صالح عوض: ضرورة عدم كوننا أدوات في مخطط العدو… حديث يجب أن يُقال

صالح عوض
هل كان العالم يحتاج لكل هذه المقتلة في غزة لكي يصحو من كان يتوقع ان تصبح برلين المقيدة بتاريخها احد عواصم الانتفاضة الغربية ضد الصهاينة اليهودية كما قال كينسنجر وظير خارجية امريكا اليهودي : تمنيت ان لا اعيش حتى ارى مظاهرات في برلين ضد اسرائيل .. ومن كان يتوقع ان نيويورك مدينة المال اليهودي تنتفض وتنحاز لفلسطين و لمن ينصر فلسطين.. ومن كان يرى ان طلبة امريكا ينحازون لغزة ويهتفون ضد اسرائيل .. من كان يتوقع كل هذا العضب الشعبي في امريكا واوربا ضد اسرائيل.
كان واضحا ان الكيان الصهيوني قد وجد فرصته في انهيار المنطقة وهرولتها للتطبيع والانضباط مع ايقاع الخطة الجهنمية في تحويل المنطقة عن ثقافتها ودينها إلى دين جديد وسياسة جديدة وارتباطات جديدة وان يتم تهويد فلسطين وبعض جوارها لتكون مركز قيادة المشروع الصهيوني العالمي ..
واطمأن العدو لضعف الفلسطينيين واحباطهم بعد فشل مسلسل المفاوضات العبثية.. وفي ظل الظروف المحلية والاقليمية والعالمية انطلق الوحش الصهيوني تغولا في الاستيطان والتهويد وانتهاك القدس والاقصى والحرم الإبراهيمي.. وتجاوز القضية الفلسطينية
هذا وقد وجدت السردية الصهيونية عبر عشرات السنين من الإعلام والمثقفين بل ومناهج التعليم في أوربا وامريكا كل دعم وتعميم حتى عاد مصطلح الهولوكست والديمقراطية الاسرائيلية ومعاداة الساميةوارهاب حركات المقاومة الفلسطينية اهم ثوابت الخطاب الغربي .. وارتبطت كل المؤسسات الغربية العلمية والبحثية والتشريعية والسياسية والامنية في الغرب بحليفتها في اسرائيل ..ودوما هناك عرابون للعملية من لوبيات يهودية أو حليفة لها في امريكا والعالم.. على رأسها الايباك والمنظمات الماسونية وعصابات المال المرتبطة بالعصابة الدولية.
فكيف يمكن كسر هذه الهجمة المتنوعة والمتعددة الوسائل واستعادة القضية الفلسطينية بكل زخمها؟ يبدو الأمر مستحيلا ولذلك كان الأمر باهض التكلفة وفوق الخيال فكان دم ربع مليون فلسطيني من القطاع وتدمير ٨٠ بالمائة من مساكن القطاع وتجويع ٢،٤ مليون فلسطيني وتعريضهم دوما لشتى أنواع الموت.. ولقد عقد الجبن النظام العربي الذي اسرع فيما قبل للهرولة نحو التطبيع والانهيار أمام الخطة الامريكية .. ولقد اصبح النظام العربي أما مشاركا للعدو أو متخاذلا عن نصرة فلسطين.
ما يمكن مراقبته في مشهد المقتلة في قطاع غزة لا يختلف عليه اثنان.. حتى ان بعض قادة العدو الصهيوني صرخوا بذلك كثيرا فهو فوق الخيال وقد تجاوز كثيرا ما يتم ترويجه في الإعلام الصهيوني والغربي عن جرائم هتلر.
لكن لهذه الملحمة المأساة ايجابيات ضرورية لا بد من تدبرها قبل أي محاولة للحديث بروح اليأس والاحباط والاستسلام لما يريد العدو ان يكرسه.
العالم ليس فقط متعاطف مع شعبنا بل يتقدم خطوات جهادية كبيرة للتحرر من عقدة الذنب ولم تعد فلسطيني كلمة حيادية بل كلما سر لتحرير البشرية .. وها هم احرار الغرب وشرفاؤه يصلبون رواية الصهيونية ومسلماتها ويرون ضرورة تفجيرها ولم تعد قادرة على أعاد صياغتها أو مزاحمة الرواية الفلسطينية..
