باريس تعترف بفلسطين: أزمة مصطنعة وسطحية – بعد اشتراطها المشاركة في العدوان الثلاثي على مصر، حصلت إسرائيل على أسلحة نووية عبر فرنسا. بيريز حقق هدفه بدعم من الفرنسيين وبتأييد من واشنطن لسياسات الكيان الغامضة.

الناصرة – “رأي اليوم” – من زهير أندراوس:
تُهدّد إسرائيل وتتوعّد فرنسا في حال إقدامها على الاعتراف الرمزيّ بدولة فلسطين، وبحسب صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة فإنّ دولة الاحتلال تمارس الضغوط على الرئيس إيمانويل ماكرون لثنيه عن هذه الخطوة، وذلك بمساعدةٍ من واشنطن، لافتةً إلى أنّ هذه الخطوة موجات عميقة في الساحة الدولية.
وبتصرفها هذا تتناسى دولة الاحتلال عن سبق الإصرار والترصّد أنّ بناء مفاعل ديمونة النوويّ تحقق بفضل فرنسا، التي حققت عمليًا الحلم النوويّ الإسرائيليّ، ومنحت الكيان قوّة ردعٍ لترهيب الأمّة العربيّة.
القصة الكاملة نُشِرَت في كتاب (كطائر الرمل)، للرئيس الإسرائيليّ الأسبق، شيمعون بيريس، وهو كتابٌ يشرح السيرة الذاتيّة لأحد أعمدة الحركة الصهيونيّة ودولة الاحتلال.
وجاء في الكتاب، الذي نشره البروفيسور ميخائيل بار زوهار: “مساء الرابع والعشرين من تشرين الأول- أكتوبر 1956، وقف كلٌّ من رئيس الوزراء ووزير الأمن الإسرائيليّ ديفيد بن غوريون، ومدير عام وزارة الحرب شمعون بيريز، في غرفة الضيوف، في فيلا مرفهة، في مدينة سيفر الفرنسية، وفي الطرف الآخر من الغرفة، جلس وزير خارجية فرنسا كريستيان بينو، ووزير دفاعها موريس بورجوس مونوري، وفي الغرفة المجاورة اجتمع عدد من الفرنسيين مع رئيس الأركان موشيه دايان، وعملوا على وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية التي سيتم توقيعها بعد وقتٍ قصيرٍ بين إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، وستحدد التفاهم فيما بينهم حول العدوان الثلاثي على مصر عام 1956”.
وتابع: “لكن قبل قليلٍ من مراسم التوقيع على الاتفاقية، قال بيريز لـ بن غوريون: (أعتقد أنّني أستطيع القيام بذلك الآن)، وعلى الفور أعطى بن غوريون موافقته، فقطع بيريز الغرفة إلى الطرف الآخر، متجهًا إلى بينو وبورجوس مونوري قائلاً: إنّ إسرائيل تخاطر بوجودها بانضمامها إلى فرنسا وبريطانيا، وهي بذلك تجذب نحوها عداء العالم العربيّ كلّه، الأمر الذي سيهدد وجودها، إنّها بحاجة إلى قوّةٍ رادعةٍ، وفرنسا قادرة على إعطائها هذه القوة الرادعة، القصد كان واضحًا للجميع، فبقوله (قوة رادعة)، قصَد بيريز بناء قوة نووية”.
وأردف الكتاب: “لقد كان طرح الموضوع قبل التوقيع على المعاهدة بدقائق معدودةٍ، بمثابة إشارة واضحة للفرنسيين، بأنّ هذا المطلب هو شرطٌ أساسيٌّ لكي توقع إسرائيل على الاتفاقية وتشارك في العدوان الثلاثي، وإذا لم يوافق الفرنسيون على هذا المطلب، يمكن أنْ تعيد إسرائيل النظر في موافقتها على المشاركة في العملية”.
وشدّدّ الكتاب على أنّ “طلبُ بيريز لم يكن مسبوقًا، فلم يحصل أنْ بَنَت دولة ما مفاعلاً نوويًا لدولةٍ أخرى، ولم تزودها باليورانيوم وتقنيات التشغيل، فخاف الفرنسيون من التزام كهذا، لكن، وفي ساعات المساء من يوم 24 تشرين الأول – أكتوبر، تغير الوضع، فقد كان بيريز يعرف جيدًا كيف يستغل الوضع مقابل الخدمات التي تقدمها إسرائيل، وكان يعرف أن سرّ النجاح يكمن في التوقيت السليم.”
