أسباب وعواقب العقوبات الجزائرية على فرنسا: هل تسعى باريس لفرض سياسة قاسية؟ وما هي مشاعر ‘المستعمر السابق‘ تجاه ذلك؟ فرض اليمين سيطرة والاعتراف الفرنسي بحقوق الصحراء كان الخطوة الأولى!

أسباب وعواقب العقوبات الجزائرية على فرنسا: هل تسعى باريس لفرض سياسة قاسية؟ وما هي مشاعر ‘المستعمر السابق‘ تجاه ذلك؟ فرض اليمين سيطرة والاعتراف الفرنسي بحقوق الصحراء كان الخطوة الأولى!

 

عمان – “رأي اليوم” – خالد الجيوسي:

لا تتوان الحكومة الجزائرية عن فرض سيادتها، والأهم إرادتها، وحضورها السياسي، وهي تتواجه الند بالند مع “مُستعمرتها” السابقة فرنسا، حيث أعلنت الجزائر سحب جميع بطاقات امتياز الدخول إلى موانئها ومطاراتها التي كانت تستفيد منها سفارة فرنسا.

هذه الخطوة جاءت جزائريًّا، بشكل حازم، وصارم، وفي إطار كما قالت الجزائر المُعاملة بالمثل، وردًّا منها على ما قالت إنها “قيود مستمرة” فرضتها سُلطات باريس على إيصال واستلام الحقائب الدبلوماسية الجزائرية بفرنسا.

وهذا تصعيد جديد يُنذر بمزيد من تأجيج التوتر بين البلدين، فيما لا تُظهر الجزائر تراجعًا في المُواجهة، حيث هذه الخطوة تأتي بعد أن استدعت الخارجية الجزائرية في وقت سابق القائم بأعمال السفارة الفرنسية بالجزائر، للمرة الثانية، على خلفية ما اعتبرته الجزائر “انتهاكًا صارخًا للالتزامات الدولية” من قبل الحكومة الفرنسية، في إشارة إلى عرقلة إيصال واستلام الحقائب الدبلوماسية.

واستغربت الجزائر سابقًا، منع دبلوماسييها من دخول المناطق المخصصة لاستلام الحقائب الدبلوماسية في مطارات باريس، ووصفت الحادثة بأنها “انعدام تام للشفافية” و”انتهاك خطير” لاتفاقية فيينا.

وتستند الجزائر في رفضها للإجراء الفرنسي إلى عدد من الاتفاقيات الثنائية، أبرزها اتفاق 1968، الذي يمنح الجزائريين امتيازات خاصة في الإقامة، واتفاق 2013 الذي يعفي حاملي الجوازات الرسمية من التأشيرة.

هذا التصاعد في الخلاف الجزائري- الفرنسي، مردّه الأوّل إلى تدهور العلاقات بين البلدين حين خفّضت كل من الجزائر وباريس، تمثيلهما الدبلوماسي لدى بعضهما البعض لمستوى القائم بالأعمال، إثر تدهور العلاقات بينهما منذ 30 يوليو/تموز 2024 إثر اعتراف الحكومة الفرنسية بمقترح الحكم الذاتي المغربية في الصحراء كحل وحيد لإنهاء النزاع المُفتعل.

وتُعلن فرنسا العداء الصّريح للحكومة الجزائرية، على الأقل من ناحية وزير الداخلية الفرنسي بيرنو روتايو الذي دعا علنًا إلى تبنّي قبضة حديدية ومبدأ القوة مع الجزائر، مُنتقدًا سياسة “دبلوماسية المشاعر الحسنة مع الجزائر”.

وتتّهم الجزائر الوزير المذكور بتغذية الكراهية والعداء تجاهها، وقد يتصاعد هذا التحريض، لأسباب سياسية، حيث يستعرض السياسيون الفرنسيون مواقفهم العدائية ضد الجزائر، لإرضاء الناخبين اليمينيين، ومع اقتراب الانتخابات في فرنسا وتحديدًا الرئاسية العام 2027.

ويتردّد بأن الوزير المتشدد روتايو سيتقدم بجملة من الاقتراحات تشمل: تجميد الأصول الجزائرية في فرنسا، إعادة النظر في سياسة منح التأشيرات للمواطنين الجزائريين، واتخاذ تدابير انتقامية ضد شركات الطيران الجزائرية.

وأعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، يوم السبت، عن استدعاء القائم بأعمال السفارة الفرنسية مجدداً، احتجاجاً على استمرار العراقيل المفروضة على إيصال واستلام الحقائب الدبلوماسية لسفارة الجزائر في باريس، معتبرةً ذلك انتهاكاً صريحاً للالتزامات الدولية.

ويقول نشطاء جزائريون، بأن فرنسا لا تفهم أن الجزائر دولة مستقلة منذ العام 1962، وخاصة من التيار المتطرف في الإليزيه، هذا عدا عن تنامي الدور الجزائري المحوري في إفريقيا، وداخل الاتحاد الإفريقي الذي أثّر على الدور الفرنسي، هذا عدا عن وقوفها في خندق القضية الفلسطينية، الأمر الذي يُعاكس تحالفات اليمين الفرنسي المتطرف مع إسرائيل.

وتُشير صحف جزائرية إلى أن دولًا أوروبية أخرى مثل ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا لم تتبنَّ أي إجراء مماثل تجاه الجوازات الجزائرية، ما يُظهر الطابع الفردي للقرار الفرنسي، ويعكس ميل باريس لفرض نموذج أحادي في علاقتها مع الجزائر، بمعزل عن التوافق الأوروبي.

وتوجّه الجزائر بشكل لافت خلافها مع باريس نحو حصره في وزير الداخلية برونو روتايو، وتستغل أنه يعيش أيضًا توتّرًا مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إذ رفض الأخير استقباله كما كان مقرّرًا، في خطوة فسّرت محليًّا بأنها رد مباشر على نية روتايو تحويل اللقاء إلى ساحة لتصفية الحسابات.

بكُل حال، تنجح الجزائر في فرض احترام سيادتها، من خلال التعامل السريع من خلال فرض التعامل بالمثل مع فرنسا، بل وتنجح الجزائر في خلق حالة تباين حادّة بين المسؤولين الفرنسيين حول طريقة التعامل معها، وهي تتعامل الند بالند، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لا يتّفق مع وزير داخليته بخصوص السياسة الخشنة مع الجزائر، وهو ما يضع الوزير المتشدد ضمن خيارات التهديد بالاستقالة كخيار أخير، وهي استقالة لا تخدم إلا الجزائر، كونه لن يُحقّق شيئًا مذكورًا ضدها وهو خارج الحكومة تمامًا، وعلى كل الاتجاهات تحقق الجزائر إذًا نصرًا سياسيًّا، فمُستعمرتها السابقة تتأثّر بالجزائر، وتُقلّب الأخيرة موازين مسؤوليها سواءً المشغولين بعدائها، أو طلب ودّها!