرد، صوت الحق والحقيقة حين يصير السكوت خيانة”.
ولاحظ راعي أبرشية جبل لبنان للروم الأرثوذكس المطران سلوان موسي الذي ترأس قداس الجنازة في كنيسة رقاد السيدة بمنطقة المحيدثة في بكفيا بجبل لبنان، أن الرحباني “رأى آلام الناس وتوجّع فيها” و”عبّر عن معاناتهم”.
وأضاف “زياد كان حاملا جرحا في نفسه وهذ الجرح جعله يكون مبتكرا بدلا من (…) التذمر والتباكي”.
وخاطبَ فيروز قائلا “أولادك كثر، موجودون في كل مكان، يستيقظون وينامون على هذا الصوت وهذه الكلمة وهذا المعنى الذي (…) يشعل في النفوس شرارة أمل جديد”.
وجلست فيروز البالغة تسعين عاما من دون أن تظهر على وجهها أية انفعالات قرب النعش خلال القداس مغطية رأسها بوشاح أسود شفاف، وواضعة نظارتين سوداوين.
وبقيت فيروز ساعات قبل الدفن وبعده تشارك جلوسا وقربها ابنتها ريما في تلقّي التعازي وتحني رأسها شاكرة وفود المعزين الذين تقاطروا بأعداد كبيرة، بينهم مشاهير كثر من مجالات مختلفة، في قاعة الاستقبال التابعة لهذه الكنيسة البيزنطية الطراز المشيدة عام 1900 والتي تملأ الأيقونات الدينية القديمة جدرانها.
وامتلأت مقاعد الكنيسة بأكملها قبل أكثر من ساعة على بدء القداس الذي حضره عدد من كبار الشخصيات، فيما توزع الحاضرون في الباحة الخارجية وقوفا أو جلسوا تحت أشجار الزيتون.
وعلت الصيحات والزغاريد والتصفيق حين حُمل النعش على الأكف بعد القداس، وسط الدموع وقرع الأجراس حزنا.
ومن لم يتسن له أن يكون موجودا في الكنيسة خلال المراسم، عاد ودخلها بعد انتهائها لإلقاء النظرة الأخيرة على النعش قبل مواراته في مدافن العائلة الواقعة في بلدة قريبة.
وتناوبَ كثر على المرور أمام النعش وتقبيله ووضع الزهور عليه وتزيين مقابضه بالورود الحمراء.
أما سميرة صفي الدين من بلدة شمع في قضاء صور (جنوب لبنان)، فجاءت مع نجلها البالغ 12 عاما، وحملا العلم اللبناني، فيما ارتدى الفتى قميصا بألوانه.
وقالت الأم “نحن من عشاق زياد ونشأنا على فنه، وابني يغني له وللسيدة فيروز ويعزف على البيانو ألحانهما ويستيقظ على صوتيهما”.
وقالت دارين ابراهيم التي جاءت مع أصدقائها من بلدة قرب صيدا في جنوب لبنان “نحن مصدومون منذ يومين”. وروت ” بدأت قصتي مع زياد عندما كان عمري 11 عاما، إذ وقعتُ مصادفة على شريط كاسيت +أنا مش كافر+ في منزلنا (…) وحفظت كل الأغنيات فيه، ولكن لم يسبق أن التقيته”.
ووصل الجثمان إلى بكفيا بعد محطة قصيرة في شارع الأخوين رحباني في بلدته الساحلية انطلياس، حيث كان العشرات في استقباله.
– أمام المستشفى –
وكان أكثر من ألف من محبيه تجمّعوا منذ ساعات الصباح الأولى أمام مستشفى “بي أم جي” في بيروت لمواكبة نقل جثمانه.
وأحضر كثر من هؤلاء ورودا بيضاء وحمراء وباقات أزهار، وحمل عدد منهم صورا للرحباني.
ولدى خروج السيارة المخصصة لنقل الجثمان من المستشفى، علا التصفيق على وقع قرع أجراس كنيسة المنطقة، وراح الحاضرون الذين أجهش كثر منهم بالبكاء ينثرون عليها الأزهار والأرُزّ، ويطلقون الزغاريد.
وبين المشاركين ربيع زهر، صديق زياد الذي كان يشاركه الغناء، وهو صاحب حانة “بارومتر” التي كان يتردد عليها الراحل في منطقة الحمرا في بيروت.
وقال لوكالة فرانس برس “آخر مرة رأيته كانت الجمعة في بيته، وكنا نحاول إقناعه بالذهاب إلى المستشفى كما كنا نفعل منذ أشهر لكنه لم يكن يرغب، فكنا نأتي له بالطبيب إلى البيت. توسلته هذه المرة أن نأخذه إلى المستشفى، وألححت عليه في طلبي، لكنه لم يشأ”.
– موسيقى ومسرح –
كان الرحباني المولود في الأول من كانون الثاني/يناير 1956، خلال مسيرته التي بدأت في مطلع السبعينات، كاتبا وملحنا وموسيقيا ومسرحيا، أضحك الجمهور كثيرا بنقد ساخر، لكنه حاكى به الواقع اللبناني المرير من الانقسامات الطائفية والعصبيات والتقاليد والإقطاع، ولم ينج من انتقاداته فن والديه التقليدي والفولكلوري.
واشتهر الرحباني بمسرحياته التي أنتجها خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). ورغم انتمائه السياسي المعلن، حظي بشعبية واسعة في كل فئات الشعب اللبناني.
وفي الجانب الموسيقي، لحّن أغنيات كثيرة، قسم كبير منها لوالدته فيروز، ولغيرها من الفنانين الذين عملوا معه.
وقد ساهم وفق خبراء في “تجديد فيروز وتطوير” أعمالها لمواكبة الزمن اعتبارا من التسعينات.