وأوضح: “بعد عدة دقائق عاد الفرنسيون، وقال له بينو: “أنت تعرف أنّ مشكلتنا الأساسية هي اليورانيوم”.. فأجابه بيريز: “لا تبيعونا اليورانيوم، بل أعيرونا إياه، وسنعيده لكم بعد استخدامه”.. عندها قال له بينو: “إذا كان الأمر كذلك فأنا مستعد لتوقيع الاتفاقية حالاً”.
لكن الحكومة الفرنسية سقطت في مساء اليوم نفسه، ومع ذلك وُقّعَت الاتفاقية بعد سقوط الحكومة ولكن تمّ تأريخها في اليوم السابق لسقوطها، وعند انتهاء العملية العسكرية، وقبل خروج جيش الاحتلال من سيناء، عاد بيريز إلى باريس لإتمام المهمة.”
وفي 12 كانون الأول (ديسمبر) تمّ التوقيع على الاتفاقية الأولى، حيث تعهدت فرنسا بموجبها أنْ تزود إسرائيل بمفاعل ذريٍّ بطاقة 40 ميغاواط، وتساهم في بنائه، وكذلك تعهدت بأنْ تعيرها 385 طنًا من اليورانيوم الطبيعيّ، اعتبارًا من العام 1960، ثم تلت هذه الاتفاقية اتفاقية سريّة ثانية نصت بشكلٍ واضحٍ على تعاون بين الدولتين لإنتاج سلاحٍ نوويٍّ.
علاوة على ما ذكر أعلاه، فإنّ “الدعم الفرنسيّ لبناء المفاعل استمرّ، بكامل طاقته، مدة ثلاث سنوات وخطط مهندسون فرنسيون المفاعل وبنوا مصنعًا لفصل البلوتونيوم، كما أسهم علماء وأخصائيون فرنسيون آخرون في عملية البناء”، كما ورد في كتاب بيريز، وفق ما نقله الإعلامي بسام الخالد.
بعدها، كان طبيعيًا أنْ تقوم إسرائيل بإكمال مشروعها بمفردها بعد أنْ أكملت فرنسا كلّ مكوناته الأساسية الهامّة وقدمتها هدية قيّمة لإسرائيل لتحفظ بقاءها بقوة ردعٍ دائمةٍ تهدد بها العرب، علمًا أنّ فرنسا كانت وما زالت تُعارِض وبشدّةٍ البرنامج النوويّ الإيرانيّ.
جديرٌ بالذكر أنّ إسرائيل تنتهج حتى اللحظة سياسة الضبابيّة في مسألة ترسانتها النوويّة، إذْ لا تؤكِّد ولا تنفي حيازة الأسلحة غيرُ التقليديّة، وفقًا لاتفاقٍ سريٍّ أبرمته مع الولايات المُتحدّة الأمريكيّة.
وتعود صياغة عبارة (لن تكون الأولى) إلى مذكرة تفاهم أشكول-كومر التي تمت بين إسرائيل والولايات المتحدة في 10 آذار (مارس) عام 1965، والتي للمرة الأولى تتضمن تأكيدًا إسرائيليًا مكتوبًا بأنّها لن تكون أول مَنْ يدخل السلاح النوويّ في منطقة الشرق الأوسط.
وفي الختام وجب التذكير بأنّ عقيدة رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق، مناحيم بيغن، تقوم على مبدأ إستراتيجيٍّ مفاده بأنّ إسرائيل “لها الحق في منع أيّ دولةٍ، تراها معادية، من الحصول على السلاح النووي”. ويكون ذلك بضرب الأهداف، التي تحددها لهذا الغرض. وتوصف هذه العمليات العسكرية، في عقيدة بيغن، بأنها “دفاع استباقي عن النفس”، وهو الأمر الذي طبقته الحكومة الحاليّة في تل أبيب عندما ضربت إيران الشهر الفائت.