لقد سلخنا جلد العملاء والخونة .. واظهرنا من جديد حجم الخور والعلمنة التي عششت في قلوب كثيرين من أبناء الأمة الذين تخلصوا علنا من قشور تدثروا بها طويلا.. العالم عدل بوصلته وهمه وقضيته لنصبح نحن رواد كفاحه ضد قيود استبدت في عنقه
مثال ذلك أن تسير المظاهرات في فرانكفورت لتتحرر من عقدة المذبحة ويعلو الصوت في المانيا ضد الابتزاز الصهيوني.. ويتنوع رد المجتمعات الغربية ليصل احيانا إلى درجة إحراق الشخص النار في جسده.. واستقالات من مواقع سامية وانسحاب ضباط وخبراء من مواقعهم رفضا لخدمة تؤدي لمصلحة الصهاينة.. وتنتفض جامعات الغرب وامريكا ومؤسسات علمية واكاديمية عديدة لتقطع الصلة مع الصهاينة .. وتقرر شعوب وبعض الدول في الغرب عن رفض تسليح العدو ومرور سفن تحمل السلاح له.
لقد كان العالم يحتاج ٧ اكتوبر المجيد .. ولقد كان ٧ اكتوبر الوصفة الوحيدة لتفجير هيمنة الدعاية الصهيونية ومبررات استغلالها للعالم
الموضوع جدير بأن يناقش بعيدا عن المواقف المسبقة والرؤى الضيقة.. لوضعه في إطاره الإقليمي والعالمي لان قضية فلسطين ليست قضية محدودة بجغرافية فلسطين بل هي قضية اقليمية عربية إسلامية عالمية.
٧ اكتوبر حول الصهيونية من ضحية إلى مجرم بلا رتوش.. هذا اهم انجاز حققه ٧ اكتوبر بالإضافة إلى كشف عوار هذ الكيان الذي انهارت قوته العسكرية يوما كاملا.. فمن المعلوم ان فرقة غزة العسكرية الصهيونية كانت من اكثر الفرق العسكرية الإسرائيلية اعدادا وقوة وذلك لحماية المستوطنات في غلاف غزة .. في غلاف غزة حيث سهل بئر السبع الخصيب والذي يغطي نسبة عظمى من احتياجات الكيان بالمواد الغذائية كان بحاجة إلى أمن مستتب وقوة خارقة وهكذا كانت فرقة غزة.. ومن هنا ندرك حجم القهر الذي اصاب قلب الكيان الصهيوني وقادته عندما استطاع الفلسطينيون السيطرة على الفرقة وابادتها خلال اقل من ساعتين.. ولهذا جن جنون قادة الكيان واندفعوا لاسترداد ثقة جمهورهم الاستيطاني وإرسال رسالة للعالم بأن اسرائيل قادرة على البطش وابادة الخصم وهنا تدخل اسرائيل في متاهة دموية… المقاومة لم تنكسر وظلت تقاتل وبضراوة واسرائيل تقتل الأطفال والامنين وتشن عليهم كل ادوات القتل..
نحن أمام هذا التحدي الرهيب
والعالم كذلك يقف أمام تحدي رهيب
تحاول الإدارة الامريكية استخدام البروبغاندة المسلحة لكسر ارادة الفلسطينيين وانتزاع استسلام منهم بعد ان فشلت في تجريمهم بخصوص ما تم في ٧ اكتوبر ..
لقد كان لطول ايام الملحمة دور كبير في تفنيد الرواية الصهيونية أمريكية عن ٧ اكتوبر وسقطت كل الدعاية التي اراد الصهاينة تعميمها عن قتل أطفال وحرق مدنيين واغتصاب نساء من قبل المقاومة الفلسطينية.. سقطت دعاوى الصهاينة بانهم تعرضوا لهولكست جديد وانكشف للعالم ان ما ارتكبه الصهاينة ابشع كثيرا مما ارتكبه اي استعمار سابق في التاريخ البشري..
بغض النظر عن نتائج الملحمة والمقتلة وهي في احد جوانبها ماساة للامنين والأطفال والنساء ولاهل غزة المحاصرين فإننا سنكون إزاء واقع مختلف عما سبق.. ولن يستطيع الكيان بعد الان الادعاء أمام مستوطنيه بأنه قادر ان يحميهم.. ولن يستطيع الكيان ترميم صورته المهشمة عالميا.. ولن يستطيع احد تجاوز القضية الفلسطينية فلقد اصبح الحق الفلسطيني اكثر وضوحا واكثر الحاحا على الجميع..
من هنا نكتشف مجددا ان ٧ اكتوبر المتجدد وقائعا ومفاهيما كان فاصلة تاريخية بين مرحلتين ليس فقط بخصوص شعب غزة وفلسطين بل والوعي الشعبي العالمي الذي سيؤثر حتما في توجهات سياسية اقتصادية عالمية تصطدم بلا شك مع ارادة العصابة العالمية.