محاكمة الجنود والسياسيين الإسرائيليين في المحاكم الدولية تعكس تراجع النفوذ الصهيوني وتعد نقطة تحول هامة في توجه العدالة الدولية.

بروكسيل ـ “رأي اليوم”:
تشكل عملية اعتقال جنديين إسرائيليين في منتصف يوليو خلال مهرجان الموسيقى الإلكترونية “تومورولاند” الذي أُقيم في بلجيكا منعطفا هاما ومثيرا حول تصاعد الضغوطات الصادرة عن هيئات المجتمع المدني الدولي لمحاسبة إسرائيل على الجرائم التاي ارتكبتها في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023.
ففي أعقاب إصدار المحكمة الجنائية الدولية في عام 2024 مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يؤاف غالانت، تتهاطل الشكاوى الآن مستهدفة أيضاً القيادات العسكرية بسبب القرارات التي يتخذونها في ميدان المعركة، وكذلك الجنود من الرتب الدنيا بسبب الأفعال والانتهاكات التي ارتكبوها.
عدد من الدعاوي تتقدم بها مؤسسة “هند رجاب” التي تلاحق الجرائم الحربية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، وبدرجة أقل من قبل “شبكة العمل القانوني العالمية” (GLAN)، التي توسع هذه الدعاوى لتشمل مجالات مثل العدالة البيئية أو الانتهاكات التي ترتكبها الشركات الكبرى خلال النزاعات المسلحة. وتتجلى استراتيجية هذه المنظمات على تقديم شكاوى متعددة ضد المشتبه بهم في الدول الموقعة على نظام روما الأساسي والتي تطبق مبدأ الولاية القضائية العالمية بشكل فعّال على أراضيها.
حتى اليوم، وقّعت وصادقت نحو 125 دولة على نظام روما الأساسي، من بينها معظم الدول الأوروبية مثل بلجيكا. وبذلك التزمت هذه الدول بدعم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وقبول اختصاصها القضائي على أراضيها. ومن الناحية العملية، يعني هذا التزام مؤسساتها بالتعاون مع المحكمة للتحقيق في الجرائم الجسيمة ومحاكمتها، مثل جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. كما يحدد هذا الوثيقة طبيعة هذه الجرائم، والعقوبات المترتبة عليها، والأسس التي يمكن بموجبها محاكمة المتهمين. أما إسرائيل والولايات المتحدة، فعلى الرغم من توقيعهما على الاتفاق في عام 1998، إلا أنهما لم تصادقا عليه، وبالتالي لا تعترفان باختصاص المحكمة العليا على أراضيهما.
يمكن أيضاً محاكمة الجرائم ضد الإنسانية في الدول التي تعترف بهذه الجرائم ضمن قوانينها الجنائية وتطبّق مبدأ الولاية القضائية العالمية بشكل فعّال. ويتيح هذا المبدأ للدولة التحقيق في هذه الجرائم ومحاكمتها، حتى وإن لم تُرتكب على أراضيها، وحتى إن لم يكن المتهمون أو الضحايا من مواطنيها.
لقد كانت تطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية هو ما أتاح اعتقال الجنديين الإسرائيليين في بلجيكا. فعندما تبيّن أن كليهما كانا حاضرين في مهرجان الموسيقى “تومورولاند” وهما يلوّحان وسط الجمهور بعلم الوحدة العسكرية التي ينتميان إليها، أطلقت كل من “شبكة العمل القانوني العالمية” (GLAN) ومؤسسة “هند رجاب” (HRF) نداءً علنياً للسلطات البلجيكية من أجل اعتقالهما. واستندت الجهتان إلى الالتزام القانوني الذي تتحمله الدولة الأوروبية بصفتها موقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، ونظام روما الأساسي، ووفقاً لتشريعاتها الجنائية الوطنية.
وقد أثمرت هذه المطالبات: فقد تم اعتقال الجنديين المشتبه بارتكابهما جرائم حرب واستجوابهما من قبل الشرطة البلجيكية. وفي اليوم التالي، عادا إلى إسرائيل دون أ، يغلق لاقضاء ملفيهما، فمن المنتظر أن يصدر مذكرة اعتقال دولية في حقهما إذا توصل بالأدلة التي تدينهما مباشرة.
في الأشهر الأخيرة، بدأت مؤسسة هند رجاب في دراسة مسار جديد لعرض المشتبه في ارتكابهم جرائم جسيمة ضد الفلسطينيين أمام المحاكم. وفي رسالة نشرتها على حسابها في منصة “إكس” في أكتوبر 2024، أكدت أنها قدّمت شكاوى ضد جنود إسرائيليين في الدول التي يحمل فيها المتهمون جنسية مزدوجة. وقالت: “يجب أن تنتهي سياسة الإفلات من العقاب في كل مكان”.
وبدأ العالم يضيق بالجنود الإسرائيليين المشاركين في جرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، وسيصبح صعب للغاية افلاتهمن من العقاب القانوني الدولي خلال السنوات المقبلة. وهذا التطور يدل تراجع نفوذ اللوبي الصهيوني في الدول الغربية وأمريكا اللاتينية. بينما مازال الجنود يزورون دول خليجية مثل البحرين والإمارات وعربية أخرى والمغرب بدون ملاحقة قانونية.